خاص مجلة "القدس" العدد 329 اب 2016
تحقيق:محمد مطاوع

متُعاطٍ، مُدمن، مروِّج، تاجر، مُهرِّب... ضحية أم مجرم؟!
سيجارةُ الحشيش، الكوكايين،  الهيروين... مُسميات لسموم كثيرة وغيرها من المواد المُخدِّرة، مما يدخل إلى الجسد، فينخرهُ، ويقسم ظهرَ مجتمع وعائلة وإنسان، إلى نصفَين!
المخدِّرات آفةٌ تضرب الشباب، وتمدّ جذورها في أكثر من شكلٍ وصنف!
يبدأ كمُتعاطٍ للمخدرات، وبعدَ فترة، يتحوَّل لمُدمن عليها! وقد يتعالج وقد لا... قد يموت، من جرعة زائدة!
وبعدَ المتعاطي والمُدمن، يأتي المروِّج، ندخلُ في عالم الجريمة المُنظَّمة... مروِّجون، وبعضهم مُتعاطون ومدمنون باعتبار أنّ الترويج بين محيطهم من المدمنين شيء سهل، فيُغطّي تكاليف تعاطيه، ويكسب المال لقاء الترويج! وقد يكون المروِّج لا يتعاطى، لكنه يدفع بالشباب نحو التعاطي، فيبيعهم ويكسَب!
تجارةٌ، يُديرُها تُجّار المخدرات، ومافياتها، وسياسيون كبار، ورجال أعمال! بنوا أمجاداً منَ الصفقات والربح والقول "نبني لشباب المستقبل" على ظهرِ هدم الشباب، وتهريب المخدرات وتوزيعها.


في لبنان يوجد 24 ألفَ مُدمنِ حتى العام 2015
نشرت صحيفةُ السفير، أنهُ في العام 2015، بلغَ عددُ المدمنين في لبنان 24 ألفاً... مع التذكير أنَّ مصطلح مدمن، يعني أنهُ تخطّى مرحلة التعاطي، فيما لا نعرف عدد المُتعاطين، والذين يتحوّل أكثرهم مع الوقت لمدمنين! ويتوزَّع المدمنون في لبنان بين 80% من الذكور و20% من الإناث، مع الإشارة إلى أنَّ 70% منهم أعمارهم ما دون الأربعين! أمّا في المدارس اللبنانية، فبلغت نسبة المتعاطين 5.3% من الطلاب.
قصص إدمان!
ما دون الأربعين أي الشباب، ما دون الأربعين، أي مِن المفترض به أن يدرس ويتعلَّم ويتزوَّج ويُنجب!
آفة تضرب شبابنا... ولا سيّما عامر، سعيد وحسام، أسماء مستعارة لثلاثة متعاطين من منطقة صيدا في لبنان، رووا تجاربهم لمجلة "القدس".
عامر، متعاطٍ مُدمن؛ سعيد، يتعافى من الإدمان؛ أمّا حسام فيقف في وسط الطريق، يتعاطى وقد يتحوّل لمدمن، وقد يتعافى باكراً، ويترك المخدرات قبلَ الإدمان عليها!
المُدمن عامر
عامر، مُدمن حالي. كانَ يجلس وينظر إلى التلفاز نظرة أخيرة، وكأنهُ لا يعنيه الحدَث التركي!، ثمَّ نوى أن يوليني انتباهه، وانطلقنا في حديثِنا:
كيف تصف نفسَك كمدمن؟
مدمن و"مش قادر إترك".
متى بدأتَ بتعاطي المُخدرات؟ وماذا تتعاطى اليوم؟
بدأت قبلَ ثلاثة أعوام، وأنا اليوم في سن الثالثة والعشرين، وأتعاطى الكوكايين.
كيفَ بدأت بالتعاطي؟
كنتُ مع أصحابٍ لي، وأحدُهم كانَ يتناول الحشيش، فبدأنا معهُ لنُجرِّب، ثمَّ صرنا جميعاً نتناول الحشيش. وبعدَ ستة أشهر، صرنا نتناول الحبوب، وهكذا حتى أصبحتُ مُدمناً.
هل ما زلتَ تلتقي بأصدقائك؟
بعضُهم تركَ التعاطي، وبعضُهم سُجِن، بجرم التعاطي أو السرقة، البعض خفَّفَ تعاطيه، وأنا وشخصان لا نتناول الكوكايين إلا معاً.
في أي وقت تتناولون الكوكايين؟
بعدَ منتصف الليل، وفي رمضان، كنا نتناوله بوتيرة عالية، حيثُ كنا نجتمع جميعنا في منزلٍ واحد.
في رمضان كنتُم تتعاطون المخدرات؟
نعم! كان يحصل ذلك بين فترة العشاء والسحور.
