خاص مجلة القدس العدد 332 تشرين ثاني 2016
تحقيق: ولاء رشيد

لم يحصل "عمر" على جرعته من لقاح السِّل، ولم تتمكَّن "أم أحمد" من مراجعة طبيبتها للاطمئنان على صحة جنينها، و"فرح" لم تذهب للمدرسة، ولا تمكَّن "أبو أسعد" من مراجعة مكتب الشؤون بخصوص قضيّته، كلُّ ذلك لم يحدث بسبب تقليصات "الأونروا"، وإنما جرّاء الاحتجاجات الشعبيّة على هذه التقليصات، إلّا أنَّ المفارقة تكمن في أنَّ المتضرّر في الحالتَين هو اللاجئ الفلسطيني!

هذه التّحركات التي بدأت بصورة اعتصامات سلمية على خلفية إعلان "الأونروا" عن عدد من الإجراءات والتقليصات في لبنان ما لبثت أن تحوَّلت لإغلاقات لمراكز "الأونروا" الصحية والتعليمية والإغاثيّة، بل ووصلت بالمحتجين حد الاعتداء على هذه المراكز والعاملين فيها، وإحراق الإطارات المطّاطية والنُّفايات بالقرب منها، وخاصةً في مخيّم البرج الشمالي الذي شهِدَ النسبة الأكبر من الاعتداءات، غير مدركين للتداعيات السلبية والتَّبِعات المستقبلية التي قد تنجم عن هذه الأساليب الاحتجاجية.

*صحةُ اللاجئين على المحك
في عيّنةٍ عشوائيةٍ ليوم عملٍ عادي في إحدى عيادات الأونروا في أحد المخيّمات خلال شهر تشرين الأول وجدنا أنَّ العيادة تستقبل يومياً قرابة 350 مريضاً، بينهم نحو 18 طفلاً تحت سن 5 سنوات (لقاح)، و35 طفلاً فوق الـ5 سنوات (مرضى)، و12 سيّدة حامل للمتابعة، و45 مريضَ ضغط وسكري.
الترجمة الفعلية لهذه الأرقام هي أنَّ إغلاق إحدى العيادات في مخيّم واحد وليوم واحد فقط، يعني حرمان نحو 350 لاجئاً فلسطينياً من الدواء الشهري والعلاج، بينهم أطفال ونساء حوامل ومسنون! وهذه العيادات تكون أصلاً مكتظّة بالمرضى في الأيام العادية، وبمن لديهم مواعيد مسبقة من أطفالٍ وذوي أمراضٍ مزمنةٍ، لذا فإنَّ قدوم مرضى ممّن لم يحصلوا على العلاج بسبب الإغلاق في اليوم التالي يؤدي لكثافة في المواعيد وزيادة فترة الانتظار، ما يؤدي بدوره للتأثير على جودة الخدمة والوقت المخصص للمعاينة، وقد لا يحصل الجميع على فرصتهم من المعاينة لضيق الوقت.
فالسيدة "مريم م." (27 عامًا) اصطحبت طفلتها البالغة من العمر تسعة أشهر لأخذ الجرعة المخصَّصة لها من لقاح الحصبة في إحدى عيادات الأونروا، ولكنّها وجدتها مقفَلةً من قِبَل أحد اللاجئين لمطلب شخصي خاصٍّ به، ما أدّى لتأجيل جرعة اللقاح أسبوعاً نظراً لأنَّ جرعات بعض اللقاحات (كالسّل، والحصبة، ...) تُعطَى لمجموعات كون فتح علبة اللقاحات يعني وجوب استخدامها كلها لأنّ ما يبقى من العلبة يفسد ويجب تلفه في آخر اليوم نفسه، وسياسة الأونروا تقضي بإعطاء اللقاحات متى استدعت الحاجة، لكنها في الوقت ذاته تعطي العيادات عدداً محدّداً دوريّاً من علب اللقاحات، وبالتالي فإنَّ فتح علبة لقاحات تتضمّن 10 لقاحات مثلاً لإعطاء جرعة واحدة منها وإتلاف التسع المتبقية يُعدُّ هدراً، ويؤدي لاحقاً لنقص في اللقاحات الخاصّة بالعيادة.
