تحقيق: وليد درباس

  كغيرهم من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، يعيش أهالي حي "البركسات" في مخيّم عين الحلوة ظروفًا معيشيةً صعبةً تفتقدُ لأبسط مقومات الحياة الإنسانية، وهُم في الوقت ذاته يواجهون معاناةً مضاعفةً جرّاء حرمانهم من خدمات "الأونروا" بذريعة وقوع الحي في منطقة جغرافية خارج نطاق عمل الوكالة. وتحت وطأة هذا الواقع الصعب، بادر أبناء الحي لتشكيل لجنة للبركسات تعمل على تسيير أمورهم، ومعالجة ما يعترضُهُم من مشكلاتٍ خدماتيةٍ.

تأسيسُ حي "البركسات"
أسَّست السلطات اللبنانية الرسمية حيَّ "البركسات" في العام 1956، بجوار مستشفى صيدا الحكومي، بهدف إيجاد أماكن إيواء مؤقّتة لعشرات العائلات اللبنانية التي أودت الهزة الأرضية آنذاك ببيوتهم، وسُمِّي الحي بـ"البركسات" لتطابق المواصفات بين غرف الإيواء و"البركس"، خاصةً أنَّ مساحة "البركس" تساوي (5,5م ×4م). ويوضح "قاسم جبر"، وهو من أهالي البركسات، أنَّ إنشاء السلطات اللبنانية فيما بعد المساكن الشعبية (التعمير التحتاني) لصالح المهجَّرين، أسهم بدفع ما أمكن من العائلات لترك "البركسات" لسواهم وما إلى ذلك. ويُشير إلى أنَّ العائلات الفلسطينية التي ضاقت عليها دُورُها، من أهالي عين الحلوة خاصّةً، وجدت في "البركسات" ضالَّتها، فانتقلت للحي، وشرعت بأعمال البناء، ثُمَّ لحقت بها عائلات فلسطينية مُهجَّرة من مخيَّمات تل الزعتر، والنبطية، والبرج الشمالي، وغيرها، وتحوَّلت الأرض المشاع البالغة مساحتها 50000م2، ذات الملكية العقارية العامّة والمملوكة من أفراد لبنانيين أيضًا، إلى مساكن، إضافةً إلى افتتاح العديد من المقرّات الفلسطينية الاجتماعية والفصائليّة وغيرها.
أمَّا عن الخدمات الـمُقدَّمة لأهالي الحي، فيقول جبر: "لم تشفع لحي البركسات محاذاته لعين الحلوة بالحصول على المعاملة بالمثل خاصةً من قِبَل وكالة "الأونروا"، التي اعتبرته خارج الولاية القانونية لخدماتها، ما فاقم معاناة أهله، لا سيما أنَّ الأوضاع الاقتصادية تُلقِي بثقلها على المقيمين فيه، إذ يوجد نحو 30 إلى 35 منزلاً من ألواح "الزينكو"، بينها منازل لعائلات لبنانية أيضًا، تشاركنا الأفراح والأحزان، علاوةً على أصناف أخرى من العذابات في مجال الخدمات البنيوية الحياتية".
من جهة أخرى يُسجِّل جبر ارتياحه للمصالحة التي تمَّت مؤخَّرًا بين حي "البركسات" و"لجنة حي الطيرة"، ويدعو لتوسيع دائرتها، وتعميمها حيثُ توجَّب بين الأحياء، وعطفًا عليه يقول: "في العام 1982 لم يتمكَّن جنود الاحتلال الإسرائيلي من قطع دائرة تواصلنا في عين الحلوة، في حين بِتنا اليوم نحاصر أنفسنا بأنفسنا، ولا أحد يربح، فالكل خاسر". ويختم جبر حديثه بتثمين دور "لجنة البركسات" أو كما يحلو للبعض أن يُسميها بحكم حجم مسؤولياتها "اللجنة الشعبية لمنطقة البركسات".

