تحقيق: وليـد درباس


ثمَّة عاملان أساسيان ساهمـا في أن يحظى مخيّم البرج الشمالي بمكانة ومسموعات مميَّزة في مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني، أولهما طيبة أهله وسماحتهم المعهودة مقرونـةً بإقبالهم على الالتحاق بركب الثورة، واستعدادهـم للبذل والعطاء وتقديم التضحيات، ويكمن ثانيهما بوجود المخيم في منطقة الجنوب اللبناني باعتباره جبهةَ صـراعٍ مفتوحة آنـذاك وبشكل دائـم للعمل الفدائي، وتنفيذ عمليات الإغـارة على مواقع وجنود العدو الإسرائيلي في الجهة المقابلة من الأراضي الفلسطينية المحتلـة، بل والتسلُّل بعمليات فدائية نوعية في العمق الفلسطيني ضد الاحتلال.
وعليه فأول شهيد للثورة الفلسطينية المعاصرة في لبنان هو المناضل "أحمد موسى الموسى" من أهالي المخيّم، ومن ثُمَّ الشهيد "أحمد المرعي" الـذي سـار بجنازته آنـذاك وفـق حديث فريق اللجنة الشعبية في مخيّم البرج الشمالي العلّامة السيد "موسى الصـدر"، علاوةً على الشهيد "كامـل خضر" الـذي سقط على أيـدي الشعبة الثانية إبان مشاركته في مظاهرات التأييد الشعبي لدخول الثورة إلى المخيمات، وزد عليهم "شريف خضر" الـذي قضى بعملية فدائية على تخوم فلسطين بذاك العهـد، وغيرهم كُثر، وكـرّت السبحة على مـدار سنوات تلت وصولاً حتى العام 1982، حيث عجـز جنود الغـزو الإسرائيلي للبنان آنـذاك عـن اقتحام المخيّم، وقـد خسروا أربعين من آليّاتهم، ما استدعى قصفه بالطيران وإحالته إلى ركام لدرجة لم يسلَم فيه حتى الآمنون في الملاجئ، فقضى منهم ما يزيد عن 280 شـهيداً، تناثرت أشـلاؤهم في الطرقات وبينهم عائلات أُبيدت عن بكـرة أبيها.

تطوير مستوصف المخيّم ..على الوعـد ياكمـون
يعدُّ الهم الصحي أحد أكبر الهموم في مخيّم البرج الشمالي. إذ يشير مسؤول الملف الصحي في اللجنة الشعبيّة للمخيم علي عبدو خضر "أبو الشريف" إلى أنَّ "مخيم البرج الشمالي مقارنة بسواه من مخيمات لبنان بات يضم أكبر نسبة من مرضى التلاسيميا، نحو (177) حالة، ومن مرضى غسيل الكلى (80) حالة، وما بين (60 70) حالة سرطـان، ناهيك عن مرضى الأعصاب والقلب ... الـخ". وعليه يشيد بنجاعة الفريق الأهلي للمخيم الـذي بلسمَ معاناة مرضى التلاسيميا بمدِّهم بما أحضره من أدوية ابان جولته الودية في فرنسا، ويزيد: "حان الوقت للطاقـم الطبي المؤلّف من 21 طبيباً وممرضاً وإداريّاً في مستوصف البرج الشمالي تحمُّل كامل مسؤولياتهم الإنسانية والمهنية بعـد أن سُـوِّيَت المسائل المالية، وباتوا معتمَدين على ملاك السلطة الوطنية".
وتكمن المفارقة في مضي أكثر من عام على وعـد مدير عام جمعيّة الهلال الأحمر الفلسطيني إقليم لبنان الدكتور "صلاح الأحمـد" للجنة الشعبية وأمين سرها محمد جمعة بحضور أمين سر حركة "فتح" في المخيم وممثّل لجنة المتابعة المركزية للجان الشعبية بالعمل على تحسين وتطوير مستوصف جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في البرج الشمالي وتأهيله لمستوى يمكِّنـه من توفير الخدمة الصحية لمستحقيها من الأهالي، و"ما زلنا كلجنة شعبية على الوعـد ياكمـون" وفـق حديث أمين سر اللجنة الشعبية للمخيم.