هل ستُقلع عن المخدرات أم ستُكمل الطريق؟
أتمنى الإقلاع، لكنني لا أستطيع.
ما الذي يمنعك؟
جسدي لا يستطيع تركها، أموت إن تركتها لأكثر من يومين.
هل حاولتَ الإقلاع؟
في منتصف الطريق نعم، لكنني لم أستطع (والظروف كلها عم تنفّد ع بعضها)
ما الذي دفعكَ إليها؟
(ينظر في الأرض) ظروف!
اشرح لي أكثر، أخبرني عنك عامر!
أنا شابٌ من هذا البلد، كان عمري عشرين عاماً، وكنتُ أعمل في أكثر من مهنة، منها سائق أجرة "تاكسي"، الظروف غير مُريحة، ومَن أحببتُها (طلعت مش منيحة)، وكل ما حولي سيء، وأنا لم أقصد الإساءة لأحد، وأدعو الله أن يُسامحني.
هل يعرف أهلك أنّكَ تتعاطى؟
نعم، أُمي تعلم ذلك. وأبي متوفى، وفي جميع الأحوال أنا سأُسافر عمّا قريب، وأدعو الله أن أبدأ في الخارج حياة جديدة.
إلى أين ستُسافر؟ ولِمَ لم تسافر من قبل؟
حاولتُ كثيراً، سأذهب إلى السودان، ومن هناكَ سأدخل إلى مصر، فأنا لا يُسمَح لي بالذهاب إلى أي بلد.
أينَ ستكون بعد سنوات وأنتَ مُدمن مخدرات؟
أنتظر الفرصة والظروف المناسبة لأُقلع عنها. أنا لا أخاف من شيء، وأرجو الله أن يُسامحني!
المُتعافي سعيد!
سعيد (28 عاماً)، شابٌّ يتعافى منَ الإدمان، دخلَ إلى مصَح، خالهُ أخذَ بيده، وبعد شهور، استطاع بإرادته إجتيازَ مرحلة العلاج الطبية، وها هوَ يقطع آخر المراحل، النفسية والسلوكية.
سعيد، كيفَ لك أن تصف لنا شعورك الآن وقد تجاوزت مراحل العلاج الأساسية؟
كالاسم الذي اخترتُهُ الآن! سعيد جداً بهذا التقدُّم الذي أحرزتُه، حياتي تجدَّدت، وكنتُ فعلاً قد أموت جرّاء تعاطي السموم. لكنَّ الحمدُلله ربّنا نجّاني.
ما أبرز ما ترويه لنا عن رحلتك مع الإدمان؟
كنتُ في عمر السابعة عشرة، أي قبلَ ثماني سنوات، وحينها بدأتُ لسنتين بتعاطي الحبوب المُهلوسة، ثمَّ الحشيش، والخمر، كنتُ أثمل كل ليلة تقريباً، وبعدها بثلاث سنوات، بدأت رحلتي مع الهيروين، ثمَّ أدمنتُ، وتحوَّلت لمروِّجٍ بينَ أصحابي. سُجنتُ مرتين، وفي كل مرة، كنتُ أترك التعاطي. خلال السنوات الثمانية، لم أُدمن كل الوقت، وحاولت مراراً الإقلاع، وأحياناً كُنتُ أُرغَم على ترك الصنف، لكن الحمدلله قبل تسعة شهور، حياتي تجدَّدت وأخيراً تُبت.
ماذا عن أصحابك؟
أكثرهم ما زالوا مُدمنين، وأنا أُحبُّ نصحَهم، إلا أنني لا أختلطُ بهم كالسابق، (أخاف أن يُحمِّلونا معاً ويسوقونا إلى السجن). بعض أصحابي بالأساس  يتعاطى المخدرات بدرجات أقل، ولم يصل بعد درجة الإدمان.
قلتَ أنكَ كنتُ مروِّجاً، لمن كنتُ تروِّج؟ وحينَ أقلعت ما كانت ردة فعل التجّار؟
خالي يعرفهم جميعاً، وساعدني بألا يؤذوني، وأنا لا أُؤذي أحداً. كنتُ أروِّج بينَ أصحابي فقط، ولا أعرف لماذا كنتُ أفعل ذلك، حتى أنّ عذري بأن أكسب المال لأشتري المخدرات لي، لا أراهُ مقبولاً، والحمدلله، اليوم يختلف عن الأمس.
لماذا تعاطيتَ المخدرات بالأساس؟
لأنِّي جرّبتُها، وكنتُ بالأساس أعيش حياة طائشة، وككثير من شباب جيلي.. نُجرِّب، وهوَ سلوك حياة، والحمدلله أنني تبت!
أُمّه أضربت عن الطعام!
