غزة - فلسطين - تحقيق: منال خميس
ليس بدءاً بأزمة الكهرباء والماء، وليس مروراً بإغلاق المعابر، وليس انتهاء بتعثُّر عمليات الاعمار وفرض الضرائب الباهظة، وازدياد معدلات الفقر والجوع والبطالة، اضافة إلى سلب الأراضي الحكومية، أزمات متفاقمة تتكدّس، وتعكس واقعاً بائساً ويائساً، لأكثر من مليوني إنسان يعيشون في قطاع غزة، في ظل وضع سياسي معقّد، ما زال يمنع إجراءات تطبيق المصالحة الداخلية الفلسطينية، منذ سيطرة حماس على قطاع غزة منتصف 2006.

الأزمات تتفاقم والكهرباء على رأسها
"أصبحت الأزمات المتفاقِمة في قطاع غزة عقبات جديّة تحول دون حياة مدنيّة صالحة للمواطنين حتى بالحد الأدنى من الشروط الانسانية، فمن جهة لم تتمكّن حكومة الوفاق الوطني من ممارسة مهامها هنا، ومن جهة أخرى تقوم حماس منذ سيطرتها بدور الجلّاد الذي أصبح همُّه كيف يحلب جيوب المواطنين بالضرائب والمكوس دون تقديم أية خدمات تضمن حياة كريمة لهؤلاء المواطنين". هذا ما قاله للـ"قدس" الناشط شاهر أبو الحصين.
وأضاف لـ"القدس": "آخر تقليعات حكومة حماس، هي توزيع الأراضي على موظفيها الذين عيّنتهم بعد الانقلاب، والذين لم تستطع دفع رواتبهم، والقمع والمنع وأزمة الماء والكهرباء وعدم تسليم المعابر واستمرار فرض الضرائب، برأيي ان هذه الاجراءات الحمساوية تعزّز الانقسام، وتؤكّد استمرار سيطرتها على غزة وعدم مغادرتها للحكم.. وهذه عقبة إضافية في طريق المصالحة الوطنية".
وتصدّرت أزمة الكهرباء قائمة أزمات قطاع غزة، حيثُ بدأت شركة التوزيع بتطبيق جدول الـ6 ساعات دون الاعلان عن ذلك، وتعمل على التخفيف من التحميل على خطوط التوزيع من خلال الاستمرار بجدول الـ8 وخصم ساعتين من كل فترة وصل للكهرباء، بمعنى ان الكهرباء توصَل من الساعة 8 وحتى الثانية ظهراً وخلال هذه الفترة يتم خصم ساعتين في أوقات متفاوتة من الجدول المفتَرض.
ووفقاً لمصدر من داخل الشركة نفسها، فإن الشركة لم تُعلِن عن تذبذب ساعات الوصل والقطع، وان السبب الرئيس لهذا الخلل هو زيادة التحميل خاصة في فصل الشتاء لاستخدام المواطنين المكثّف لأدوات التدفئة الكهربائية. ولفت إلى أن مشكلة الأحمال يمكن حلها بتشغيل مزيد من المولّدات ولكن شركة الكهرباء ترفض ذلك بهدف توفير كميات الوقود واستخدامها ضمن المصالح الخاصة بحركة حماس لسيارات القادة ومنازلهم ومولّداتهم الكهربائية إضافة لبيع جزء منها في السوق السوداء.
يشار إلى أن شركة الكهرباء تتذرعّ دوماً بنقص الوقود للعودة إلى جدول الساعات الست ولكن مصادر في سلطة الطاقة تؤكد أن الوقود يدخل قطاع غزة بكميات كافية ولا يوجد أي تغيير على آليات دخوله مشيرة إلى أن شركة الكهرباء التي تسيطر عليها حركة حماس تفضّل قطع الكهرباء على المواطنين والعودة لجدول الست ساعات بدلاً من تشغيل مولّدات إضافية في الشركة.

