ماذا فعلت بنا المفاهيم الفوارة؟ حولتنا إلى تجار بالجملة والمفرّق للمعلبات الجاهزة بموادها الحافظة، وسوقاً استهلاكياً لكل الأزياء السياسية.. بلاد العرب امتلأت بترميزات التلقين  لسلوك جماعي خارج التضاريس، فقدنا مشروعنا الثقافي بسقوط  العشائر والقبائل، وتلاشى البرنامج السياسي باختلال التوازن وألوان الخرائط وغموض الرؤية بين التحرر والتمرد..

حين شرّع العربي عبودية القبيلة خرج من التاريخ، وإبن خلدون ينظر للغلبة بإخضاع المغلوب للغالب، المتسلط والخاضع، وكانت حالة من المقاربة بين المعقول والممارسة، ووراثة وظيفية تجرد الكينونة من محتواها للفرد والجماعة، وظل الارتباط بالماضي تحكمه الغرائز وغياب لهوية ثقافية يحضنها مسارها التاريخي في تحفزه الدائم.

في مقولة الفراغ، مؤهلات الحاكم مفقودة، وصيغته مبهمة للحكم، والتجربة هجينة تمارس رياضة الخطاب العصبوي والفئوي، يستورد الاستشراف والنص الثرثار..

وتشريح المندرجات التراكمية وكيفية إدارة الصراع بين مشروعين يحاول الأول فتح الأبواب الموحدة في اللحظة التاريخية لصياغة التشكل واثبات الحضور على منصة التاريخ في مسألة التحول لهوية تشارك في انسنة العالم وعقلنة الصراع.. ومشروع مضاد يرى في المشروع الأول تحفة أثرية من الماضي، جاهداً في تغريب ثقافتنا ومفاهيمنا وتراثنا وعولمة نسيجنا الاجتماعي وتشويهه في مواجهة الذات مع الذات، تتبدد فيه قوته في معارك وهمية وأولويات الصراع وشعارات كل مرحلة، وإسقاطات الوهم والأساطير والواقع بكل حقائقه واكتشاف الآخر وتوفير شروط التحاور بين الثقافات وخصوصية النص في المظهر والجوهر.

مائة عام وعلى رقعة الشطرنج العربية ثمة من يحرك البيادق ويسقطها واحدة تلو الأخرى، والطب العربي لم يكتشف تشخيص حالة المريض وأصابته بالكوما.. زرعنا الزهايمر السياسي، ولم نحصد  سوى   الفتاوى والفريسيين من الكتبة، والنص المكرر يستغيث مستنفراً الشوارع، وجد البيانات يكتب مفردات الغموض وحرب العرب على العرب.

لماذا تحولنا إلى بورصة في السوق الدولية! ولماذا تحولنا إلى قبائل رقمية تتحرك بالريموت كنترول..؟ وخطائر سايكس بيكو تعلن وفاة التطابق التكويني في الوعي والسلوك والثقافة، وبمعادل الجهل والتخلف ندفن التفكير وحقائق التاريخ والجغرافيا، والإدعاءات المزيفة باختلاف شروط البناء لكينونة موحدة تكتمل عناصر هويتها في الماضي والحاضر والمستقبل.

يأخذنا الاستدراج لمعادلات سياسية لا تشبهنا، وليست على قياسنا، أما تعميمنا الوطني فقد قبض عليه متلبساً بالجرم المشهود وأدخل قفص الاتهام.. ويصادر التحول حين ينجح في الاستقراء والاستنتاج للانتقال من شرعيات ملتبسة إلى فعل جماهيري قراراً واستقلالية ينتصر فيها الذاتي بشروطه الصحية على الموضوعي واملاءاته..

ليست المسألة إجادة الرقص على الحبال في مشهد السيرك وتكون مصفقاً بين المشاهدين وليس المهم أن تجيد السباحة في بحر المزايدات والولاءات.. أو حمالاً للصناديق المعلبة..

وقراءة الكلمات للنص المشفر الذي أدمن الجد السري وحروف تمرنت على مسح جرائمها وليس المهم أن تعلن عصيانك أمام إشارات المرور.. المهم أن لا تأكل من تفاحة المعصية الوطنية، أن لا تكون  قايين العصر لكي لا تمارس الموت المجاني.. وان لا تقع في كمين الأسئلة.. أو أن تكون الجواب المعاق..

النص ما زال ثرثاراً، مفردات مصطلحات ومفاهيم وشعارات كثيرة. يحمله الفلاش ميموري دون إي تعديل، وديمقراطية مواقع التواصل الاجتماعي لحركة التاريخ مزيج لأفكار مختلفة تدخل مختبر التاريخ لإثبات وجودها وتملأ الفراغ، أو تبقى في صالات العرض وتقع في كمية الأسئلة..

هي اللحظة التاريخية بشروط الثابت، لكي لا يضحك المتحول في أجندة الآخرين.