تقرير: خالد ابو عدنان

نظَّمت مؤسسة السلام والعدالة من أجل الشعب الفلسطيني حواريةً في القانون الدولي، حيث حاور البروفسور بين سول العلّامة الكبير في القانون الدولي البروفسور جون دوغارد، في جامعة سدني مساء الخميس 27 أكتوبر 2016 بحضور السفير الفلسطيني الدكتور عزت عبدالهادي وبحضور الفعاليات والشخصيات الاسترالية المتضامنة مع الشعب الفلسطيني. قدّمت بطاقة التعريف الإعلامية كاثي بيتر فشرحت أنَّ الليلة مخصَّصة للأسئلة القانونية، وطالبت الحضور بضرورة الالتزام بذلك، لأنَّ الضيوف لن يجيبوا عن أسئلة سياسية ليس لها علاقة بالقانون والقانون الدولي تحديداً.

الخبير الدولي جون دوغارد، وهو أصلاً من جنوب أفريقيا، حاصل على الدكتوراه، وهو بروفسور متخصّص بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، عمل في المحكمة الدولية للعدالة وبشكل خاص بقضايا حقوق الإنسان في المناطق الفلسطينية المحتلة من عام 2001-2008، كما أنَّه متابع مثابر لمجريات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث يقول جون دوغارد: "أنا جنوب أفريقي عاش في حكم التمييز العنصري، وأنا أؤكّد أنَّ الجرائم الإسرائيلية أسوأ بكثير من ممارسات نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا". كما أنَّ للبروفسور دوغارد العديد من الكتب في فضح سياسات التمييز العنصري وتبيان حقوق الإنسان، وله كتب متخصّصة بالقانون الدولي.
أما مُحاوِره فهو البروفيسور بين سول، أستاذ القانون الدولي في جامعة سدني، وهو باحث نشيط في قضايا حقوق الإنسان، وعضو لجنة جائزة سدني للسلام والعديد من الفعاليات المهمة على الصعيد الاسترالي والدولي، وله العديد من الأبحاث المهمة في سياسات التمييز العنصري وحقوق الأقليات، وكذلك الكتب البحثية المتخصّصة، وهو كثير الظهور في الإعلام الأمريكي، فهو خبير قانوني له سمعة دولية.
وبعد كلمة للسكان الأصليين عن ضرورة الاعتراف بحق السكان الأصليين بوطنهم ودعم الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الصهيونية الاستبدادية والامبريالية التوسعية، جاءت الكلمة التعريفية من التقديم للبرفسور جاك ليرج مهندس حملة مقاطعة البضائع الإسرائيلية في استراليا، بل أنه يعد أكثر الباحثين المختصين بهذا الموضوع على الصعيد الأكاديمي الاسترالي، وهو ناشط مع التنظيمات اليسارية الاسترالية وله أبحاث متعددة تمتاز بسهولة الأفكار وعملية البرامج في نهج المقاطعة الشعبية بدون التعرض للمساءلة القانونية. بدأ حديثه بسؤال هزلي: "كيف نقدِّم لحوارية عن أسئلة في القانون الدولي؟! بصراحة هذا بحاجة لاستماع لحديث البروفسور جون أكثر من أن أقول ما أعرفه أنا عن القانون الدولي، وهو بالتأكيد يُعدُّ نقطة في بحر معرفة البروفسور جون، كما أنَّ زميلي البروفسور بين سول متخصص في هذا المجال، وهو بالتأكيد يُعدُّ المرجع الأولي بالنسبة لي، وكذلك لكل الكادر المختص في جامعة سدني، لكنني سأتكلم عن نظرتي كإنسان يعتبر نفسه يسارياً ويحاول أن يشعر بعذابات الآخرين، فوجهة نظري أنَّ القانون أوسع مجالاً من مجرد فهم مواد القانون بل أنه يبدأ في توضيح معاناة الشعب في ظل الاحتلال ونظم التمييز العنصري.."، ثُمَّ ذكر أمثلةً منها أن توسيع المستوطنات يعني أن حل الدولة الواحدة قادم كما استنتج السفير الاسترالي في واشنطن.. وكذلك أن حركة بتسليم الإسرائيلية دعت بشكل صريح لضرورة حماية الفلسطينيين في منحهم حق المواطنة.. وأضاف: "وهنا في استراليا هناك فوضى في الإعلام، حيث أنَّ وزيرة الخارجية أعلنت لصحفي إسرائيلي أنَّ القدس جزء من إسرائيل، رغم أنَّها أرض محتلة وفقاً للقانون الدولي ودفاع حزب الخضر عن القانون الدولي لم يغيّر من موقف وزيرة الخارجية، وهذا السؤال موجّه للبروفسور ليجيب عليه. والآن انتهى دوري وأتمنى أن نستمتع بهذه الحوارية".
