خاص مجلة القدس العدد 325 تحقيق عدي غزاوي- رام الله

منذ بداية الهبّة الجماهيرية في فلسطين في تشرين الأول من العام 2015 واسرائيل تنتهج مبدأ الاعدامات الميدانية في محاولة لارهاب الفلسطينيين وثنيهم عن مقاومة احتلالٍ سرقَ الارض وآذى الشجر والبشر والحجر. غير أن هذه السياسة لم تكن وليدة المرحلة، فهي نهج اسرائيلي بدأ منذ احتلال فلسطين بإعدام الفلسطينيين الآمنين في بيوتهم العام 1948، وفي المراحل التي تلت من مجازر وقتل للفلسطينيين تحت ذريعة الدفاع عن النفس.

استشهاد عبدالفتاح كان صدمةً كبيرة لنا

أقرب حادثة إعدام ميداني سجّلتها الكاميرات كانت إعدام الشاب عبدالفتاح الشريف في مدينة الخليل وبالتحديد في البلدة القديمة، حيث روى عمه فتحي الشريف للـ"القدس" تفاصيل اعدامه وما واجهته العائلة بعد استشهاده قائلاً: "كانت مفاجأة لنا لأنه كان شاباً هادئاً لم تظهر عليه اي علامة عن نية للقيام بأي شيء. لقد كان ينطلق الى عمله صباحاً بعد توديع امه وأبيه ونيل رضاهما ويمارس عمله بكل تفانٍ ونشاط ويتابع حياته الاجتماعية بشكل عادي، وكانت له طموحاته كأي انسان يطمح بحياة كريمة ومستقبل ناجح".

ويتابع "عرفنا خبر استشهاد عبدالفتاح من وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن شاهدنا المقطع الذي أُعدِمَ فيه بكل دم بارد، وحتى الساعة الرابعة من يوم استشهاده لم يتصل أي أحد بنا ليخبرنا بشكل رسمي عن استشهاده الى ان قام الارتباط الاسرائيلي بالاتصال بنا وتبليغنا بشكل رسمي أن عبدالفتاح قد استشهد. وبما أن عملية إعدامه كانت مسجّلة قالوا لنا انهم قاموا باعتقال الجندي الذي قتله، وسيخضع للمحاكمة على ما فعل وطلبوا إلينا الموافقة على عملية التشريح، لكننا رفضناها في البداية، وبعد اصرارهم على تشريح الجثة اشترطنا وجود طبيب فلسطيني يشارك في عملية التشريح لكنهم رفضوا ذلك وقالوا انه يستطيع الحضور ومراقبة التشريح بعد التماس قدّمناه لمحكمة العدل العليا الاسرائيلية، وتبيّن بالتوافق مع الطبيب الاسرائيلي أن الرصاصة الاخيرة التي اطلقت عليه في منطقة الرأس هي سبب الوفاة علماً أنه تعرّض كذلك لاصابات في الأطراف السفلية من جسمه من قِبَل الجنود الاسرائيليين ورصاصة في البطن لكنها لم تشكّل خطورة لدرجة الموت خاصة مع وجود سيارة اسعاف اسرائيلية في المكان وبالتالي كان من الممكن إعطاؤه العلاج الاولي وأن يعيش".