أمّا الحاجّة "دُنيا ح." (70 عاماً) فتعاني من مرض الضغط المزمن، وهي بحاجة ماسّة لدوائها الشهري. ورغم وهن جسدها تتكبّد مشقّة التوجّه شهرياً للعيادة للحصول على الدواء. وقد اضطرّت للتوجه مرتّين للعيادة خلال الشهر الماضي بعد أن وجدتها في المرة الأولى مغلَقة من بعض المحتجين، وحول ذلك تقول: "حسبنا الله ونعم الوكيل.. هو أنا فيني حيل آجي مرة بالشهر عشان يرجعوني مرة ثانية! بيسكروا العيادات لإيش.. شو اللي بتحكموا فيهن الأجانب ليحسوا!! هاي العيادات لإلنا، يروحوا يحتجوا مطرح بقعدوا الأجانب!".
ولعلّ الظاهرة الأخطر من ذلك هي إقدام بعض المحتجين على إحراق الإطارات المطاطية والنُّفايات، إذ أشارت العديد من الدراسات إلى أنَّ الغازات السّامة المنبعثة من حرق الإطارات في الشوارع والأحياء السكنية، تتسبَّب بالعديد من الأمراض وأبرزها سرطان الرئة والأمراض التنفُّسية وانقباض الصدر وتضيُّق القصبات الهوائية، وأكثر الفئات عُرضةً للتأثُّر بذلك هم الأطفال والأَجِنّة والرُّضّع والمسنون ومرضى الربو، وحدوث ذلك في مخيّمات ضيّقة ومكتظّة بالسكان يزيد من آثار وخطورة وعدد المتأثرين بهذه الظاهرة.
*التلاميذ هم المتضرّرون من إغلاق المدارس
يبلغُ متوسط أيام الدراسة الفعلية في مدارس الأونروا نحو 170 يوماً، بعد احتساب العطل الرسمية وفقاً لرزنامة الأونروا الدراسيّة، وبالتالي فإن كل يوم إغلاق بسبب الأوضاع الأمنية أو الاحتجاجات يعني حرمان الطالب الفلسطيني من يوم تعليمي. وفي هذا الصدد تقول "أ.ع"، وهي معلّمة في إحدى مدارس عين الحلوة، "شهدَ العام الماضي الكثير من الأحداث الأمنية التي أدّت لتعطيل الدراسة في المخيّم أياماً عديدة ومتواصلة أحياناً، وفوق ذلك كانت تُغلَق المدارس بدعوى الإضراب والاحتجاج، وهذا لم يسمح لنا بإعطاء المنهاج بالشكل المطلوب لكافة الحلقات، وخصوصاً تلاميذ الشهادة الرسمية المتوسطة (البريفيه)، فاضطررنا لتعويض أيام التعطيل خصوصاً لتلاميذ الشهادة يومَي الجمعة والأحد، ورغم ذلك لم نحظَ بوقتٍ كافٍ للمراجعة".
أمَّا "محمد س."، الموظّف في إحدى الجمعيات العاملة في مخيّم عين الحلوة، فيقول: "ابني وابنتي ملتحقان بمدارس الأونروا، وبالنسبة لي ولعموم مجتمعنا فهذا التمادي على الصروح التعليمية والصحية أيضاً غير مبرّر.. ما الفائدة التي سنجنيها من إغلاق هذه المرافق؟! بالعكس فإنَّ الضرر سيعود على شعبنا بتعطيل الدراسة وحرماننا من متنفسنا الصحي الوحيد".