بين سول: هل فشل القانون الدولي في حل القضية الفلسطينية؟ هو سؤال حوارنا ولكن أعدكم أن تستمتعوا بالليلة فهي جنوب أفريقية، وهم شعب يحب المرح. دعنا نبدأ جون
جون دوغارد: قبل أن تسأل أريد أن أشكر كل هذا المديح منكم جميعًا، وأنا هنا لتبادل المعلومات معكم. أتمنّى أن أتعلّم شيئاً جديداً هذه الليلة.
بين سول: كيف تقيّم القانون الدولي بالنسبة للشعب الفلسطيني؟ لقد قدَّم الكثير من الأمور الإيجابية من الاعتراف بحق تقرير المصير وإعلان الدولة وحقوق الإنسان وإدانة الممارسة التعسفية من الجيش الإسرائيلي.. لكنّه من ناحية أخرى لم يعاقب إسرائيل على الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي.
جون دوغارد: القانون الدولي وقف دائمًا مع حق الفلسطينيين في قانون حقوق الإنسان وإدانة ممارسات الجيش الإسرائيلي ودعم المبادرات السياسية للقيادة الفلسطينية، مشكلة القضية الفلسطينية ليست مع القانون الدولي بل مع مجلس الأمن وحق الفيتو الذي يوقف عمل القانون الدولي، وهذا حدث لفترة طويلة أيضاً أثناء دعم الغرب لنظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا. لكن لابد أن نقر أنَّ الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كانت تبحث عن ثغرات في القانون الدولي، إلا أنّها لم تجد، لكنها ترفض تطبيق القانون بدعم من الفيتو الذي تملكه القوى العظمى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.
بين سول: لقد رسم القانون الدولي صورة واضحة لحل القضية الفلسطينية إلا أنّها لم تُطبَّق عبر سنين طويلة، ما دفع القيادة الفلسطينية لتخطي المرجعية الدولية، والبحث عن حل بأسلوب مستحدَث، فكانت اتفاقية أوسلو، وسؤالي لك بروفسور جون: هل اتفاقية أوسلو أخرجت القانون الدولي من القضية الفلسطينية؟
جون دوغارد: القانون الدولي هو صيغة لحل النزاعات بين الدول وهناك صيَغ متعددة لا تعتبر القانون الدولي مرجعيةً في حل النزاعات، وإنما تقوم بتشكيل لجان قانونية متخصّصة بالحدود، وأحياناً مجرد شركات قانونية، إلا أنَّ القانون الدولي يتمتّع بقوة المؤسسة الدولية المعروفة اختصارًا بالشرعية الدولية، وأهم مكوناتها هيئة الأمم المتحدة. أما بخصوص اتفاقية أوسلو فقد ماتت وانتهت مدتها وهي خمس سنوات، ولا يوجد أي تعديل على الحقوق العامة للشعب الفلسطيني من مساحة الأرض وعدم مشروعية الاستيطان وحق العودة. المشكلة أن الولايات المتحدة تتطوّع دائماً للعمل كمحامٍ للدفاع عن إسرائيل ضد القانون الدولي، لكنّها تفشل بتغيير مواد القانون، أي أن تجميد العقوبة لا يعني أنه لا يوجد عقوبة، بل أنها مؤجّلة التنفيذ لحين التوصل لأسلوب يُقنع القوى العظمى في مجلس الأمن بضرورة تطبيقها.
