تحية لأسرانا البواسل، أسرى الحرية، وقصص البطولة التي ينسجونها داخل الزنازين الانفرادية، أو داخل العنابر الزرقاء، أو داخل غرف التحقيق التي لا يوجد أبشع منها، أو حتَّى داخل قاعات المحاكم الإسرائيلية التي تكون الأحكام فيها جاهزة سلفا، لأنَّ الذي داخل القفص فلسطيني، وهل هناك سوادًا أكثر من حظ الفلسطيني، لأنَّه حين بعجز المنطق الإسرائيلي عن تبرير أعماله القبيحة، فإنَّ هذا المنطق الإسرائيلي يجد حجمه لتبرير الظلم واللامساواة، والحجز الإداري، والإهمال الطبي، ووحشية التحقيق، وعبثية الإجراءات، فيقال إسرائيليا، ماذا نفعل إنّه لسوء الحظ فلسطيني.

وحكاية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي هي سلسلة راقية من أدب الملاحم، فقد دخل هذه السجون الإسرائيلية عبر سنوات الاحتلال المستمرة مليون فلسطيني، بعضهم أب وأولاده، وبعضهم جد وأحفاده، وأم وجنينها الذي في أحشائها، رجال مسنون وأولاد لا زالوا في عمر الطفولة، وبعضهم من الشتات الفلسطيني، أو من القدس والضفة وغزة، أو من داخل الخط الأخضر، وحين يكونون في السجن الإسرائيلي فإنَّ كلّ الأشكال التفرقة المصطنعة تزول وتسقط ولا يبقى سوى حقيقتهم الخالدة، فلسطينيون، يا الهي ما أغبى هذا الاحتلال الإسرائيلي، إنَّه في هذه الدراما الشاملة مع الفلسطينيون، وفي مجال استخدامه لكل مقولات النازية، ينتهي به الأمر إلى أن الفلسطينيين أصبحوا فلسطينيين أكثر، وإنَّ هدف النسيان تحول إلى ذاكرة جماعية ضد النسيان، وأنَّ الموت صار حياة، وإنَّ القهر صار حرية، وأنَّ فلسطين بكل تجلياتها الخارقة، والوطنية الفلسطينية بكل فصول حضورها أصبحت أكثر حضورًا فكان هذا الاحتلال رغم عنجهيته السوداء لا مفر أمامه سوى أن يهرب من الخوف إلى الخوف ،وان الهاجس يلاحقه في عز نومه وصحوة ،وهذه واحدة من عبقريات القضية الفلسطينية ، بقدر ما يسعى الاحتلال وحلفائه الكبار والصغار إلى شطبها، فإنَّها تتحول إلى غابة متشابكة من الحضور المجيد.

شعلة الأسرى دائما مضاءة بإبداعات خارقة، وفصول ملحمية، ـووقفات عز تاريخية، وملاحم تروى يعيش على إيقاعها شعبهم الذي أنجبهم على هذا النحو الغير عادي، وعمالقة الصبر، وأبطال الحكاية الأصلية، وشهود الزمن الموجع، لذلك فهم أولوية لا خلاف عليها، وضوء في حياتنا يصل بنا إلى تفاصيل التفاصيل، وكل أسير فلسطيني يخرج من سجن، ويتحرر من قيوده، هو الشهادة الحية على إنَّ الحرية هي المنتصرة رغم بشاعة الاحتلال وبشاعة سجون الاحتلال، وشعلة الأسرى هي شعلة الأمل الكبير الذي لا ينطفئ.