ويضيف: "الأمر لم يعد يقف عند الإغلاق والتّعدي على المدارس بل أصبح يطال الكادر التعليمي أيضاً. بالأمس القريب تم الاعتداء بالضرب على الأستاذ في مدرسة عسقلان في مخيم المية ومية "حسين أبو شقرا"، وسبقَهُ اعتداءٌ على مدير مدرسة صفد في مخيم عين الحلوة "أحمد عبّاس"، وغيرها من الاعتداءات على موظّفي العيادات ومكاتب الشؤون الاجتماعية ومكاتب الهندسة، ما يؤدي أيضاً لتعطيل المدارس والمراكز، في حين يجدر بنا كشعب فلسطيني لاجئ أن نكون حريصين على المؤسسات التي توفِّر لنا الخدمات، ونحن نعتزُّ ونتشرّفُ بالكادر العامل في الأونروا فهُم من خيرةِ أبناء شعبنا، وأيًّا يكن مَن يتعرّض لهم فهو بلا شك لا يمثّل مجتمعنا الفلسطيني".
وفي هذا السياق يؤكّد أمين سر المكتب الحركي للمعلّمين في منطقة صيدا الأستاذ شكرالله عبّاس أنَّ "ما يحصل من اعتداءات على الكادر التعليمي لا يمكن تصنيفه في خانة نبذ المعلّم أو التفرقة بينه وبين مجتمعه، لأنَّ الحاضنة الطبيعية للمعلم هي شعبه، والمعلّم جزء من هذا النسيج الفلسطيني، ولا يمكن فصله عنه، يحمل هموم شعبه نفسها، ويقوم بدوره تجاهه على الوجه المطلوب منه، والتاريخ خير دليل على الموقع المتقدّم الذي كان ومازال للمعلم في أيّ تحرُّك لدعم مطالب شعبنا"، مضيفاً: "ما حصل قد يكون نتيجة ظروف معينة خاصة أنّ حالات الاعتداء طالت معلّمين متميّزين بعملهم لمصلحة طلابهم، وهي تُصنَّف في خانة الحالات الفردية، فمعظم الأهالي استنكروا ما حصل وتضامنوا مع المعلّمين".
ويوضح عبّاس أنَّ المكتب الحركي للمعلمين ذو دورٍ نقابي بالدرجة الأولى، ويضمُّ مجموعةً من المعلّمين المنضوين تحت لواء حركة "فتح" والذين خاضوا عدة معارك انتخابية في الاتحاد العام للمعلمين في وكالة الأونروا، وكانوا دائمًا في الطليعة للدفاع عن حقوق ومطالب المعلّمين المحقّة وللتصدي لكل ما يهدّد المعلّم في وظيفته، سبّاقين في المبادرات الهادفة لتطوير الوضع التعليمي للطالب الفلسطيني، ونسجوا علاقة ودية متواصلة مع جميع الأطراف للوصول باتحاد المعلّمين الفلسطينيين إلى ما يصبو إليه المعلّم والتلميذ الفلسطيني، كما أنّهم في حركة ونشاط مستمرون وفي طليعة المشاركين في المناسبات الوطنية وغيرها.
وحول الدور الذي يؤديه المكتب الحركي في حال حدوث اعتداء على كادر تعليمي، يقول: "يتولّى مكتب المعلّمين الحركي مهمة التواصل مع الأطراف صاحبة العلاقة لإنهاء أي إشكال، فعندما نسمعُ عن وقوع اعتداء على أحد المعلّمين نتواصل مع المعلّم مباشرة إمّا بزيارته بموقع عمله أو حيث وقع الاعتداء للاطلاع منه على حيثيات ما حصل، وتخفيف حدة التوتر وضمان عدم تكرار الاعتداء، وفي هذا المقام لا بدَّ أن نشدّد على أنَّ أي شخص من أبناء شعبنا يشعر بظلم وقع على ابنه من كادر تعليمي فبإمكانه إبلاغ مكتب المعلّمين ونحن من موقع مسؤوليتنا تجاه شعبنا سنعمل على حلِّها بما يُرضي الطرفين، فنحن كمعلّمين حركيين ننبذ العنف ونرفض الانتقاص من كرامة الطالب، ونهيب بالمعلّمين التعامل مع الطلاب كأبناء وإخوة لهم، ولكنّنا نرفضُ بالمقابل العنف المضاد تجاه المعلّم بغضِّ النظر عن الأسباب".