بين سول: أثناء الحروب تتغيّر الديموغرافيا وتتحرّك الجغرافيا، ولعلّنا إذا ما نظرنا لخارطة أوروبا قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها لوجدنا فروقات كبيرة، والمذهل أنَّ حركة البشر عبر الجغرافيا أعادت ترسيم الحدود بين الدول. وسؤالي هنا هل نَقلُ المستوطنين من أرض إسرائيل القانونية للأراضي الفلسطينية المحتلة بناءً على ما حدث في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية يكون مشروعاً وفق القانون الدولي؟
جون دوغارد: بالتأكيد هذا غير مشروع من عدة نواحي، أولاً لأنّ الأراضي الفلسطينية محتلة وفق القانون الدولي ولا يمكن ضمها لإسرائيل بدون الرجوع للشرعية الدولية، وثانياً لأن كل المؤسسات الدولية بما فيها مجلس الأمن والإدارة الأمريكية ترفض قبول الاستيطان، وثالثاً هناك قوانين كثيرة سُنَّت ضد الاستيطان وسرقة الثروات الطبيعية في المناطق المحتلة.
بين سول: تتهرَّب إسرائيل من الانضمام للمؤسسات الدولية والاتفاقية الدولية مثل محكمة الجنايات الدولية واتفاقية عدم انتشار السلاح النووي والعديد من المؤسسات المهمة، والتي تعتبر الصيغة التنفيذية للقانون الدولي، وسؤالي لك: إذا لم تكن إسرائيل عضوًا في العديد من المؤسسات الدولية هل يمكن محاكمتها؟
جون دوغارد: إنّ أي جريمة تحدث في العالم من حق المحكمة الدولية مناقشتها حتى لو طُرِحَت من طرف ثالث، وأعود لأقول أن تفعيل القانون الدولي يعتمد على المساحة المسموح بها تطبيقه من قِبَل القوى العظمى في مجلس الأمن الدولي. ولك أن ترى التقارير القانونية للجان الدولية عن حرب غزة على سبيل المثال، نحن رجال قانون لا نملك القدرة على إلزام الدول العظمى بضرورة تنفيذ كلامنا، بل إننا كثيراً ما نلجأ لنشر أفكارنا في الإعلام لدفع الرأي العام ليضغط على الدول العظمى.
بين سول: من زاوية مغايرة، هل فشل القانون الدولي في حماية إسرائيل من جرائم صواريخ حماس وحزب الله؟ وسؤال أكثر عنفاً، هل فشل القانون الدولي في حماية إسرائيل من حجر الطفل فلسطيني؟
جون دوغارد: نعم من الناحية القانونية هما سيان، هناك عنف من الطرفين، والقانون الدولي يجرِّم استخدام العنف في حل النزاعات، ولكن انتهاك الجانب العربي لا يُقارن بجرائم الجيش الإسرائيلي، كما أنَّ هناك حق تقرير المصير للشعوب الخاضعة للاحتلال يقف في وجه القوى المحتلة، ومهما قيل عن انتهاك الجانب الفلسطيني لحياة المدنيين الإسرائيليين، إلا أن قتال الطفل الفلسطيني لجنود الاحتلال يفقد إسرائيل أي مبرر قانوني، بل أن هناك من يجد ثغرات قانونية في قتال المستوطنين أيضاً لأنهم جزء من القوة المحتلة.
بين سول: تتظاهر إسرائيل أمام الرأي العالمي بأنها سلسة ولينة في صراعها مع العرب، فقد انسحبت من جنوب لبنان، ثُمَّ من قطاع غزة، وهي بذلك قدّمت الكثير من البراهين على أنها تضحي بجزء من أمنها في سبيل الوصول لهدوء نسبي على حدودها، لكن هذا الكلام يعتبر وهميّاً، ويخفي حقيقة أن إسرائيل لم تنسحب بل غيّرت أسلوب احتلالها من الفضاء المكاني إلى العزل الشامل وخاصة في قطاع غزة الذي تحوَّل إلى سجن كبير، وسؤالي لك: هل غزة مازالت محتلة من ناحية القانون الدولي؟
جون دوغارد: انسحبت إسرائيل لكنها مازالت تسيطر على غزة، وهي تتحكّم بكل شيء يعبر على غزة، وهذا يلقى قبولاً عند العديد من القوى في مجلس الأمن، وتستخدم إسرائيل مصطلحات عديدة لهذه السيطرة ومنها المحاصرة المشروعة لكنها لا تلغي أنها لا تلتزم بالقانون الدولي.
بين سول: وهل المحاصرة مشروعة؟
جون دوغارد: وُضِعَ قانون المحاصرة المشروعة ضد الجماعات الإرهابية في كولومبيا ولم يستخدم إلا فيها، ولم يكن هناك انتهاك لحقوق الإنسان ولا منع حركة الناس والبضائع، وهناك محامون من أنصار إسرائيل يروجون لمشروعية هذا الحصار، إلا أنَّ الحقيقة هي أن النزاع مستمر، وحتى في جنوب لبنان مازال النزاع مستمر، فالقانون الدولي واضح بأن النزاع ينتهي حين التوصل إلى معاهدة سلام شاملة مدعومة من الشرعية الدولية ولها أهلية ديمقراطية من برلمانات الدول المتنازعة.