تفعيل العمل مسؤولية وطنيّة  مجتمعيّة
يرى الفلسطيني "محمود رابـح" أنَّ "عدم إدخال "الأونروا" حي البركسات بولايتها القانونية، وحرمانه من الخدمات كافةً، تقفُ خلفَهُ ذرائع واهيـة، لا تفسير لها سوى رغبة الأونروا في التنصُّل من مسؤولياتها تجاه اللاجئين، بغض النظر عن أماكن إقامتهم، هذا بوقت لا تتورَّع فيه عن رصـد الإمكانيات المالية الكبيرة لدفع رواتب كبار موظَّفيها الأجانب"، ويتساءل: "لماذا تتحمَّل "الأونروا" إذًا المسؤوليات الخدماتية من صرف صحي، وتعبيد طرقات، وتشغيل آبار المياه، وغيرها، في أحياء عين الحلوة الشبيهة بوضع البركسات؟".
ويُكمِل: "نحن نشعُر بوجود محاولاتٍ لتهميش عمل "لجنة البركسات" على أكثر من مستوى وصعيد، ومن أكثر من مرجع قيادي فلسطيني، خاصةً أنَّ ما يزيد عن 70% من أهل "البركسات" يعيشون دون مستوى خط الفقر، ولا يُترَك أي هامش لحرية حركة وعمل الشباب أيضًا، الأمر الذي يستدعي من الجمعيات والمؤسسات المعنيّة إيلاء هذا الجانب الاهتمام الكافي في أجندتها، والعمل على انتشال شبابنا من براثن الوقوع في المتاهات، باعتماد برامج قروض خاصّةً لتشجيع الشباب على إقامة المشاريع على سبيل المثال، وإن كانت محدودة وصغيرة".
من ناحية أخرى يلفت رابح نظر الجهات القيادية الفلسطينية إلى ضرورة العمل على مساعدة اللجنة بتوفير قاعة خاصّة لأهالي الحي، بحيثُ تكون مُناسِبةً لتقبُّل التعازي وتنظيم الندوات وغيرها، وينهي بالقول: "اللجنة الشعبية في البركسات بذلت جهدها مشكورة، فتواصلت مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "UNDP" وجهات أُخرى، لتأمين خدماتٍ، ومشاريع صغيرة للحي، لكنَّها غير كافية، ونتطلَّع لمساعدة تُمكِّننا  من حفر بئر ارتوازي في البركسات يحُدُّ من حاجتنا للحصول على مياه الشرب حينًا من بئر الصفصاف، وأخرى من بئر طيطبا، الذي هو أصلاً بأمس الحاجة لزيادة حصته من مادة المازوت من قِبَل "الأونروا" لتشغيله".