ويضيف "مَن يقول إنه كان يشكل خطراً فليشاهد المقطع المصوّر له وهو جريح غير قادر على الحركة.. كيف سيقوم بأي حركة وهو مضرج بدمائه؟ كما ان جنود الاحتلال كانوا على مقربة منه، وقاموا بتحريك جسده، فلو كان يشكل خطراً عليهم لما تجرّأ أي جندي على الاقتراب منه، ولكن جنود الاحتلال كانوا يقفون بقربه ويطوّقون المنطقة بالإضافة لوجود سيارة اسعاف ومستوطنين على مقربه منه، إلا أن الرواية الاسرائيلية الدائمة للاحتلال تزعم بأن اي شخص يطلقون عليه النار كان يشكل خطرًا على حياتهم. وللأسف فقد أُطلِق سراح الجندي المجرم لأنه حامل للجنسية الفرنسية، بالإضافة للإسرائيلية، ومحاكمته لم تكن أكثر من مسرحية أمام الرأي العام العالمي الذي احتجّ على هذه الجريمة، ولهذا ادعت إسرائيل محاكمة الجندي، لتقول للعالم انهم دولة ديمقراطية تطبّق القانون، لكن مَن ينظر الى الواقع يجد أن إسرائيل تكيل بمكيالين، فهناك 10,000 أسير فلسطيني في سجون الاحتلال لم يُطلَق سراح اي منهم في فترة الاعياد كما فعلوا مع الجندي ليقضي العيد مع عائلته، ثم يتم نقله الى قاعدة عسكرية مفتوحة يفعل ما يشاء فيها لاكمال مسرحية ارضاء الرأي العام العالمي والدول الصديقة لإسرائيل، ولو فرضنا أن أي شاب فلسطيني قام بعملية ضدهم، لقاموا بهدم البيت على الفور، وأرهبوا الاهل من خلال اقتحاماتهم الليلية وتفتيش البيت، وهذا ما فعلوه مع عائلة عبدالفتاح حيث اقتحموا البيت في الليل وفتشوه، واعتقلوا خالد شقيق عبد الفتاح في اليوم التالي بدعوى انه يشكل خطراً على المنطقة وهو محتجَز منذ ذلك اليوم. وقد اتصل بنا أنا ووالد الشهيد قائد مخابرات الاحتلال لمقابلتنا في أحد مراكز الشرطة الاسرائيلية لكننا رفضنا، وأصرينا على مقابلتهم في مركز الارتباط وقاموا بسؤالنا عن عبد الفتاح بشكل عام، وأرونا تسجيلاً آخر لديهم لنفس القوة التي تواجدت وقت استشهاده في المنطقة يظهر فيه وهو ملقى على الارض يحرك رأسه وعيناه مفتوحتان ويستغيث، وبعدها قام الجندي باطلاق النار على رأسه".

خيارات العائلة للمطالبة بحقهم

وينوّه فتحي الشريف إلى أن عائلة الشهيد تعتزم السير في مسارَين للمطالبة بحق ابنها، ويوضح ذلك قائلاً: "أولاً، توجّهنا للقيادة الفلسطينية السياسية كي يتوجهوا لمحكمة الجنايات الدولية والمؤسسات القانونية الدولية الاخرى، ونحن كعائلة ملتزمون بهذه الخطوة وبما ينتج عنها وكيف سيكون المناخ الدولي للسماح بالذهاب الى محكمة الجنايات. اما الخيار الثاني فيتمثّل بالمطالبة بالتعويض عن الضرر النفسي والمادي والمعنوي الذي أصاب العائلة، حيث سنتوجّه للمحاكم المدنية الاسرائيلية للمطالبة بحقوقنا من الجندي الذي قتل ابننا وايضًا سنقاضي نجمة داوود الحمراء (الاسعاف الاسرائيلي)، فهي تعدُّ مؤسسة انسانية تهدف للحفاظ على حياة البشر التزاماً بالقسم الذي اقسمه الاطباء والمسعفون للحفاظ على حياة الناس وانقاذهم بغض النظر عن الجنسية او العرق او الدين، ولكنهم لم يقوموا بواجبهم في حالة عبدالفتاح. وبالنسبة للجندي فلا نتيجة معروفة حتمياً إذ انه بالامس القريب كانت حادثة حرق الطفل محمد ابو خضير وأيضاً احراق منزل عائلة الدوابشة، ولكن الإسرائيليين كالعادة كانوا يخرجون بالعذر الدائم وهو عدم أهلية مرتكبي الجرائم عقلياً، وبالامس البعيد كانت احداث الاحد الاسود ليشون عتصيون حيث قام مستوطن بقتل 7 عمال فلسطينيين، وقد دعموا جريمته بحجة انه كان يمر بظروف عاطفية صعبة مع حبيبته جعلته يرتكب جريمة يقتل فيها 7 فلسطينيين بدم بارد ويصيب آخرين، لذا فنحن لا نعلّق آمالاً كبيرة على محاكمة الجندي المجرم، فالحكم سيكون بتغريم الجندي غرامة قد تصل الى 50 شيكلاً لأنهم لا يأبهون لدم الفلسطينيين".

