من المؤسف حقاً أن يكون بعض زُعماء العالم العربي والإسلامي في غفلة، أو في سكرتِهم يّعمهُون وقد شغلتهم الحياة الدنيا، فلم ينزلوا الناس منازلهم ولم يقدروا للناس قدرهم، فقُدم الجهُلاء من القوم، وتراجع دور العلماء، وضُيعت الأمانة، حينما وسِّدّ الأمرُ لغير أهله، وأصبح الكثير من سفهاء القوم يتكلمون بأمر عامة الناس، ومن المصائب التي مُنيت بها الأُمة العربية في هذا الزمان مصيبة من أعظم المصائب، حيثُ يكون بين ظهرانهم وفيهم ومنهم القائد الفذ صاحب الرؤية الثاقبة والسيرة والسريرة الرائعة الجميلة، والسجل الوطني النضالي المُشرف، والصفات الحميدة من حسن الخُلق إلى غير ذلك، ويكون الناس عن هذا البطل غافلون ساهون، أو له متجاهلون، وغير مُقدرون، وربما يدعون عليه من كُثر سفاهة أحلامهم وفقر عقولهم كما يقول المثل الشعبي، "دعوتُ على عمرٍ! فمات عمرٌ! فّْسّرنيِ ذلك،  فّعاشرتُ أقواماً فّبكيتُ على عمرُ، فكثير من الناس في وطننا العربي الكبير يكون بينهم الخبراء والفقهاء الأنقياء الأتقياء، والأدباء، والعلماء، والفصحاء، والمبدعون، والمخترعون، والمفكرون، والمناضلون، والمجاهدون، والوطنيون المخلصون الفدائيون، ويا أسفاه، و يا حُزناه، و يا مُصّيِبتاهْ، لسوء ما صنعنا بأنفسنا، حيث نقوم بالضغط على الْعاّلِم حتى يهرُب لبلاد الله الواسعة، ويقدم انجازاته وإبداعاته وابتكاراته لدول أوروبا، والغرب والذين ينزلونه منزلهً كبيرة يرفعون قدرهُ ويعظمونهُ ويحترمونهُ، ويجلونهُ، وعلى سبيل المثال ألمانيا يوجد فيها تقريباً 200 طبيب عربي ومسلم من أفضل أطباء العالم، وفي وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، يوجد أكبر عالمة فلسطينية الجنسية؛ وقِّسْ على ذلك الكثير من العلماء والعظماء العرب في كل بقاع الأرض، وهم من ابتكروا العلوم النافعة للبشرية وعمروا الأرض، في بلاد الغرب أكثر مما عمروها في بلدانهم التي وجدوا فيها التجاهل والظلم والقهر، والذل، والتراخي وعدم الاحترام لهم!؛ فنحن العرب كثيراً ما نضغط على الناجح حتى يفشل، والغرب يعملون على دعم الفاشل حتى ينجح عكسنا تماماً، مع أننا نجد في ديننا يُنادي بأن النظافة من الإيمان، ودين الإسلام دين التسامح والرحمة والطُهر، ورغم ذلك تجد شوارعنا العربية مملوءة بالقاذورات والقمامة في الشوارع، وفي بلاد الغرب التي نقول عنها بلاد الكفر! نجد الشوارع نظيفة جداً وكأنهم هم المسلمون ونحن الكافرون!!؛ وكذلك لو نظرنا لهم في إتقان الصناعات، والأمانة في المواعيد والإخلاص في العمل أكثر من القول لوجدنا ذلك عند أوروبا والغرب!