ويضيف: "المعلّم الفلسطيني لم يكن يومًا إلا في طليعة العمل النّقابي والنّضالي، ونستذكر في هذا المجال معلّمين ارتقوا شهداء على طريق التحرير والعودة منهم معين شبايطة وحسين أبو الخير وعاطف أبو شقرا وغيرهم، ولا ننسى أنه أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان كانت الأغلبية من معتقَلي أنصار من فئة المعلّمين لما يمثّلون، ولكن للأسف هناك نظرة غير صحيحة من البعض تجاه مؤسسات الأونروا والعاملين فيها بحيث يصوِّرونها كمؤسسة لطمس حقوق الفلسطيني، ويتناسون ما قامت وتقوم به من خدمات تجاه شعبنا خاصةً في مجال التعليم، وأنَّ العاملين فيها جُلّهم من الفلسطينيين، لذا يجب إزالة هذا الموقف العدائي تجاه الأونروا ومؤسساتها، وتحييدها عن أي حراك احتجاجي لأنّنا مع الاستفادة من أي يوم لدعم مسيرة التعليم، ونذكر أننا تعلّمنا وعلّمنا في مدارس الخيَم ضمن ظروف أقسى ممّا نعيشه".

*الاحتجاج غير السِّلمي مدخلٌ لتقليص بل وإلغاء الخدمات!
أقدَم منذُ نحو أسبوعين أحد اللاجئين على تكسيرِ محتويات عيادة مخيّم البرج الشمالي وأخْذِ الحاسوب المحمول الخاص بأحد الأطباء وكَيل الشتائم بحقِّ موظفي العيادة على خلفية عدم تلبية رغبته بمنحه تحويلاً طبياً لأحد المستشفيات لمدة أسبوعين، كون تحديد المدة من مسؤولية المستشفى. وبدورها لم تسلَم مكاتب الشؤون الاجتماعية في معظم المخيّمات من الاعتداءات، وهو ما تؤكّده موظّفةٌ في أحد مكاتب الشؤون الاجتماعية، لافتةً إلى ما يتخلّل الاعتداءات من عمليات إتلاف للملفات الورقية، وتكسير وخلع للأجهزة وشاشات الحواسيب ومحتويات المكتب، وتضيف: "منذ فترة اقتحم أحد اللاجئين مكتبنا على خلفية إغلاق قضيّته واعتبار حالته لا تؤهّله للحصول على شؤون، واعتدى بالشتم على الطاقم العامل في المكتب، وحاول تحطيم محتويات المركز، وهدَّد بحرقه بمَن فيه، مما سبَّب لنا حالة من الهلع والرعب، فاضطُررنا للمغادرة بظروف صعبة للغاية، وجاءنا قرار بإغلاق المكتب حتى إشعار آخر".
وتردف: "دائماً نحاول امتصاص غضب اللاجئين عبر تقديم ردود واضحة حول سبب رفض حالة أو إغلاقها وهو ما يجري تبعاً لتعليمات إدارة الأونروا لا بقرار اعتباطي منا بالطبع، ولكن البعض يبالغ في ردة فعله، ويفرغ غضبه على الموظفين، بغض النظر عن مطلَبه والجهة المسؤولة عنه، فأحياناً يكون المطلب صحياً ومع ذلك تجدهم يغلقون ويعتدون على المدارس ومكاتب الشؤون ومراكز الأونروا في المخيّمات! نحن مع حق أي لاجئ فلسطيني بالحصول على الخدمات التي يستحقها، وأن يستخدم التعبير السلمي والقانوني للمطالبة بهذا الحق في حال عدم حصوله عليه، ولكن حتى التقصير أو التأخير في أي خدمة لا يبرّر الاعتداء واستخدام العنف اللفظي والجسدي ضدَّ هذه المراكز وموظّفيها وآليّاتها، خاصةً أنّها ضرورة مُلحّة لعموم اللاجئين والحفاظ عليها مسؤولية جماعية، لذا نطالب القيّمين على المخيمات بحمايتها وبوضع حد لهذه الاعتداءات، ومحاسبة المعتَدين على أفعالهم لصيانة كرامة الموظفين الذين هُم جزء أساسي من هذا الشعب. وأضيف إلى ذلك أن هناك جهات مهمّتها مراقبة أداء مؤسسات الأونروا وتعاطي اللاجئين معها، وهي ترفع تقارير بخصوص ذلك، وبالتالي فالاعتداءات والإغلاقات لا شكّ أنها ستؤثّر سلبًا على التقارير المرفوعة بحيث تظهر شعبنا وكأنه يرفض أو لا يحتاج هذه الخدمات!".