لا نكره اليهود..ولكن مشكلتنا مع الاحتلال

يؤكّد فتحي الشريف أن مشكلة الشعب الفلسطيني لم تكن يوماً مع اليهود وإنما كانت دائماً مع الاحتلال حيث يقول: "لقد خاطبت الاحتلال عبر صحافتهم الاسرائيلية وجمهورهم وكانت رسالتي واضحة بأننا كشعب فلسطيني لا نكره اليهود فقد ذُكِروا في القرآن الكريم باسم النبي اسرائيل واتباعه، بل نحن نكره الاحتلال الجاثم على أرضنا والذي قام بسرقتها ولا يزال يتعدّى على الشجر والبشر والحجر كل يوم. ونحن كفلسطينيين شعب يسعى للسلام ويدنا ممدودة لكل العالم بأسره، فاليهود عاشوا في فلسطين قبل الاحتلال وقد عاشوا في مدينة الخليل معنا وحافظوا عليها كما حافظنا عليها، وهم يستطيعون العيش تحت ظل دولة فلسطينية ستُقام يوما ما، وهنا بالطبع نعني السكان اليهود الاصليين لا اليهود المستورَدين من الغرب والدول الاوروبية".

ويضيف "رسالتنا كأهل الشهيد أُوجّهها للعالم أجمع نحن كفلسطينيين نريد السلام الذي يضمن كرامتنا ويرجع حقوقنا المهضومة من قِبَل الاحتلال، وأكرّر بأننا لا نكره اليهود، وقد عاشوا في انحاء الوطن العربي بسلام دون ان يتعرضوا للمضايقة. وفي الماضي كنا نكره بريطانيا لأنها كانت تحتلنا ولكن هل سيكون بيننا وبين بريطانيا  والشعب البريطاني عداوة حتى اليوم؟! طبعاً لا فبعد رحيل الاحتلال البريطاني لم نعد نكرههم، وبالتالي اذا زال الاحتلال وكل ممارساته التي تنتهك حقوقنا اليومية ومنها وضعهم لجنود بعمر 19 سنة يقومون باستفزاز شباب بأعمارهم من خلال اجبارهم على خلع ملابسهم امام الجميع وامام كاميرات العالم.. فماذا تنتظر من شاب تعرض للإهانة؟ او يرى فتاةً من بناتنا تُهان على أحد الحواجز الاسرائيلية؟ وهذه ممارسات يومية. لقد أصبح الامان في البلدة القديمة في مدينة الخليل منعدماً تماماً، فكيف سأعيش بأمن وهناك احتلال يمارس عليّ الاضهاد ويحمل أعتى الاسلحة في وجهي، إلى جانب الحواجز المنصوبة والتي بات يحتاج الشخص إلى ساعة ليتنقّل من منطقة البلدة القديمة الى منطقة وسط البلد بسببها، بالإضافة إلى إغلاق أكثر من 7000 دكان تغطي 3 شوارع مهمة في البلدة القديمة منذ مجزرة الحرم الابراهيمي، علماً أن هذه المدينة يسكنها عدد لا يتجاوز 6000 مواطن فلسطيني".