نشطاء يطالبون بتسليم معبر رفح وحماس ترفض
يحرم معبر رفح البري الـمُغلَق منذ سنوات في وجه سكان قطاع غزة المواطنين من السفر وعلى رأسهم الطلبة والمرضى وأصحاب الاقامات، حيث تسيطر حماس على المعبر الحدودي منذ العام 2007 الى يومنا هذا، في ظل محاولات تبذلها جهات فلسطينية ومصرية للتواصل حول اتفاق يقضي بفتح المعبر للتخفيف من معاناة المواطنين، ولكن حماس ترفض تسليم المعبر للسلطة الفلسطينية.
ووفق إحصائية صدرت مؤخراً في غزة، فإن معبر رفح البري الذي يعدُّ نافذة غزة للخروج الى العالم، لم يُفتح سوى 21 يوماً استثنائياً، خلال العام 2015، وعلى فترات متفرقة، للحالات الإنسانية، والمرضى وحاملي الإقامات والجوازات الأجنبية.
وفي تعبير عن تفاقم هذه الأزمة، دشّن نشطاءٌ غاضبون، على مواقع التواصل الاجتماعي، الفيس بوك، وتويتر، حملة كان وسمها "#سلِّموا_المعبر" يطالبون فيها حركة حماس بتسليم المعبر للسلطة الفلسطينية أو للأونروا أو لأي جهة أخرى تستطيع ادارته، لإنهاء معاناة العالقين من والى قطاع غزة، ونشروا صوراً وفيديوهات لآلاف المسافرين العالقين على بوابة المعبر في أوضاع انسانية مزرية.
"نور السويركي" الناشطة في الحملة قالت للـ"قدس": "جاءت الحملة بدون تخطيط  مُسبَق، وتزامنت مع فتح معبر رفح، ومشاهدتنا لصور معاناة المواطنين، وكذلك القصص التي سمعنا عنها من الناس وموضوع التنسيقات والدفع والرشاوى". وتابعت:"كشباب فكّرنا أننا ممكن أن نغرّد ونحشد معنا شباباً آخرين من أصدقائنا، فتكلّمنا مع بعضنا وخلال ساعات قلائل أطلقنا الدعوة، وما أن انطلقت الحملة حتى تفاجأنا بحجم مشاركة هائلة وأننا قد دخلنا "ترنداً" عالمياً (الرابع)".
وتضيف السويركي: "كان الوسم يحمل رسالة واضحة لحماس، بصفتها الجهة المسيطرة على قطاع غزة وهي نفس الجهة التي ترفض مصر التعامل معها، لأنها غير شرعية، وتغلق المعبر بهذه الحجة، مفادها أن سلِّموا المعبر لأية جهة سلطة، او جهة دولية، تقبل مصر التعامل معها، وأن يتم اخراج ملف المعبر من المناكفات السياسية".
وأردفت "الوسم الذي أطلقناه (#سلموا_المعبر) هو الاول على فلسطين في كثرة التدوينات عبر تويتر، وللأسف لا يوجد وسيلة قياس عبر فيسبوك، ولكن الأكيد انه اعصار اجتاح الجهتين، ونحن مستمرون في المحاولة لنطور الحملة إلى شيء أكثر واقعية، لكننا سعداء أننا استطعنا حث الناس على التكلم وعدم الخوف والتجرّد من حزبيّتهم والانتماء لإنسانيتهم ومعاناتهم المتعلّقة بالمعبر".
واستطردت "أمّا بالنسبة للمسؤولين فالعيار اللي ما بيصيب بيدوش، واحنا دوشناهم، والدليل التصريحات التي خرجت من أعلى الهرم السياسي في حماس، وعلى الرغم من أنها متناقضة وسلبية لكنها تؤكد انهم لم يتوقعوا يوماً ان يحاسبهم أحد على هذا الموضوع، إضافةً إلى المبادرات التي حاولت الاحزاب العمل عليها، وخروج مسؤولين من حماس للإعلام وتحدُّثهم عن الفساد الذي يحدث هناك على المعبر".