*الاعتداء على موظّفي الأونروا اعتداءٌ على الشعب الفلسطيني
يؤكّد عضو لجنة حركة "فتح" إقليم لبنان ممثّل دائرة العمل والتنظيم الشعبي في الساحة اللبنانية ومسؤول العمل النقابي في حركة "فتح" في لبنان المهندس طالب الصالح أنَّ "أي اعتداء على أي موظّف من موظّفي الأونروا هو اعتداء على الشعب الفلسطيني لأنَّ هذا الموظّف جزءٌ لا يتجزّأ من شعبنا الفلسطيني، وهو يقوم بدور خدماتي لشعبنا سواء أكان عاملاً أو أستاذاً أو طبيباً..."، وينوّه إلى أنَّ الاتحادات الشعبية الفلسطينية، (وهي عبارة عن شرائح الشعب الفلسطيني العاملة، تتشكَّل منها لجان حتى تمثّلها في الجهات المعنية إن كان على مستوى الدولة أو "م.ت.ف"، وغيرها. وهي تتشكّل عبر انتخاب الهيئات الإدارية من الجمعية العمومية، وتكون الهيئة الإدارية المعنيّة بمتابعة وتسهيل أمور كافة أفراد الجمعية العمومية والمطالبة بحقوقهم واحتياجاتهم من أرباب العمل)، "ترفض وتدين الاعتداءات التي حدثت على بعض المعلّمين ومدراء المدارس والموظّفين الذي يؤدون دوراً خدماتياً لشعبنا، كما تشجب إغلاق مكاتب ومرافق الأونروا، ولا ترى في التقصير الموجود مبرّراً لأي إغلاق أو اعتداء، فإغلاق المدرسة يقود أبناءنا للشوارع، وإغلاق العيادات يحرم مرضانا العلاج والدواء في وقته، لذا وحال حدوث أي اعتداء على أحد موظّفي الأونروا نقف إلى جانب المعتدَى عليه ونتواصل مع المعنيين والطرف المعتدي لتسليمه للقوة الأمنية".
ويُردف: "أتوجه لأبناء شعبنا بضرورة احترام الموظّفين لأنهم ليسوا أعداءنا بل هم أبناؤنا الذين يقومون بدور إنساني وخدماتي لشعبنا، وأي إضراب أو تحرّك يجب أن يكون موجّهاً ضد سياسة الأونروا لا ضدَّ موظفيها ومراكزها".
ويرى الصالح أنَّه "على المرجعيات السياسية والأمنية في المخيّمات أخذُ دورها بالحرص على عدم حدوث أي خلل في أي مكتب من مكاتب الأونروا ومحاسبة مرتكبي الاعتداءات، ولكن بحُكم الأوضاع الأمنية داخل المخيمات وتعدُّد المرجعيات السياسية وغير السياسية فقد أصبح كل شخص يحاول حماية نفسه بمرجعيته السياسية، بحيث أنه يجد غطاءً من مرجعيّته لدى إقدامه على أي اعتداء، سواء أكان بهدف أو لغاية في نفس يعقوب".
ويشدّد الصالح على التمسّك الأونروا كشاهد حي على حقِّ شعبنا الفلسطيني اللاجئ في الشتات بالعودة والتعويض وفقاً للقرار 194، ويطالب الأمم المتحدة بتوفير كافة الإمكانيات المادية للأونروا لتقوم بدورها الخدماتي خاصةً على صعيد التوظيف كونها وكالة لغوث وتشغيل اللاجئين ونظراً لصعوبة الأوضاع المعيشية وحرمان اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من العمل بنحو 70 مهنة، متمنيّاً النجاح للمدير العام الجديد في لبنان وآملاً عليه العمل الحثيث لتوفير ميزانية سنوية ثابتة للخدمات الأساسيّة.