ويُضيف جمعة: "قمنا بزيارة د.صلاح الأحمد في مقره في الهلال الأحمر الفلسطيني في بيروت أكثر من سبع مرات، ووعـدنا أيضاً بسيارة إسعاف حديثة مقدَّمة من الاتحاد الأوروبي ومجهَّزة بالتقنيات الحديثة حـال حصولهم عليها"، ويردف: "من فترة قريبة جداً جدَّدنا طلبنا ورفعنا رسالة لسعادة سفير دولة فلسطين في لبنان أشرف دبور بخصوص تطويـر المستوصف أيضاً".
من جهته يوضح مسؤول الملف الإعلامي في اللجنة الشعبية للمخيّم حسني عيد "أبو عماد" أنَّ "أهالي مخيم البص في صور يجدون ضالتهم وقت الحاجة في المستشفى الحكومي في المخيم، وكذلك الأمر بالنسبة لأهالي مخيّم الرشيدية إذ يوجد مستشفى بلسم، وأهالي مخيّمات صيدا لديهم مستشفى الهمشري وسـواه العديد من المستوصفات"، ويتساءل: "ألا يستحقُ مخيّم الشهداء، مخيّم البرج الشمالي، كما يصفونه لفتةً مميزّةً تستدعي وجود مستوصف مؤهَّـل؟!". ولحينه يدعـو عيد لـ"استنهاض الجانب الإدراي في جمعية الهلال الأحمر، باعتباره مدخلاً لا غنى عنـه للخلاص من المعيقات والعراقيل وتطوير المؤسسة".
لمحة عامة عن واقع المخيّم
يقع مخيّم البرج الشمالي على بعد خمسة كيلومترات تقريباً شرق مدينة صور، وبمحاذاة بلدة البرج الشمالي اللبنانية. ويبلغ عدد سكان المخيم اليوم 24 ألف نسمة ينتمون بغالبيتهم لبلدة الحولة قضاء صفد، ولبلدات لوبية، والكساير، ونحف، وصفورية... الـخ، إضافةً إلى بضع مئات من العائلات الفلسطينية والسورية النازحة من سوريا.
وتسود المخيم عموماً حالة من الاستقرار والأمن الاجتماعي العام، وهو يضم مدرستَي "الصرفند وجباليا" التابعتَين للأونروا، واللّتين تتّسعان لنحو 1200 طالب من المرحلتَين الابتدائية والمتوسطة، وعيادة صحية، وأربع آبار ارتوازية، وبسبب ملوحة مياه إحداها لا تصلُح للشرب. وبتدخُّل اللجنة الشعبية تعمل الأونروا حاليّاً على حفر بئر جديدة بمياه عـذبـة، وبمجرد الانتهاء ووصلها بالشبكة العامة سيتم الاستغناء عن مياه البئر المالحة، وتعود للأونروا الولاية الكاملة على شـؤون الآبار ما يعفي اللجنة الشعبية من تبعات تعرّضها للعطب ولوازم الصيانة والمازوت والبحث عن المانحين وغيرها.
وتبلغ مساحة المخيم وفق حديث فريق اللجنة الشعبية نحو 1كلم2، وعليه يلجأ الأهالي مكرَهين لظاهـرة البناء العامودي كَحلٍ لاستيعاب النمو السكاني خاصةً أنهم كسواهم من لاجئي المخيمات ممنوعون من التملُّك، وزد عليه وقوعهم بدائرة حظر إدخال مواد الإعمار إلى المخيم أيضاً، ما ينال من متانة البنية التحتية للبيوت، فتزداد حاجتها الملحة للترميم تحسُّباً من عواقب غير محمودة. وعطفًا عليه لم تفلح كافة التحركات الأهلية والشعبية برفع الحظر باستثناء لـزوم حركة ترميم المنازل وفـق مشاريع الأونروا وسواها من الجهات المانحة، وأيضًا بعد اتصالات وعمل دؤوب، والسبب وفق تنويه اللجنة الشعبية "وجـود موقف سياسي" علماً أنَّ المرجعيات السياسية الفلسطينية في لبنان تدخّلت لدى المرجعيات اللبنانية، وأكَّـدت حرصها على السِّلم الأهلي اللبناني، والنأي التام عن الشأن اللبناني ويشهد لها بذلك.