ويُردف "للأسف رغم الأوضع الصعبة التي نعيشها فنحن مهمَلون عالمياً.. أُنظر الى اي بقعة في العالم حدثت فيها عملية ارهابية، كتفجيرات بروكسيل وفرنسا مثلاً، كيف تعاطف معها جميع العالم واستنكر ما حدث فيها، بيدَ أن 265 شهيداً ارتقوا خلال الهبّة الجماهيرية بدعوى تنفيذهم عمليات ضد اسرائيل (في حين أنك لن تجد جرحى إسرائيليين) ولم نجد أحداً يستنكر ما حدث بشكل واضح. ومنذ استشهاد عبد الفتاح الى اليوم لم تُنفّذ اي عملية اعدام ميدانية باستثناء الشهيد برادعية على مدخل مخيم العروب لأن الرأي العالمي انقلب ضدهم، لذا أُناشد قيادتنا باستغلال هذه الحادثة ضد الاحتلال الاسرائيلي، فالرجل الذي صوّر مقطع اعدام عبدالفتاح والذي يعاني من إعاقة أحرج دولة اسرائيل عالمياً فكيف لو استغلّينا سائر الجرائم الاخرى؟".

ويختم بالقول: "شبابنا ليسوا محبَطين نفسياً ومريضين نفسياً ليقوموا بعمليات ضد اليهود، بل هم يحاولون ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، فشاب كعبدالفتاح يستيقظ صباحًا وكله أمل، ويذهب لشرب فنجان القهوة مع والديه والانطلاق الى عمله، وهو عبارة عن مشغل صغير للأثاث، ويشتري طعام الفطور له ولمن يعملون معه هل كان ينوي الموت؟! طبعاً لا هو كان ينوي الحياة لكن الجندي حكم عليه بالموت".

سياسة لارهاب الفلسطينيين

يرى المحلّل السياسي جهاد حرب أن الاعدامات الميدانية التي تقترفها إسرائيل بحق النساء والأطفال والشيوخ الفلسطينيين إنما هي سياسة احتلالية واضحة لارهاب الشعب الفلسطيني وثنيه عن الاقدام على عمليات  الطعن والدهس وإخافة الاهالي ليمنعوا أبناءهم من تنفيذ مثل هذه العمليات، ويضيف "للأسف فإن الرواية الاسرائيلية هي الرواية الوحيدة التي يتناولها الإعلام، وحتى الاعلام الفلسطيني، لأن الاسرائيليين هم من يتحكّمون بالأحداث وخاصة في مثل هكذا قضايا. كذلك فعمليات الطعن التي جرت خلال الفترة الماضية اصبحت تشير إلى ان كل فلسطيني قد يكون أحد هؤلاء، وهذا ما يظهره الإعلام بشكل رئيس للمتلقين بدون ادراك حقيقة ما جرى بالفعل من عمليات اعدام بحق هؤلاء الاشخاص، لذلك باعتقادي الاحداث من هذا النوع تحتاج الى التحقيق والنظر بكل شخص على حدة حتى يتم التحقق من صحة الرواية الاسرائيلية".

ويتابع "بالنسبة للطريقة التي تعامل بها الفلسطينيون مع الأمر فقد انتهجوا نهجين. الاول، هو فضح الجرائم الاسرائيلية خاصة عندما تُوثَّق هذه الجرائم كما حدث مع الشهيد الشريف في الخليل او ما حدث مع الطفل احمد مناصرة في بداية الهبّة، لكن حتى الآن لا يوجد تدقيق فلسطيني فعّال لإقامة دعاوى ضد جنود الاحتلال او جيش الاحتلال الاسرائيلي .أمّا النهج الثاني فيكمن بتوجُّه القيادة الفلسطينية لمحكمة الجنايات الدولية لرفع ملفات وأدلة هذه القضايا، غير أن الفلسطينيين حتى الآن لم يتوجهوا لمحكمة الجنايات الدولية بشكل رسمي بل لتقديم استيضاحات طلبتها المدعية العامة حول الوضع في فلسطين، وقد بادرت هي بالنظر في القيام بتحقيق اولي ربما على اثره تستطيع توجيه اتهام للحكومة الاسرائيلية في عمليات العدوان او جرائم حرب او جرائم ضد الانسانية".