هذا ويُعدُّ اتحاد موظفي وعُمّال الأونروا الجسم الممثّل للموظّفين الفلسطينيين في الأونروا في كافة قطاعات الخدمات، وبحسب رئيس المجلس التنفيذي للاتحاد في لبنان الدكتور عبدالحكيم شناعة فإنَّ "الاتحاد شُكِّلَ بهدف الدفاع والمحافظة على حقوق العاملين في قطاعات خدمات الأونروا كافةً، وقد أثبتَ عبر مسيرته الحالية والماضية عمله الدؤوب للدفاع عن حقوق الموظفين بل والدفاع والمحافظة على حقوق شعبنا الفلسطيني اللاجئ أيضاً".
وحول مسألة الاحتجاج على إجراءات الأونروا والآليات غير السِّلمية التي ينتهجها البعض ينوّه د.شناعة إلى أنَّ أصل المشكلة هو تزايد عدد اللاجئين ومحدودية ميزانية الأونروا المخصّصة للخدمات الأساسية ما أدى لنشوء عجز مالي لدى الأونروا وخاصةً في لبنان، ويضيف: "المفوض العام للأونروا يحاول -مشكوراً- تأمين ميزانية سنوية ثابتة للأونروا في أقطار عملها الخمسة لئلا تبقى الخدمات مربوطةً بالتزام هذه الجهة المانحة أو تلك، وفي حال تمكَّن من هذا، فإنّ ذلك سيوفّر رافعةً لكل الخدمات. للأسف كانت هناك مرحلة من انهزاز الثقة بين الأونروا واللاجئين، ولكنّ وجود مدير عام فلسطيني مقدسي سيغيِّر ذلك خاصةً أنه يعمل على إعادة هذه الثقة، إذ انه رغم وجوده المؤقت يحاول أن يكون على تماسٍ مباشر مع كل اللاجئين".
ويتابع: "لدينا كل الثقة أن شعبنا يعي أنّنا كموظّفين في الأونروا جزءٌ لا يتجزّأ من الشعب الفلسطيني، والفئة القليلة التي تقوم ببعض الأعمال التخريبيّة والاعتداء على مرافق وموظفي الأونروا لا تمثّل شعبنا بل ذاتَها فقط، لأنَّ هذه الأفعال مضرّة بمصالح شعبنا وبالروح الوطنية وبثقافة الشعب الفلسطيني، وتعكس صورة خاطئة للدول المانحة والمموّلة للأونروا بأن شعبنا لا يريد الأونروا، في حين أن شعبنا متمسّك الأونروا كشاهد دولي على مأساتنا، ونسعى لتطويرها ونطالب الدول المانحة بزيادة تمويلها والالتزام بالدفع".
وعن الآلية التي ينبغي على اللاجئين إتّباعها في حال شعروا بظلم واقع عليهم يقول د.شناعة: "أي لاجئ يشعر أنه مظلوم من أحد الموظفين عليه التوجُّه لمسؤول هذا الموظف المباشر، وإذا لم ينصفه فليتوجّه للمسؤول الأعلى منه، بمعنى أنه إذا كان لديه مشكلة مع أحد موظفي العيادة مثلاً فعليه التوجُّه للمسؤول عن العيادة، وإذا لم ينصفه الأخير يتوجّه عندها لمسؤول الصحة في المنطقة، وعلى اللاجئين أن يعرفوا أنَّ موظّف الأونروا الموجود يطبّق القانون المفروض عليه، ولا يتصرّف بناءً على أهوائه، ولكن للأسف هناك فكرة خاطئة سائدة لدى البعض بأن استخدام القوة والعنف هو الحل".