وختمت السويركي: "نحن كشباب ونشطاء وكافة المغردين والمشاركين بالحملة نقدر اننا نجحنا في توصيل صوتنا واننا خرجنا من حالة السكون السلبية جداً، وأتمنى فعلا أن تحمل لنا الايام القادمة جديداً بهذا الخصوص، ولكننا مستمرون بهذا الموضوع، لأن هذا الوسم اصبح قضية وحالة انتفاض بوجه الذل ولذلك كلما تجددت المعاناة ستتجدد المطالبة".
وما ان انتشر وسم "#سلموا_المعبر" الذي استفز حركة حماس، حتى جاء أول الردود الغاضبة من قياداتها على لسان القيادي محمود الزهار، حيث قال إن "حماس لن تسلّم المعبر للمهربين واللصوص" بحسب قوله. تلاه رد القيادي صلاح البردويل، الذي قال إن "حماس" لن تسلّم المعابر، خصوصاً معبر رفح إلى أيدٍ "خانت شعبها" على حد تعبيره، واصفاً في تصريحاته لمواقع تابعة لحماس جملة (على حماس تسليم القطاع)، بأنها "سيئة وملغومة"، وأنه من "العيب على أي سياسي وطني فلسطيني أن يتعامل معها". أما أغرب هذه الردود فكان للنائب في المجلس التسريعي عن كتلة حماس "مشير المصري" الذي رأى أن معبر رفح هو "شرف غزة"، ومن يبحث تسليمه لغير حماس كمن يبحث "اغتصاب غزة وإهدار شرفها"!.
ولكن النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي تحدّثوا لوسائل الاعلام أيضاً عن فساد ورشاوى وحصص لأصحاب النفوذ في غزة، منوّهين إلى أنَّ بعض الرشاوى بلغت قيمتها 7,000 دولار للحصول على تنسيق لدى الجانب المصري، أو العبور من بوابة الجانب الفلسطيني.
اتهامات الناشطين تلك أكدها الرئيس السابق لهيئة المعابر والحدود لدى حماس ماهر أبو صبحة، حيث وجّه نداءً عاجلاً لنائب عام حماس اسماعيل جبر بالعمل على معالجة قضية التنسيقيات التي تجري على معبر رفح البري بشكل فوري. وقال أبو صبحة في تصريح نشره عبر صفحته الشخصية على موقع (فيسبوك)، "التنسيقيات على معبر رفح البري أصبحت ظاهرة في الأيام الأخيرة، وهي جريمة يجب محاربتها بقوة". مضيفاً "سيادة النائب العام هذا أمر يجب العمل على معالجته فوراً وسن قانون يجرّم مرتكبيه فهم تجار دم يتاجرون بمعاناة الشعب".
وأكّد أبو صبحة أنه حاول محاربة هذه الظاهرة أثناء عمله كرئيس للهيئة، غير أنها كانت أكبر منه ولا يوجد قانون يجرّم مرتكبيها، على حد تعبيره. كاشفاً عن الأحرف الاولى للمكاتب التي تعمل على اصدار التنسيقيات، وقال :"لدى الهيئة ملف بالأسماء والمكاتب المفتوحة في جميع المحافظات منها (المكتب الأخطر "ح" قرب دوار الطيران بغزة، ومكتب "البـ"، و"شـ"، في خانيونس). مؤكداً أن ما ورد في التقارير الصحفية عن ظاهرة التنسيقيات على معبر رفح البري "صحيح وواقع، لكنها هذه الأيام أصبح على نطاق لا يطاق".