تابَ سعيد كما يقول، مع أنَّ رحلة علاجه مستمرة، والعلاج ليسَ بالأمر السهل، لكنهُ لأصحاب الإرادة، ليسَ بالأمر المستحيل أبداً. يقول سعيد، أنّهُ كانَ يشعر بنشوة حينَ يتعاطى، لكن ذاتَ ليلة، بكت أُمه كثيراً حتى الصبح، وقالت لهُ إنها ستُضرب عن الطعام حتى يترك التعاطي، تركهُ، وكان أصعب شيء في علاجه هوَ تعلُّق جسده بالهيروين. أمّا المُدمن عامر، فتسبّب بضربة كف على خدِّ والدته، ثمَّ أُخته، يروي الحادثة، بعدما دخلَ بحالة تفريغ عمّا في داخله، وكأنّ سموم الكوكايين، تخرج على شكل أوجاع وذكريات مؤلمة، وغصَّات تُثير الشفقة!
حُسام مُتعاطٍ في وسط الطريق، فهل يعود؟
حُسام إبن الخامسة والعشرين، ما يزال في سنته الجامعية الثانية، بعدَ انقطاع دراسي، ومحاولة للعودة إلى الجامعة، ومروره بمشاكل عديدة في حياته، منها، تعاطيه المُخدرات... فهل هوَ في وسط الطريق نحو الإدمان، أم العودة عنه؟
متى كانت أول مرة تناولتَ فيها المخدرات؟ وما كان صنفها؟
تناولتُ الحبوب المهلوسة في الجامعة، وكانَ ذلك عن طريق صديقي، ومن بعدها انقطعتُ عن الجامعة لسنوات، وأصبحتُ منذُ ثلاث سنوات، شبهَ متردِّد بين التعاطي أو عدمه، ولا أعرف ماذا أفعل.
هل لديكَ النية الحقيقية بألا تنتقل لمرحلة الإدمان؟
طبعاً، لكنَّ ذلك أمر ليسَ بالسهل تماماً. فأنا عدتُ إلى الجامعة، وسأكمل ما تبقى لي من مواد، خلال سنة ونصف، ومن بعدها يجب أن أُسافر، و(انشالله خير!).
هل في جامعتك متعاطون؟
نعم، وبالأخص، الحشيش، وهوَ شيء شبه عادي. نلف السيجارة، ونشعر وكأننا ندخِّن التبغ العادي.
ولِمَ انتقلتَ لمرحلة المخدرات؟
لا تكتفي بالحشيش، قد تنتقل منهُ إلى الحبوب المهلوسة، وفي مرات إلى الهيروين، لكنّ اعتمادي على الحبوب.
مَن يؤمّنها لك؟ ألا تفكِّر بالتبليغ عنهم إن أقلعت؟
شخصٌ يعرفهُ صديقي، كان متعاطياً، فمدمناً، فمروِّجاً ومن ثمَّ أصبحَ تاجراً، يتعامل مع تجّار كبار. لا، لن أدخل في حرب مع أحد.
أين ستكون بعد ثلاث سنوات؟
في بلد آخر غَير لبنان، وسأقلع عن الحبوب المهلوسة، وأنا في كل الأحوال لن أتعاطى الهيروين مرة أُخرى.
يعني لن تتجه إلى الإدمان؟
نجيتُ من الإدمان ولن أتّجه إليه، لأنّي ما أزال أُدرك أينَ أنا، وما خطورة ذلك. تكره نفسك، يكرهك أهلك، مجتمعك، محيطك، تصبح رائحتك عفَن! المدمنون آلاف، فيما الأصحاء ملايين، ولا يمكنني التواصل معهم إن بقيت أتعاطى الحبوب.
ما الضمانة أنكَ ستُقلع؟
لدي الإرادة، وعندي صديقة تنصحني، وتوجهتُ لأكثر من مرة إلى جمعية أتابع فيها جلسات حول خطورة التعاطي، وأنا أدرك مخاطره كوني متعلماً، وسأٌخفّف من الحبوب تباعاً، وإن لزم سأخضع لأي علاج ممكن، وأتمنّى أن أُكمل في هذه النية.

المخيمات الفلسطينية ومحاربة الظاهرة
مخيم عين الحلوة كغيره من مناطق المجتمع اللبناني، والمجتمعات عامةً التي تسلَّلت إليها آفّة المخدرات. أثناء جولتنا في المخيّم، التقينا قائد الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا، العميد أبو أشرف العرموشي، وكان لنا حديثٌ معهُ عن كيفية مواجهة المخيمات الفلسطينية في لبنان لآفة المُخدرات، والخطوات التي يتم اتخاذها مع المُتعاطين، خاصّة أنَّ الأمن الوطني في عين الحلوة يقوم بتحويل حالات من المتعاطين لمصحّات خارج المخيم، ويؤسّسس لمصح في داخله.