ويختم د.شناعة حديثه قائلاً: "كاتحاد نظّمنا أكثر من وقفة استنكارية ضد هذه الاعتداءات، وتحرّكنا باتجاه الفصائل وطالبنا إدارة الأونروا بحماية الموظّفين، وتواصلنا مع الموظفين المعتدَى عليهم ليتوجّهوا عبر الأُطر القانونية بتقديم شكوى على المعتدين عليهم، ولكن الموظفين رفضوا الادعاء على أحد من أبناء شعبهم. ونحن نطالب سفارة دولة فلسطين والقوى السياسية الفلسطينية والشعبية والمجتمع المحلي أن يساعدوا على حماية المؤسسات والموظفين الذين يؤدون رسالة سامية لتقديم الخدمة لأبناء شعبنا بأفضل نوعية ممكنة، ونتمنّى على أبناء شعبنا سلوك الأُطُر القانونية والسُّبل السلمية لتقديم شكواهم والتعبير عن احتجاجهم".

*اللجان الشعبية تدين الاعتداءات
للجان الشعبية الفلسطينية سِجِلُّها من التحرّكات المطلبية ضد الأونروا، وقد حرصت بناءً لتوجيهات القيادة السياسية الفلسطينية على أن تكون تحركاتها سلمية حضارية، لأنَّ المهم في الاحتجاج أن يسمع المعنيون المطالب، بحسب ما يقول عضو لجنة حركة "فتح"ـ إقليم لبنان أمين سر اللجان الشعبية الفلسطينية في لبنان أبو إياد الشعلان.
ويردف الشعلان: "كلجان شعبية كنا بشكل دائم نعبّر بكل صراحة للجهات المعنية في الأونروا عن رؤيتنا وموقفنا من أي قضية تعليمية أو صحية أو إغاثية، ولكن في الفترة الأخيرة برزت مجموعة حراكات في بعض المخيمات تنادي بمصلحة الشعب كعنوان لها، إلّا أنَّ ما تمارسه على الأرض مخالف تماماً لمصلحة اللاجئ الفلسطيني، وقد اتّضح أنه ليس موجّهاً ضد سياسة الأونروا بالدرجة الأولى وإنما ضد سياسة الفصائل واللجان الشعبية الفلسطينية على اعتبار أنَّ هذه الحركات ستحل مكان هذه الفصائل واللجان. لذا خضنا حواراً مباشراً وواضحاً مع العديد من هذه الحركات بهدف توحيد الجهد والعمل لتحقيق مصلحة اللاجئ في لبنان، إلا أنَّ بعضها أخذَ طريقاً مختلفاً عمّا تمّ الاتفاق عليه، وبناءً على ذلك أوعزنا للجان الشعبية في المخيمات بعدم التعاون مع الحراكات التي نعُدُّها عنصر تشويش على أداء عملنا وتشويهاً لمهام اللجان الشعبية، خاصةً أنهم كانوا ينفّذون بعض التحركات الاحتجاجية الفوضوية والمضرّة بمصالح شعبنا من إغلاقات لمراكز الأونروا الصحية والتربوية، وهذا يُخالف سياسة اللجان، لأنَّ تعطيل المدارس يوقع الضرر على طلابنا، بحرمانهم من الاستفادة من يوم دراسي ودفعهم للتوجه للطرقات، وكذلك الأمر فإغلاق العيادات يؤدي لحرمان المرضى من العلاج، وبالإغلاق ندفعهم لطلب العلاج من مراكز أخرى وتكبّد مبالغ لا طاقة لهم بها، لذا خلال حراكاتنا، وخاصةً ضمن خلية الأزمة على مدى 6 أشهر، حرصنا على استبعاد المراكز والموظفين من أي حراك احتجاجي، وكنا في كل تعاميمنا نطالب بالحفاظ على المنشآت والموظفين. ونحن نحرص بشكل دائم على التدخل لمنع قيام الأفراد بالاعتداء على أيٍّ من مراكز الأونروا وموظفيها، فهي اعتداءات غير مبرَّرة جملة وتفصيلاً نستنكرها وندينها، وسبق أن أصدرنا بيانات استنكار لهذه التصرفات المشينة التي نعدُّها جريمة بحق أبنائنا من الموظفين، وأحياناً نستعين بالقوة الأمنية الفلسطينية والقوى التابعة للفصائل لمنع ذلك، لأنّ اللجان الشعبية بطبيعة الحال ليس لديها قوى أمنية، لذا نحاور الأطراف، ولكن الفصائل الفلسطينية تمتلك هذه القوى، والضرورة الوطنية تملي عليها القيام بدورها بالحفاظ على هذه المنشآت وموظفيها".