وقال موجّهاً حديثه للنائب العام: "إن لم تتحرك فوراً للعلاج فأنت آثم، وزارة الداخلية وانا منها ان لم نتحرك جميعاً لمحاربة هؤلاء فجميعنا آثمون". وختم أبو صبحة قائلاً: "سأعتبر هذا المنشور صرخة أولها للمسؤولين والثانية لتجار الدماء تجار التنسيقيات، كفى لعباً بمصير الناس، كفى جشعاً وطمعاً، فليُقلِع جميعكم عن هذا والا فسأذكر الأسماء هنا وستكون محاسبتكم من أبناء الشعب مباشرة".

توزيع الأراضي الحكومية
ملفٌ آخر طغى على قمة هرم أزمات قطاع غزة، هو ملف "توزيع الأراضي الحكومية"، حيث قرَّرت حركة حماس توزيع أراضٍ حكوميّة على موظّفي حكومتها السابقة في غزّة، مقابل مستحقاتهم المالية المتراكمة. وكان عضو المكتب السياسي لحركة حماس، وزير الماليّة السابق في حكومتها، زياد الظاظا قد أكّد أن "الأسابيع القادمة ستشهد توزيعاً لمستحقات الموظّفين، عن طريق توزيع الأراضي بتقسيم من 965 إلى 1200 دونم من الأراضي الحكومية من مناطق شمال وجنوب قطاع غزة وتصفير حسابات الموظّفين من ديون البلديّات والكهرباء"، بدون أن يوضح قيمة هذه المُستحقات.
ولم يستلم الموظّفون المعروفون باسم "موظّفي حكومة حماس السابقة في غزّة"،  وهم الذين عيّنتهم "حماس" بعد الانقلاب منتصف حزيران 2007، رواتبهم كاملة منذ أكثر من عامين، في حين تصرف لهم حركة "حماس" من مصادرها الخاصة كلّ فترة وأخرى مبلغ "ألف شيقل" كجزء من رواتبهم، وبنسبة لا تتعدّى 40% من الراتب، وترفض حكومة التوافق الوطني إدراجهم ضمن كشوفات الموظّفين التابعين للسلطة الفلسطينيّة في رام الله.
ولاقى قرار حركة "حماس" توزيع أراضٍ حكوميّة في قطاع غزّة على موظّفيها مُعارضة واسعة من كافة أطياف الشعب الفلسطيني، حتّى أن البعض شبّه وعد الظاظا بتوزيع الأراضي بوعد بلفور! وقد أثار القرار جدلاً حاداً حتّى داخل أوساط موظفي حماس الذين يستهدفهم القرار بشكلٍ مُباشر، من مُنطلق أنّ الأراضي الفلسطينيّة الحكوميّة هي ملك لكل الشعب الفلسطيني، الا أن "كتلة التغيير والإصلاح" التابعة لحركة "حماس" في المجلس التشريعي، اجتمعت من دون باقي الكُتل والأعضاء.  وبعد نهاية الجلسة، صرّح مدير عام التشريعي في غزة، نافذ المدهون، إن "المجلس أقرّ مشروع، وأُعطيت الصلاحيات الآن لسلطة الأراضي تديرها حركة "حماس" للبدء به وتنفيذه". وأكد أنّ "المشروع الآن ضمن صلاحية سلطة الأراضي للتنفيذ، فيما سينفّذ المجلس التشريعي دوره في إطار الرقابة عليه".
وفي تصريحات مُبطّنة لامتصاص الغضب الشعبي على هذا القرار، قال مدير سلطة الأراضي بغزّة إبراهيم رضوان، لصحيفة "الرسالة" المُقرّبة من حركة "حماس" في غزّة، إنّ ما يتم الحديث بشأنه هي "مشاريع إسكانيّة" تشمل جميع المواطنين، وليس فقط الموظّفين المحسوبين على الحكومة في القطاع. وأوضح أنّ هذه المشاريع هي عبارة عن جمعيّات إسكانيّة قائمة على أرض يشترك فيها من 20-40 مواطناً، ويقومون بالبناء عليها، معتبراً أنّ هذه الآليّة "معمول بها من الحكومة في مشاريع إسكانيّة عدة، سواء أكان في عهد تأسيس السلطة الفلسطينيّة، أو في عهد الحكومة الماضية التي أقرَّت في العام 2012 مشروعات إسكانية عدة".