بين سول: بما أننا نتحدّث عن الفروقات بين المحامين في تعاطيهم مع النزاع في الشرق الأوسط، فكيف تقيِّم الفكرة القانونية المسماة سفن الحرية؟ وهل ضرب النار على هذه السفن مثل فلوتيلا جائز وفقاً للقانون الدولي؟
جون دوغارد: هذه السفن لم تكن نزهاً بل هي خطوة ذكية لمعرفة قوة القانون الدولي، والسفن كانت شرعية وضربها من قِبَل إسرائيل جعلها محل مساءلة المحكمة الدولية، وهنا أيضاً نعود ونقول أن الدول المعنية هي مَن سحب القضية من المحكمة الدولية، أي تجميد تنفيذ العقوبات على إسرائيل جاء سياسياً لكنه لا يسقط بالتقادم، وقد تتغيّر الظروف وتفتح كل سجلات الانتهاكات الإسرائيلية.
بين سول: النضال السلمي اللاعنفي في الأراضي الفلسطينية وكذلك نشطاء السلام الدوليون وفعاليات قرى الجدار والبلدة القديمة في القدس والخليل كلها نضال مشروع ضمن قانون حق تقرير المصير للشعوب الخاضعة لاحتلال، إلا أنَّ إسرائيل تنكّل بهذه الفعاليات استناداً لقانون الدفاع عن النفس.. فهل القانون الدولي متضارب في هذه القضية؟
جون دوغارد: المشكلة أن تتعاطى مع الهجوم على مستوطنة في الضفة الغربية مثل الهجوم على تل ابيب! في الحقيقة القانون الدولي يشرّع لإسرائيل حق الدفاع عن نفسها إذا تعرّضت لهجوم في أراضيها الرسمية وفقاً لقرار التقسيم الصادر العام 1948. وللأسف أن عام 2004 كانت هناك قرارات تدعم إسرائيل من المحكمة الدولية ضمن قانون الدفاع عن النفس بضغوطات أمريكية التي تعمل دائمًا على وضع إسرائيل فوق أي قانون دولي، لكن المحور الأساسي المطروح من قِبَل الإسرائيليين أنَّ أرض الضفة الغربية هي أرض متنازَع عليها، أي أنَّ هناك جزءاً منها سيبقى مع إسرائيل، والسبب أن ترسيم حدود الهدنة العام 1949 لم يحدِّد الأماكن الحدودية بشكل جازم، ورغم أن الخلافات لا تتجاوز كيلومترات قليلة، إلا أن الإعلام الإسرائيلي والأمريكي يروجان أنَّ كل أرض الضفة الغربية أراضٍ متنازَع عليها، وليست كلها محتلة، وهذا بحاجة للجان قانونية متخصصة لإعادة قراءة الخرائط، وبالتأكيد بحاجة لقرارات سياسية من الشرعية الدولية على أن تكون منصفة للشعب الفلسطيني ومتوافقة مع القانون الدولي.
بين سول: لو عدنا بالتاريخ فإنَّ كل ما فعلته ألمانيا في هجومها على جيرانها في بداية الحرب العالمية الثانية كان دفاعًا عن النفس. دعني أذهب في سؤالي إلى المقدس عند الإسرائيليين، ما هو التعريف القانوني للـ"اللاسامية"؟
جون دوغارد: اللاسامية تعرف بأنّها جزء من التمييز العنصري الذي تعرّضت له الأقليات غير الأوروبية في الحرب العالمية الثانية، وهو نفس الأسلوب الذي تمارسه الحكومة الإسرائيلية، ولا يمكن أن نقبل أن تحمي إسرائيل نفسها باللاسامية فهي تنتهك كل القوانين، وكل المؤسسات الدولية تعرف أن هناك ظلماً وقلة عدالة داخل المجتمع الإسرائيلي، أما من ناحية اللاسامية في الدول الأوروبية فهي تعدُّ جريمة يعاقِب عليها القانون، أي أنها مجرد ذكرى تاريخية تجاوزتها الدول الأوروبية.