وينوّه حرب إلى أن إرادة الشعوب هي دائماً اقوى من كل الاجراءات التعسّفية التي يقوم بها  جيش الاحتلال ويلفت إلى أن العمليات أو الهبّة الجماهيرية قد تخمد وتيرتها خلال فترة زمنية ما لكننا سرعان ما نرى عمليات جديدة او عمليات من نوع جديد مشيراً إلى ان المسألة لا تتعلّق بقدرة اسرائيل على وقف هذه الهجمات انما تتعلّق بقدرة الاشخاص على القيام بهذه العمليات من هذا القبيل وبتوفُّرِ الاسباب الشخصية ايضاً وليس فقط الوطنية لهولاء الشباب.

اسرائيل تضرب القانون الدولي بعرض الحائط

تُعدُّ سياسة الاعدامات الميدانية جريمة بنظر القوانين والأعراف الدولية وهي من الجرائم التي تسعى المنظمات والمؤسسات الحكومية الى محاربتها لما فيها من امتهان وتقليل من أهمية حياة البشر، وفي هذا الصدد يقول مدير مركز شمس للديمقراطية وحقوق الانسان د.عمر رحال: "نحن كمؤسسات حقوق إنسان نناهض عقوبة الاعدام حتى في الدول الديمقراطية التي تطبّق قانون الاعدام استنادًا الى قوانينها السارية ومن ضمنها بطبيعة الحال دولة فلسطين، لكن فيما يخص الاحتلال فذلك  شيء مختلف تمامًا، كون الاعدامات التي ينفّذها ضد ابناء شعبنا تأتي خارج نطاق المحكمة وخاصةً بحق الشباب والاطفال، فنحن قد نقبل بوجود عقوبة إعدام، ولكن هذه العقوبة يجب أن تكون صادرة عن  محكمة ويجب أن يكون هناك محاكمة عادلة وبيئة مؤاتية سليمة بحيث يستطيع المتهم أن يدافعَ عن نفسه، لكن الذي لا يُفهَم ولا يُقبَل قيام قوات الاحتلال بإعدام الاطفال والشباب وحتى الشيوخ والنساء بدم بارد وتحت عنوان أن هناك اشتباهاً وان هناك محاولة لطعن او لغير ذلك، فلا يعقل أن يقوم مدني فلسطيني عاجز  كما حصل في العديد من الحالات في الضفة الغربية بمهاجمة مجموعة من الجنود المدجّجين بأحدث الاسلحة  أو أن يقوم بمهاجمة دورية محصّنة، إلا أن إسرائيل تهدف من وراء ذلك الى ايقاع مزيد من الضحايا في صفوف ابناء شعبنا، وتريد أن تكسر إرادتنا وأن تخفينا وأن ترهبنا، وبالتالي ما تقوم به اسرائيل هو جرائم مكتملة الاركان، واليوم لا أحد يستطيع أن ينكر لا مِن اسرائيل ولا مِن المتعاطفين والمتحالفين معها أنَّ ما يحدث هو قتل بدم بارد، واغتيال واعدامات وعمليات تصفية، وهذه الاعدامات التي تقوم بها دولة  الاحتلال هي متعمَّدة بقصد القتل. ونحن عندما نتحدّث عن الامم المتحدة فنحن نتحدث عن مدونات استخدام الاسلحة، وأنا لست خبيًرا عسكرياً ولكن بدون أدنى شك هناك مراحل لاستخدام عملية اطلاق النار. فإذا كان هناك خطر يتهدّد حياة جندي ما أولاً يجب على الجندي أن يصرخ على هذا الشخص أكثر من مرة وباللغة التي يفهمها من أجل ايقافه او إبعاده، واذا لم يرتدع  هذا الشخص يجب ان يكون هناك إطلاق نار بالهواء من أجل اخافته وابعاده، ثم إن لم يستجب واستمر بهجومه فعندها ينبغي أن يُطلِق النار على القدمين من أجل ان يشل حركة هذا الشخص المهاجِم، ولكننا نلاحظ أنه عندما يأتي تقرير الطب الشرعي وعندما تصدر وزارة الصحة الفلسطينية بياناتها حول هذا الشهيد يتبيّن بمالا يدع مجالاً للشك أن عملية اطلاق النار استهدفت مناطق علوية من  الجسم وعادة ما تكون الرأس او الصدر او القلب على وجه التحديد، وبالتالي هناك قصد في عملية القتل، ومما شاهدناه من عمليات إعدام عبر وسائل الاعلام، كان آخرها بحق المرحوم الشريف، تظهر أن هناك تلذُّذاً في قتل الفلسطينيين مِن قِبَل الإسرائيليين، وكأن هذا الجندي عندما يقوم بقتل الفلسطيني يقوم بممارسة هواية ما، هذا من الناحية الانسانية. أمّا من الناحية الحقوقية، فالقانون الدولي الإنساني واضح وصريح تجاه حقوق الانسان وخاصةً حق الانسان بالحياة سواء أكان الاعلان العالمي لحقوق الانسان ام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وأيضاً اتفاقيات جنيف لا سيما الثالثة والرابعة، وهي جميعها تتناول حق الإنسان بالحياة وتؤكّد أن هذا الحق هو أبو الحقوق كلها، وأن  كل الحقوق مرتبطة به، وباتالي لا قيمة ولا فائدة لباقي الحقوق الاخرى بدون الحق بالحياة، أضف إلى ذلك أن الحق بالحياة هو شيء مقدّس لأن الحياة هِبة من الله تعالى ولا يجوز لكائن من كان  وضع حدٍّ لهذا الحق أو سلبه من اي إنسان آخر".