ويردف الشعلان: "كلجان شعبية نقف إلى جانب الموظفين ونرفض أسلوب العنف مهما كانت القضية أو سلوكية الموظف، فهناك وسائل حضارية وإنسانية لنحصل على حقوقنا في كافة الخدمات، فنحن جزء من الحالة الشعبية في المخيمات، وما يلمسه شعبنا من ألم ومعاناة أيضًا يلمسه كادر اللجان الشعبية والفصائل الفلسطينية، لذا نتابع معالجة القضايا المطلبية بعيداً من الضوضاء والفوضى، بالتواصل الدائم والتعاون مع هيئات ومسؤولي الأونروا والملفات الخدماتية المركزية لبحث وحل أي إشكالية تخص قضايا اللاجئين في لبنان، وبوجود المدير العام الجديد حكم شهوان أُعطينا وعوداً ايجابية عدة من ضمنها زيادة هذا التعاون ما بين الأونروا والقيادة الفلسطينية، وأبلغَنا المدير العام أنّه لا يمكن أن يُؤخَذ قرارٌ بدون الرجوع والتشاور مع القيادة الفلسطينية، وتوافقنا على تنظيم ورشة عمل مشتركة بيننا وبين الأونروا والفصائل الفلسطينية لبحث كل الملفات الخاصة باللاجئين، للاتفاق على آليات عمل مستقبلية تخفّف من الإجحاف بحق اللاجئ في لبنان، كما أبلغَنا بأنّه سيعمل على جلب أموال لسد عجز الأونروا، وأنَّ المفوضية العامة للاجئين ستعمل على إنشاء صندوق خاص مقرُّه الأمم المتحدة لتمويل الأونروا بشكل ثابت، بحيث يُلزِم الدول بالدفع سنويًا، وهذه الوعود سبق أن طالبنا بها كلجان وقيادة سياسية".

*معاً نحو انتهاج آليات الاحتجاج السّلمي الفعّال
في المحصّلة يُجمِع جُلُّ من استُطلِعت آراؤهم على عدم فاعلية الأساليب المنتهَجة للاحتجاجات المطلبية من إغلاق للمؤسسات وتعدٍّ عليها وعلى موظفيها وصولاً لإشعال الإطارات ورمي النفايات وإحراقها، إذ ثَبُتَ أن هذه الوسائل لا تؤتي بنتيجة، وإنما تزيد الوضع سوءاً كونها تؤدي لحرمان اللاجئين من الخدمات لمدة قد تبدأ بيوم وتنتهي بإغلاق كامل للمركز في حال لمس المانحون خطراً يهدد الموظفين والمرافق. وبالتالي تبرز الحاجة بحسب المتحدثين لاعتماد وسائل احتجاج منطقية منها سلوك الطريق القانوني في حال كان الإشكال فردياً مع أحد الموظفين، أو استخدام الطرق السلمية في الاحتجاج للمطالبة بالحقوق على أن يتم الحشد بطريقة فعّالة ومنظمة لهذه الحركات وبأساليب تستقطب الاهتمام الإعلامي المحلي والدولي، والاستغلال الايجابي لوسائل التواصل الاجتماعي، ويطرح البعض التوجُّه نحو توظيف المواهب من فنية وأدبية لعكس هذه المطالب بطرق لافتة للنظر (رسم لوحات، إلقاء القصائد، تأليف الأغنيات الهادفة وأدائها أمام المراكز، أفلام قصيرة، مؤتمرات صحفيّة لمخاطبة الرأي العام الدولي والمانحين، الحوار المنطقي مع المعنيين في الأونروا،...).