وطبقاً لإحصائيات وزارة المالية في غزّة، فإن عدد الموظّفين التابعين لحكومة حماس السابقة 42,000 موظّف، بينهم نحو 5794 موظفاً محسوباً على الفئتين العليا والأولى في الشق المدني، ونحو 5,000 يستفيدون من مرابحات مصرفَي "الوطني الإسلامي" و"الإنتاج" في قطاع غزة. ويتوجّب على الحكومة الملايين من الأموال كمستحقات للموظّفين الذين لا يتقاضون رواتبهم منذ تشكيل حكومة التوافق قبل عامين ونصف.
من جهتها، استنكرت حكومة  التوافق الوطني قرار "توزيع الأراضي" وهذه التصريحات، وأكد بيان صادر عن الحكومة أن مجلس الوزراء قد اتخذ قراراً في جلسته رقم (75) بتاريخ 3/11/2015 يقضي بعدم مشروعية قرار "توزيع الأراضي".
وأضاف البيان الذي وصل للـ" قدس" نسخة عنه، أن قرار مجلس الوزراء يعدُّ كافة التصرفات التي جرت أو تجري على الأراضي الحكومية في المحافظات الجنوبية، سواء بالبيع أو المبادلة أو التفويض أو التخصيص أو الاستخدام، باطلة ومنعدمة ولا تترتّب عليها أي حقوق أو التزامات، أو آثار قانونية، وسيتم التعامل معها باعتبارها اعتداءً على أراضي وأملاك الدولة، بحيث يسري هذا القرار على كافة التصرفات بالأراضي الحكومية التي تمّت منذ صدور المرسوم الرئاسي رقم (7) لسنة 2006 بشأن منع قبول تعديل أو تغيير قيود الأراضي المملوكة للحكومة والأشخاص الاعتبارية العامة في المحافظات الجنوبية، وأكّدت الحكومة دعوة المواطنين والتجار وكافة الجهات المعنية بعدم التعاطي مع الأراضي الحكومية التي تُباع خلافاً للقانون.
وأشار البيان إلى أن هذه الإجراءات التي تقوم بها حركة حماس تؤكد أنها ما زالت تتمسك بالسلطة ولن تتنازل عن الحكم في قطاع غزة، وتتصرّف وكأنها حكومة للقطاع، وتقوم بإضعاف دور حكومة الوفاق الوطني التي منعتها أساساً من القيام بعملها وممارسة مسؤولياتها في قطاع غزة.
أمّا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فقد أعلنت موقفها من القرار عبر عضو مكتبها السياسي، كايد الغول، الذي رأى أن ما أعلنه زياد الظاظا عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" هو تعدٍ على ممتلكات الشعب الفلسطيني التي لا يجوز التصرف بها مهما كانت الأسباب. وقال في تصريحات صحفية إن "الظاظا لا صفة رسمية له الآن حتى يعلن التصرف بالأراضي الحكومية، وما تحدّث به يعني أن حركة حماس هي التي تقف وراء هذا الموضوع وهو ما لا يحق لها، أو لأي تنظيم فلسطيني التصرف به بأي حال من الأحوال"، مطالباً بالعمل على حل مشكلة رواتب الموظفين في قطاع غزة بعيداً عن توزيع أراضي الشعب الفلسطيني، التي هي ملكٌ له ويجب الحفاظ عليها واستثمارها لمصلحته الجمعية وتنفيذ المشاريع التنموية عليها.