موقف الأونروا من البركسات مُلتبِس
يتكوَّن حي "البركسات" من مزيج متنوّع من الأهالي، وتشكيل اللجنة في الحي كان نزولاً عند رغبة الناس، وفق حديث أمين سر اللجنة محمد سلطان، الذي يوضح أنَّ أعضاء اللجنة هم أشخاصٌ مَدَنيّون ارتضوا العمل تطوّعًا لما فيه خدمة وتلبية حاجات وقضايا الناس، وذلك تحت مظلّة ومرجعية الشرعية الفلسطينية ممثَّلة بمنظمة التحرير الفلسطينية، ويقول: "علاقتنا مع المرجعيات الشعبية العُليا هي علاقة تنظيمية، ولا تتجاوز الأمور التنظيمية، وعلاقتنا مع اللجنة الشعبية في المخيَّم علاقة تنظيمية صحية، وممتازة، وتقوم على المصداقية والشفافية بمناحي العمل كافةً".
وفي عرضه للمناخات الداخلية، يؤُكِّد سلطان حُسْنَ العلاقة مع الجوار اللبناني، وينوِّه بأنَّ العلاقات الاجتماعية بين العائلات الفلسطينية واللبنانية في الحي ممتازة، وتسودها المودة والألفة.
من ناحية أخرى، يُشير سلطان إلى أنَّ عمل "لجنة البركسات" اليوم يستند على تراكمات عمل اللّجان السابقة في البركسات، وفي حديثه عن المهام ومعالجة اللجنة لمتطلّبات وحاجات الأهالي، وبشكل خاص ذات الصّلة بالبنية التحتية (صرف صحي، كهرباء، مياه شفة، الــخ)، يقول: "كُنّا على الدوام نقرعُ جرس الإنذار، ونرفـعُ الصوت، وقد توجَّهنا بدايةً إلى "الأونروا" لتتحمَّل مسؤولياتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين في الحي، ولم تعلن الأخيرة رفضها، لكن ومن حينها ما زلنا (على الوعـد يا كمون). وهذا الأمر دفـعَ اللجنة لاعتماد سياسة (تدوير الزوايا)، بمعنى ترتيب حاجات وقضايا الحي استنادًا للأولويّات، آخذين بالاعتبار برامج وقدرات جهات التمويل، وقدرتنا على إقناعهم بجدوى المشاريع، وحاجات الأهالي، وأيضًا التَّحلي بالنَّفَس الطويل، وبعد تحقيق المراد ننتقل لأولوية جديدة، وهكذا دواليك". ويستذكر بهذا السياق عملَ اللجنة مع الـ"UNDP" لنحو عامين، ما أثمر بتقديمهم محوِّل "ترانس" كهربائي للحي، الأمر الذي حـدَّ من حجم الأعطال التي كان يتعرَّض لها "الترانس" السابق من جهة، ووفَّر ساعاتٍ أفضل من التغذية، ويُضيف: "بعدها انتقلنا لمعالجة المشكلة المزرية لتمديدات الصرف الصحي، التي أثقلت كاهل الجميع، ولا سيما فئة الأطفال التي كانت الأكثر عرضةً للإصابة بالجراثيم، فهي بمجرد فتحها تطفو مياهها الآسنة مجدَّدًا وسريعًا على سطح الأرض".
ويتوقَّف "سلطان" أمام استثناء "البركسات" من عقود وتلزيمات البنية التحتية التي عرفها مخيَّم عين الحلوة مؤخَّرًا، وإحالة التلزيم للـ"UNDP"، ويعدُّه تمييزًا جديدًا مُلتبِسًا، وغيرَ مفهوم، من "الأونروا" تجاه "البركسات" خاصّةً أنَّ التلزيم داخل المخيَّم يأتي من قِبَل هيئة هندسية مخوَّلةٍ ومناطٍ بها تحمُّل المسؤوليات، وطبعًا من دون التقليل من عمل واهتمام الـ"UNDP"، ويضيف: ما يُهمُّنا في اللجنة أن يتمَّ تعبيد شوارع الحي وَفْقَ المعايير، والشروط، والتقنيات الهندسية السليمة ليس إلّا".

مساعٍ مشتركة وحلول
لسانُ حال مَن التقتهم مجلّة "القدس" من أهالي البركسات ينوِّه بالتعاون العام بين الأهالي ولجنة الحي، وأنَّه السبب الرئيس لحلحلة ما أمكن من القضايا، وأبرزها: "التخلُّص من النفايات، وفتح مصارف الصرف الصحي حين اللزوم، وصيانة الشبكة الكهربائية، إلـخ"، من خلال تنظيم جباية رمزية لمعالجة هذه القضية أو تلك، علمًا أنَّ اللجنة تبذُل جهدها لتنظيمٍ أدق للجباية بحيثُ تكون شهرية وشفّافة.
من ناحية أخرى، وفي رسالتهم للقيادة الفلسطينية، دعا الأهالي لإيلاء قضايا الحي وحاجات العائلات العناية والاهتمام، وأقلّه أسوة بواقـع حـال التجمُّعات في عين الحلوة الشبيهة بالبركسات، علمًا أنَّ حي "البركسات" يضمُّ العديد من المقرّات والمراكز الفلسطينية وفيها مسؤولون مُقتَدِرون.