ما يقوم به دونالد ترامب على مستوى الحرب الشعواء التي يعلنها بشكل متلاحق ضد مفردات القضية الفلسطينية، هو عداء أهوج وغير مسبوق، وليس له معادل موضوعي سوى أنَّ ترامب أشبه ما يكون بالمتورط في جعل أميركا تصبح دولة يهودية، لأنَّ هذا العداء الرهيب لكلِّ مفردات القضية الفلسطينية مثل القدس واللاجئين، والأونروا، وفحيح التوطين، وسعار التوطين والتهويد، والعدوان اليومي، والاعتداء على القانون الدولي، وثوابت الشرعية الدولية، هذا كلَّه وأكثر منه، يتعدى حدود المبرر المعلن بأنَّ ترامب مجرد رئيس يعاني من الخواء العقلي، ومجرد منحاز إلى إسرائيل، ويريد أن يقدَّم مشاهد الإثارة في محاولات تصفية القضية الفلسطينية، فهذا الرجل ذو العقل المشوش، يخفي التزامات تورط بها، يلبسها في بعض الأحيان عناوين مخادعة، بأنَّ هذا العداء للقضية الفلسطينية يجعل أميركا بمظهر أقوى، وخارج النسق، وتجدف ضد التيار، وبالتالي فإنَّ معركتنا معه بهدف إسقاط أولوياته، هي معركة كبرى وتاريخية، ولا يجوز الافتراض فيها سوى نتيجة واحدة، وهي الانتصار، والانتصار الأكبر، دون الوقوع في فخ التلاوم الذي يتشدق به الصغار التافهون، حول أوسلو، واتفاق أوسلو، ومنهج أوسلو والتزامات أوسلو، فاتفاق أوسلو كان في حينه اختراقًا كبيرًا جداً، ولا أدل على ذلك من أنَّ الطرف المقابل لنا وهو إسرائيل قد قتلت على المكشوف إسحاق رابين رئيس الوزراء الذي وقع معنا الاتفاق، وأنَّ إسرائيل في الوقت الحاضر رغم ادعاءات القوة، تكتشف أن القضية الفلسطينية أكبر وأعقد وأخطر من كلِّ وصفاتها الموجودة على الطاولة.

ونضالنا في وجه الأخطار المحدِّقة يجب أن يتجاوز الحديث عن الخوف وتضخيم معدلاته، أو الارتماء المهين المجاني - كما تفعل حماس - أو الاستغراق في البحث عن أولويات جديدة أو قائمة أعداء جدد كما يريد "جيسون غرينبلات" المبعوث الأميركي، بل خوض المعركة، بأعلى درجات الحكمة وأعلى درجات الشجاعة، وهذا ما سوف نسمعه قريباً من الرئيس أبو مازن في خطابه من فوق منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد أسبوعين في نهاية هذا الشهر، ويجب التأكيد على أنَّ مفردات القضية الفلسطينية المهمة جداً قد تبلورت عبر أكثر من سبعين سنةً، وأن انكسار العدو في أي واحدة منها هو انكسار شامل لمخططات ترامب الحمقاء، لأنَّه رجل بلا جذور، وأنَّه يعادي الثوابت العالمية، وأنَّه لا يعرف أهمية القضية الفلسطينية بأنَّها الشرعية المتاحة لكلِّ دولة في العالم لتعترض على الخلل في النظام الدولي من خلالها، وكمثال على ذلك، فاستهداف الأونروا الذي هو استهداف لمكون رئيس من مكونات القضية الفلسطينية وهم اللاجئون وحقوقهم، هذا الاستهداف حين ينكسر فإنَّ كل ضجيج ترامب وإدارته يصبح مثل حفيف الأفاعي ليس أكثر، أو إسقاط أفكار التوطين التي تطل برأسها، فلقد سبق وأن أسقطناها ولم يكن لنا بعد النكبة أي عنوان، أو أي مؤسسة قائمة سوى الحكمة والشجاعة فقط وهكذا!.

وفي هذه المرحلة، يجب تعلية سقف الربط بين قضيتنا وشرط البقاء الضروري لأمتنا العربية، وأمتنا الإسلامية، لا نجاة لها إلا بتجذير الحق الفلسطيني والدفاع عنه إلى أقصى الحدود، هل إذا تقدِّم هذا العداء الأميركي إلى الأمام يبقى أدنى وجود للعرب، فحدود إسرائيل الخرافية "من النيل إلى الفرات"، وحدود إسرائيل السياسية "الجولان السوري لازم لنا" وهل هناك أمة إسلامية بدون القدس؟؟؟ المعركة بدأت ويجب أن نمزق الأولويات المفتعلة والزائفة، وننتبه إلى أن فلسطين هي عنوان المعركة.