ويتابع "كذلك فالاتفاقيات الدولية الاخرى ومنها القانون الدولي الانساني وأي قانون حرب يدعو الى احترام المدنيين والحفاظ على كرامتهم وعلى انسانيتهم والحفاظ على حياتهم، وهنا علينا أن نُذكِّر الجميع بأن اسرائيل بعد العام 1970 أصبحت تطبّق اتفاقيات جنيف في أضيق نطاق، وبالتالي هي لا تعترف بتطبيقها لاتفاقيات جنيف على الاراضي الفلسطينية باعتبار ان اسرائيل تتعامل مع الاراضي الفلسطينية على أنها خالية السيادة، وهذه النظرية ابتدعها شخص اسمه بلومو وكان استاذاً للقانون الدولي ومندوب دولة الاحتلال في الامم المتحدة، حيثُ قال إن هناك شيئاً اسمه فراغ سيادي على اعتبار ان الاراضي الفلسطينية لم تكن دولة في يوم من الايام  وان الضم الذي قامت به الاردن في العام 1950 لم تعترف به الا دولتان هما بريطانيا وباكستان، وهذه مسائل يجب أن نركّز عليها. ومن هنا نعيد التأكيد على أن القانون الدولي الانساني يحمي الحق بالحياة لكن اسرائيل، كما هو معروف، لا تحترم القانون الدولي الانساني ولا قانون حقوق الانسان وتتعامل بعنصرية واستعلاء فيما يخص الفلسطينيين، ساعيةً لايقاع المزيد من الخسائر في صفوفنا، وارهابنا، وإرسال رسائل سياسية للقيادة الفلسطينية مفادها أن هذه الهبة الجماهيرية لن تؤتي ثمارها وأكلها، بمعنى أنه لن يكون هناك  عائد او استثمار سياسي او دبلوماسي لهذه الهبّة، واسرائيل بذلك تريد أن تكسر إرادتنا وأن تبقى هي مسيطرة على أراضينا بالقوة  المسلّحة، ولكننا على يقين أنه مهما طال الزمن فالاحتلال الى زوال".