وبالسياق إياه تثمِّن اللجنة الشعبية دور كافة الجهات التي أسهمت في مشاريع الترميم التي عرفها المخيم لتوفير الحياة الآمنة للعائلات النازحة التي حطّت رحالها في بيوت أهالي المخيم ومنشآتها العامّة، ومنها على سبيل الذكر لا الحصر: (الاتحاد الاوربي، والهلال الأحمر الإماراتي، والمشروع النرويجي، ومؤسسة نبـع،...)، وتشير إلى أنَّ الهيئة الدولية للصليب الأحمر أبدت مؤخّراً استعـدادها للعمل بسياق مشروع ترميم البيوت الآيلة للسقوط وهي تتجاوز 850 بيتاً، وقد اشترطت اللجنة الشعبية تولي مهندسي الهيئة عمليات الكشف والمسح الميداني وغيرها توخيًّا للشفافية وحفظًا لسمعة اللجنة الشعبية.

العلاقة مع الجـوار
يشير أمين سـر اللجنة الشعبية محمد جمعة إلى وجود روابط مجتمعية طيبة مع أهلنا اللبنانيين في بلدة البرج  الشمالي وعلاقات نسب ومصاهرة وشراكة في الأمن الاجتماعي، وينوه لوجود عائلات مجنّسة في المخيم أيضاً، ويزيد: "تربطنا علاقات تعاون وتنسيق مع بلدية البرج الشمالي ورئيسها الحاج "علي عيـد" الذي لم يتردَّد في تقديم المساعدة العينية والمادية بخصوص إدخال مـواد البناء لصالح أعمال الصيانة ولوازمها في مقبرة المخيم، وهناك توافق وتعاون ثنائي بضرورة البحث عن أرض صالحة لدفن موتى المخيم تداركًا للوقت، وبهدف إيجاد البديل خاصةً أنَّ المساحة المتبقية تقل بشكل مستمر، وتحسُّباً من الوقوع بالمحظور". وتساهم بلدية البرج الشمالي أيضاً بتسهيل الحصول على لوازم الإنارة في المخيم ومنها على سبيل الذكـر "تركيب مصابيح إنارة الشوارع"، ومضافًا لذلك تأمين الكابلات.
بدوره يؤكّـد علي خضر وجود علاقات وتواصل دائم مع المرجعيات اللبنانية والفاعلة في المنطقة وفي مقدّمتها "حركة أمل وحزب الله".  

تفعيل العمل مسؤولية وطنيّة مجتمعيّة
يُجمِع فريق العمل في اللجنة الشعبية لمخيّم البرج الشمالي على أهمية توفير كافة مقومات العمل ومتطلباته، بما يتوافق واللائحة الداخلية لتشكيل اللجان الشعبية وفرز مندوبي الفصائل المفرّغين والمؤهّلين للعمل وممثّلي المؤسسات النقابية والشعبية وذوي الاختصاص من مهندسين، وأطباء، ومعلّمين... الـخ، ويؤكّـد حسني عيد أنَّ "اللجنة منفتحة على مختلف الهيئات والمؤسسات والفاعليات المجتمعية المحلية، ونمـدُّ الأيادي توخّيًا لما فيه الصالح العام لأهلنا في المخيم"، لافتاً لمطالبتهم بذات الوقت المرجعيات العليا السياسية والشعبية الفلسطينية بـ"إيلاء العمل الشعبي الاجتماعي الرعاية المطلوبة مقروناً برصد المقومات المادية "البشرية والمالية" اللازمة لضرورات العمل أسـوة بالتعاطي مع مفاصل العمل الفلسطيني في الساحة... ولا داعي لتحميل أعضاء اللجنة أثقالاً فـوق طاقـة البشـر!".