بدايةً أكَّدَ العميد العرموشي خطورة ظاهرة المخدرات، في المجتمعات كافة، ولا سيما المخيمات الفلسطينية، وقالَ إنَّ اللجنة الأمنية الفلسطينية العُليا والقوة الأمنية المُشتركة، هي الجهات المنوطة بمحاربة الظاهرة، وكذلك التنظيمات الفلسطينية السياسية كافة، لناحية التثقيف والتوعية ولا سيّما تنظيم حركة "فتح".
ويوكِّد العرموشي أنَّ المخدرات من أخطر الظواهر التي تمس بنية المجتمع الفلسطيني وأمنه الاجتماعي والسياسي،  وهوَ ما يخدم المشروع الإسرائيلي في الوصول للتدمير الذاتي للمخيمات الفلسطينية.
جهود حثيثة والعملُ جارٍ
عن الجهود المبذولة لمحاربة هذه الظاهرة، قالَ العرموشي: "نبذلُ جهداً كبيراً في محاصرة ظاهرة المخدرات في صفوف قوات الأمن الوطني وكحركة ومجتمع، ونحاول الفصلَ ما بين المتعاطين كضحايا، والمروِّجين والتجار كمجرمين. فالمتعاطي يحتاج إلى توعية وعلاج وحماية، والمروِّج والتاجر لا بدَّ من القبض عليه ومعاقبته أمام القضاء اللبناني".
وحولَ الإجراءات التي يتم اتخاذها بدءًا من المعرفة بوجود حالة تعاطي مخدرات في المخيّم حتى معالجتها، يقول العرموشي: "يتم التأكُّد بالوسائل العِلمية المتاحة من أنَّ الشخص يتعاطى فعلاً، وتحديد الدرجة التي وصلَ إليها بالتعاطي لكي يتم إتخاذ اللازم. بعدَ ذلك يتم توقيفه في مكان معزول يستحيل فيه حصوله على المخدرات، ومن ثمّ تُتَّخَذ الإجراءات اللازمة لنقله إلى أحد المصحات التالية: مصح زفتا، مصح عبرا، أو مصح برج البراجنة بالتواصل مع  د.فايز البيبي حيث يتم الاتصال به وحجز سرير للمتعاطي".
كل حالة على حدة والرؤية المستقبلية
يقول العرموشي إنَّ كل حالة تقتضي طريقةً للتعامل معها تختلف عن الحالة الأخرى من حيث المواد التي يدمنها المتعاطي (حشيش، حبوب، هيروين..)، لكنَّ الأهم بالنسبة إليه هوَ محُاربة المروِّجين، حيثُ يتم الإبلاغ عن أسماء المروِّجين والتجّار، للقوة الأمنية المشتركة ويتم اعتقالهم وإحالتهم إلى القضاء المختص.
وعن الرؤية المستقبلية في المخيمات اللبنانية، نحو محاربة ظاهرة المخدرات، يقول العرموشي: "هذه الظاهرة غريبة ووافدة على المجتمع الفلسطيني والمجتمع الفسطيني متلقٍ وليس بمنتج للمواد المخدرة، وهو بحاجة لجهود جميع القوى اللبنانية والفلسطينية للقضاء عليها، بما في ذلك التوعية الأُسرية والمدرسية والدينية لمكافحة هذه الظاهرة، ودور مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات واللجان الأهلية".
متى نستطيع محاكمة المروِّجين والتجَّار والمُتآمرين على شبابنا؟
يبقى الباب الموصود والذي نحتاج لفتحه، هوَ باب التجّار الكبار، والمروّجين الذين لا يرحمونَ شبابنا.
(تسطيل الشباب)، حالة عامة يُحبّذها أصحاب الأجندات المشبوهة، ومَن في الخارج ممّن تروق لهُم حالنا إن كنا دمى تتحرَّك! فتأتي المواد المخدرة على طبق من ذهب، وتحمل معها الإيدز، والأمراض المنتشرة بالدم، وآفات اجتماعية أخرى... كالسرقة، والعنف المنزلي، وعنف في الشارع، والمجتمع ككل... فيصرخ، يُعاني! فيما بعض المُتعاطين، ينزوون في منازلهم، ليخرجوا إلى المجتمع مدمنين مع درجة قتلَة ومقتولين، ودرجة مروِّجين! فهل من مستجيب؟! هل تُنزَع بذور الترويج؟ هل تُغلَق حدود التهريب؟! هل يصمت البعض أكثر من ذلك، ويحمي ويتغافل عن اللاعبين الكبار بمستقبل شبابنا؟! وماذا عن أهالي المُتعاطين وعائلات بأكملها دمّرتها مادة مُخدّرة؟!