دور المؤسّسات الحقوقية في كشف جرائم الاحتلال

حول دور المؤسّسات الحقوقية في كشف جرائم الاحتلال يقول د.عمر رحال: "يجب أن نعترف نحن كمؤسسات حقوق انسان وكمؤسسات فاعلة في هذا الجانب أنه لا توجد لدينا لا دبابات ولا طائرات، كما لا توجد لدينا مصالح ولا سفارات في تل ابيب وفي دول وعواصم القرار الدولي لنتمكّن من الضغط على دولة الاحتلال وحلفائها في هذا الجانب، ولكن على الرغم من عدم وجود سلاح بين أيدينا، وأعني هنا السلاح المجازي كالمصالح التجارية والدبلوماسية والثقافية والسياسية، فإن دورنا يكمن في توثيق كتابة التقارير ومراسلة الهيئات الدولية وخاصةً مجلس حقوق الانسان وغيره من المؤسسات الدولية واليونيسف وأيضاً المؤسسات الاقليمية والشبكات التي نحن  كفلسطينيين وكمؤسسات حقوقية اعضاء فيها، ولكن دورنا ليس اكثر من تقارير وتوثيق ومناشدة للرأي العام، وليس اكثر من فضح للانتهاكات الاسرائيلية والتواصل مع الرأي العام من خلال المحاضرات واللقاءات والتواصل والاجتماع مع  القناصل والسفراء، وأيضاً مع المؤسسات الحقوقية  لفضح الانتهاكات الاسرائيلية، وتقديم ما يلزم للسلطة الوطنية الفلسطينية عبر التنسيق مع وزارة شؤون الاسرى ووزارة الخارجية والعدل فيما يخص الانتهاكات التي يقوم بها الاحتلال ضد ابناء شعبنا، أمّا الذهاب للجنائية الدولية لأن هناك جانباً رسمياً مخوّلاً بذلك والأمر نفسه بالنسبة للزيارات الدبلوماسية والسياسية للدول فهذه من مهمات السلطة، ولكننا نتواصل مع  الإعلاميين ومع الدبلوماسيين ومع برلمانيين ومع سياسيين ومع الشبكات التي نحن اعضاء بها، وأيضا مع المؤسسات الحقوقية النظيرة لنا في الدول الاوروبية من اجل وضعها في صورة الوضع وفي صورة ما يجري حقيقة في الاراضي الفلسطينية المحتلة من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ولكن عملنا ما زال متواضعاً كونه يحتاج إلى امكانيات مادية كبيرة وإلى مكاتب وخبراء في العلاقات العامة للوصول للرأي العام الاوروبي والامريكي".

ويضيف "المعركة في الحقيقة ليست معركة عسكرية فقط وانما هي ايضاً معركة اعلامية لكسب الرأي العام، ونحن كفلسطينيين لغاية اللحظة لم نكسبه بالشكل المطلوب، لذا نحتاج إلى عمل اكبر واكثر كي نصل للدول الاوروبية ونشرح للأوروبيين حقيقة ما يجري على أراضينا لأن بعض الدول وبعض الشعوب تعدُّ اسرائيل واحة ديمقراطية في صحراء الشرق الاوسط، وترى أن اسرائيل هي دولة ديمقراطية تدافع عن نفسها وأن العرب ارهابيون غوغائيون، وذلك بلا شك ناجم عن تصرفات المجموعات الارهابية والضبابية المسلّحة في عدد من الدول ولاسيما سوريا، والتي أساءت للعرب والمسلمين وشوّهت نضال الشعوب، وكان لذلك التأثير الكبير فيما يخص الرأي العام  الاوروبي على وجه التحديد، ومن هنا تبرز الحاجة لأن نتواصلَ مع الجاليات العربية في سفاراتنا ومؤسساتنا الحقوقية وغير الحقوقية ومع  الغرب من أجل ان نروي الرواية الفلسطينية وندحض الرواية الاسرائيلية خاصةً أن وسائل الإعلام في المشرق العربي على وجه التحديد، للأسف، تخاطبنا ولا تخاطب الرأي العام ولكن هناك  قنوات كبيرة ولها التأثير الكبير والكثير على الرأي العام".