، ونحن العرب نجد القول ولا نجد الفعل، وما أشطرنا بالكلام دون التطبيق، ومما أثار حفيظتي الآن لأكتب مقالي أيضاً إحساسي بعدم الوفاء والإخلاص للشهداء الأحياء، وعدم المحافظة على القادة المجاهدين المناضلين في حياتهم؛ فلقد اغتال الموساد الصهيوني وبمعاونة العملاء الخونة، الكثير من الشهداء القادة الكبار، وكان الناس لا يقدرون لأولئك الأبطال قّدرْهُم ولا ينزلونهم منازلهم، والأدهى من ذلك والأّمّرْ أن يكون قائد كبير في فصيل وجناح عسكري فلسطيني مقاوم بحجم الشهيد المبحوح رحمه الله، وبحجم القائد الشهيد البطل مازن فقهاء رحمه الله يتم اغتيالهم بدمٍ بارد من قبل العُملاء الخونة الخنازير التابعين للموساد والشين بيت الصهيوني، ولا حراسات أمنية ولا حماية لأولئك القادة الشهداء، بينما العكس صحيح تجد بعض القادة السياسيين الذين ليسوا في دائرة الاستهداف المركزي للعدو، تجري معهم ولهم ولحمايتهم مواكب أمنية من الحراسات والمرافقين الخ، والمبكي المحزن المفُزع ترى الناس سكارى وما هم بسكارى، بعدما يتم اغتيال الشهيد القائد من أي فصيلٍ كان؛ تجد الجموع والألوف المؤلفة من الجماهير تبكي الشهيد وتنعي الشهيد وتجد مئات المسلحين المدججين بالسلاح يحمون جثمان الشهيد كأنهم يحرسونه الآن بعد موته وقبل دفنهِ، وبعدما انقضى أجلهُ، ويقومون باستعراض عسكري مهيب، وخطب رنانة مُزلزلة، ويتفّنن المتكلمون أمام الفضائيات وشاشات التلفاز والشعارات ترفع بالانتقام الخ، ولا باس في ذلك من تكريم الشهداء وهو أقل الواجبٌ على الجميع وفاءً لدمهم الطاهر، ولكن أين كنتم قبل ذلك لتحموا الشهيد قبل اغتيالهِ؟ ألم يكن الأجدر أن تكون تلك الجموع من المسلحين يحمون ويحرسون ذلك القائد في حال حياته؟؟ ألم يكن الأجدر بتوفير حماية كبيرة للشهيد مازن فقهاء رحمهُ الله وخاصة أنه تعرض علناً للتهديد، وأدرج الاحتلال الصهيوني اسمهُ ضمن قائمة الاغتيالات، فهل يُعقل أن يترك الشهيد القائد مازن وليس لديه أي مرافقين أو حماية أمنية؟ شيء يكاد يطيش العقل من شدة ما نحن فيه من غباء، فيا قومنا اتقوا الله، في أنفسكم، وفي أبطال المقاومة، فبعدما يرتقي الشهيد وتصعد روحهُ للعلياء نعرف وقتها أنه كان بطلاً مغواراً مقداماً وقائداً كبيراً، وتغني بسيرته ومسيرته العظيمة الكبيرة العطرة، فأين كنتم عنه غافلون قبل ذلك! إنها الدنيا الملعونة، يرحل الشرفاء بصمت، ويقتل الأذكياء، والأبرياء والأتقياء، والأتقياء والصالحون، والمناضلون العظماء، ويقتل من يعرفون كل شيء، وبعدما يرحلون تجد الباكين عليهم والناعون لهم والمقدمون العزاء وما أكثرهم،آلْآنَ، وقد تركتموه وحيداً من قبل!، فلا تلموني في مقالي هذا ولوموا أنفسكم، حتى لا تتكرر الكرة مرةً أخرى، فهل تعملنا الدرس، وهل يجب أن يموت ويستشهد العظماء حتى نجد الهاتفين لهم بأنهم هُم القادة وهم العظماء والكرماء والشرفاء "وهم كذلك صحيح"، ولكن ما يجب علينا قولهُ هو أن نحافظ عليهم وهم أحياء ولا أن ننعى حظنا ونبكيهم وهم أموات، يومها لا ينفع الندم، رحم الله الشهيد القائد مازن، ورحم الله القائد الكبير الشهيد صلاح خلف أبو إياد الذي أيضاً طالتهُ يد الغدر والخيانة قبل عشرات السنين ليرتقي شهيدًا القائل:" أخشى ما أخشاهُ أن تصبح الخيانة وجهة نظر"، المجد والخلود لشهدائنا الأبرار الحرية لاسرانا البواسل، والخزي والعار للخونة والعملاء وللاحتلال، فيا ليت قومي يعلمون ويتعلمون ويقدرون الإبطال قدرهم قبل رحيلهم! فلتذهب السكرة ولتبقى الفكرة والذكرى.