بين سول: تعتبر إسرائيل دولة متقدمة على صعيد البحث الأكاديمي المتخصص في سَن التشريعات والقوانين، وهي تمتلك الكثير من المحاكم والمحامين ذوي السمعة الدولية وقانوناً يستند لقواعد الديمقراطية البرلمانية.. كيف تقيِّم القانون الإسرائيلي؟
جون دوغارد: كل الإسرائيليين يمدحون قانونهم ومحاكمهم وخصوصاً المحكمة العليا، متناسين أنها تقف موقف المتفرج أمام انتهاكات القانون الإسرائيلي نفسه، فعلاً هناك الكثير من القوانين العنصرية داخل إسرائيل وهناك تمييز عنصري ضد الأقلية العربية، كما أن هناك استثناءات عديدة لسكان مستوطنات الأراضي الفلسطينية المحتلة، إن الحديث عن القانون الإسرائيلي يذكرني بقانون الأبرتهايد في جنوب أفريقيا حيث بريق الحروف يُخفي أن لها حوافاً حادة تقطر بدماء الأبرياء.
بين سول: الجميع قال لي انك إنسان متفائل دائماً، كيف ترى مستقبل النزاع؟ هل ستقبل إسرائيل أن تنسحب من الضفة الغربية لتصنع غزة جديدة تمطرها بالصواريخ؟
جون دوغارد: المستقبل مع الفلسطينيين، أقولها وكلي تفاؤل، واستندُ لقوة الشرعية الدولية، إن هذا الشعب المناضل سيستمر بالنضال لحين أن يحقق استقلاله، وأعود لأن أذكّر أن الانسحاب من طرف واحد كما حدث في قطاع غزة لا يمكن أن ينهي النزاع، ولابد لأي اتفاقية أن توفّر الأمن لإسرائيل، وإسرائيل لن تقبل بأقل من هذا، ومن جانب آخر لابد من وجود ضمانات دولية لحماية الشعب الفلسطيني من الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، فدائماً يتم طرح إسرائيل وكأنها هي الضحية رغم أنها دولة عالية التسليح وعلى مستوى تقني حربي يرفعها لأحد أقوى عشرين جيشاً في العالم، ثم نبدأ بالحديث عن شعب محتل لا يمتلك أكثر من دفاعات بسيطة، رغم ذلك يتحدث الإعلام الغربي عن أن الفلسطينيين هم الخطر، لكنني أرى أن التوعية بالقضية الفلسطينية آخذة بالانتشار في صفوف المجتمعات الغربية، وهذه هي بداية تغيير الرأي العام الذي يصنع التغيير في سياسات الدول، ويجعلها قادرة على تطبيق القانون الدولي في حل النزاع.
بين سول: إسرائيل تعمل على تغيير الواقع بالضفة الغربية بشكل ممنهج، فقد أقيم الجدار والمستوطنات على جانبيه، وتضع العراقيل الكبيرة أمام أي أفق لحل سياسي، ولا يبدو أنَّ القضية ستُحَل وفقًا للقانون الدولي وكذلك فاللاجئون الفلسطينيون لن يعودوا.. ما رأيك بذلك؟
جون دوغارد: حل الدولتين هو الحل المطروح وفق القانون، لكنه من الناحية العملية غير ممكن إذا تم إبقاء المستوطنين وعدم السماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة لديارهم. وإذا فرضنا أن حلّ الدولة الواحدة يعني إسقاط السلطة الفلسطينية وتطبيق سياسة التمييز العنصري والطبقي ضد كل الفلسطينيين، فإنَّ هذا سيدمّر إسرائيل من الداخل والنزاع لن ينتهي إلا بإعطاء الفلسطينيين حقوقهم، إما داخل كيان مستقل كما هو واضح في القانون الدولي أو ضمن تعديل جذري للقوانين الإسرائيلية تكفل المساواة بين مواطنيها ضمن حل الدولة الواحدة، وهو أخطر على إسرائيل من حل الدولتَين ضمن المفهوم القانوني.
بين سول: نشطت مجموعات عديدة في الدول الغربية في طرح برامج مقاطعة البضائع الإسرائيلية مسترشدين بتجربة نضال جنوب أفريقيا، هل المقاطعة للبضائع الإسرائيلية شرعية بالقانون الدولي؟ أم أنها تُختصَر بمقاطعة بضائع المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية؟
جون دوغارد: من الضروري النظر للقضية من زاوية نضال ضد التمييز العنصري كما هي تجربة جنوب أفريقيا، لا يوجد شيء بالقانون الدولي يدعم المقاطعة رغم وجود نشطاء استطاعوا سن قوانين في مدن وبلديات غربية إلا أنه نشاط شعبي ولا يمكن أن يصل لمرحلة القانون الدولي.
بين سول: شكرا لك برفسور جون دوغارد كان حوارك مفيداً جداً والآن أعيد الميكرفون لكاثي بيتر لتفتح باب استفسارات من الجمهور.
الناشطة اليهودية ميشيل: أليس القانون الدولي يطرح الحل وفقاً لحل الدولتَين، وهو إعلان استقلال إسرائيل المرتبط بقرار التقسيم؟
جون دوغارد: نعم والجدير بالذكر أنّ استراليا دعمت قرار التقسيم، وأنَّ ارتباط الاعتراف بإسرائيل يوجب الاعتراف بقرار التقسيم، وما قصدته أن إمكانية تطبيقه باتت صعبة، إلا أنَّ الشعب الفلسطيني سيبقى يناضل حتى يحقق طموحه بالاستقلال، ونضاله مكفول بالقانون الدولي فهو دفاع عن النفس وتقرير المصير للشعوب الخاضعة للاحتلال.
خالد أبو عدنان: هل شراء الإسرائيليين لأراضي بالضفة الغربية يحوّلها لجزء من إسرائيل وفقًا للقانون الدولي؟
جون دوغارد: شراء الأراضي لا يعني تحويل الأرض لسلطة دولة أخرى ولا يمكن أن تصبح جزءاً من دولة إسرائيل، بل إنّ القانون الدولي يمنع الدولة المحتلة ومواطنيها من شراء الأرض المحتلة، ويجرم استغلال الأرض المحتلة من قبل قوات الاحتلال وكذلك وجود المستوطنات لا يعد قانونياً.
كلمة ختامية من كاثي بيتر وشكر للحضور والحوار المفتوح والدعوة لدعم نشاطات منظمة العدالة والسلام من أجل فلسطين وأهمها تسويق المنتجات الفلسطينية الداعمة للفلاحين في منطقة جنين وبرنامج مساعدة الطالبات في جامعة الخليل والكثير من الفعاليات الثقافية والسياسية المتضامنة مع الشعب الفلسطيني
وكلمة أخيرة إنّ المستقبل مع الفلسطينيين
طلبت من صديقي البروفسور جاك ليرج أن أحصل على صورة جماعية للمتحدثين الثلاث وفعل ذلك مشكورًا لكن البروفسور بين سول قال لي: "أريد أن أعبر عن إعجابي الشديد بصيغة سؤالك عن بيع الأراضي لأنّها معضلة قانونية بحاجة لتوضيح، كما أن البروفسور جون قال لي: اتفاقية جنيف واضحة ومن يشرّع بيع الأراضي هي المحاكم الإسرائيلية والنضال داخل إسرائيل مهم لتبيان أن القانون عنصري حيث لا يسمح للمواطن الإسرائيلي الذي أصله فلسطيني أن يشتري أرضًا بينما يعتبر ذلك جائزاً للمستوطن القادم منذ شهر لإسرائيل. بيع الأرض المحتلة لا يمكن أن يغيّر من أنها غير تابعة سياسياً لدولة أخرى، ولا بد أن يبذل المختصون بالقانون الدولي جهداً لعقد ورشات عمل لطرح قانون يجرّم تسجيل الأراضي في المحاكم الإسرائيلية، كما أنَّ السياسيين الفلسطينيين لم يطرحوا هذه المسألة من الناحية القانونية بل من الجانب السياسي، وأنت أول فلسطيني يسألني عن رأيي القانوني، وقلتُ لك بصراحة: هي إحدى جرائم الاحتلال الإسرائيلي التي تحتاج لإعداد التقارير ومسودات القرار، وأحسنت بسؤالك لقد فتحت لي المجال لأفكر بالقضية من زاوية جديدة، وتحياتي للصحافة الفلسطينية فهذه إطلالتي الأولى عليها، وإن كان الإعلاميون الفلسطينيون مثلك سأفكر ألف مرة قبل إجراء حوار مع أحدهم، ليلتك سعيدة ولا تنسى مظلّتك فالأمطار غزيرة".