وتساءل الغول: "ماذا لو بقي حال الانقسام على ما هو عليه لسنوات قادمة؟؟ هل سيتم توزيع ما تبقى من أراضٍ حكومية على الموظفين الذين لن يتلقوا رواتبهم حتى ذلك الحين؟!"، معتبراً أن "تنفيذ إعلان توزيع الأراضي الحكومية من قِبَل جهة لا تملك هذا الحق، ولا تحمِلُ أي صفة رسمية تخوّلها ذلك، يعني في الجوهر تعزيزاً لحالة الانقسام، وتكريساً لواقع الفصل بين الضفة وغزة، خاصة عندما يتحدّث السيد الظاظا بأن لا كلمة لرئيس حكومة الوفاق على قطاع غزة".
ومن جانبه أكد عضو المكتب السياسي لـ"حزب الشعب" وليد العوض، رفض الفصائل الفلسطينيّة والقوى الوطنية لقرار حماس بتوزيع الأراضي بهذا الشكل غير القانوني، ولفت إلى أنه لا يناقش مشروعية وحق الموظفين الذين عملوا بعد العام 2007، في حل لمشكلتهم، لكنه أكّد أن الحل لا يجوز بهذه الطريقة غير القانونية. وقال العوض: "الأراضي هي ملك للشعب الفلسطيني وليست ملكاً لحماس أو لأي فصيل فلسطيني، والأصل أن يجري البحث عن معالجة المشكلة استناداً لتفاهمات اتفاقي القاهرة والشاطئ، وما جاء بالورقة السويسرية"، منوّهاً إلى ان حل هذه المشكلة بهذه الطريقة غير القانونية والمخالفة لكافة الأعراف يفتحُ المجال أمام التنظيمات للسيطرة على مساحات من الأراضي، ما يعني أن الأجيال المقبلة لن تجد أي فرصة أمامها لاستغلال تلك الأراضي ومواردها.
وأكّد المتحدّث باسم حركة "فتح"، فايز أبو عيطة، أن" قرار توزيع الأراضي خطير جداً ويفتقِد لأي معايير وطنية أو سياسية، وهو إجراء غير شرعي".
وقال للـ"قدس": "تكمن خطورة القرار في تفرّد حركة "حماس" في اتخاذه، وعدم اعترافها بحكومة التوافق وتمكينها للعمل على حل القضايا العالقة، بما في ذلك موضوع الموظفين، وهي تُقدِم اليوم على حل غير قانوني لهذه المعضلة".
واستنكر القيادي في "هيئة العمل الوطني"، محمود الزق، هذا القرار معتبراً أنّ "هذه الخطوة تأتي لتكريس الانقسام، ولا يمكن حل مشكلة رواتب موظّفي حركة حماس بهذا الإجراء".
مشدداً في تصريحه للـ"قدس"، على أن "من اتخذ هذا القرار يدرك تماماً أنّه لا يمتلك أي شرعية دستورية أو وطنية لاتخاذ قرار كهذا"، لافتاً إلى أن هذه الأراضي ملك للشعب، ولا يمكن أن تكون في موقع مبادلتها بمتأخرات الموظّفين.
كذلك أكدت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين عدم قانونية القرار الذي قوبل أيضًا بالرفض بأغلبية أعضاء كتلة التغيير والإصلاح في المجلس التشريعي، وشدّدت في بيان صادر عنه، وصل "القدس" نسخة منه، على حق الأمان الوظيفي لجميع الموظفين سواء ما قبل أو ما بعد 2007، من خلال حكومة الوفاق الوطني وإنهاء الانقسام، وأكّدت أنه لا يحق لأي فصيل فلسطيني التصرف بأملاك الشعب الفلسطيني وأن أي خطوة من ذلك ستعزّز الانقسام وتزيد حالة الشرخ الفلسطيني وتضرب أي جهود لإتمام المصالحة الوطنية، مطالبة حركة حماس بالتراجع عن ذلك، وخاتمةً بالإشارة إلى أن قرار حماس يؤكد أنها ما زالت تسيطر على الحكم في قطاع غزة وتضع قراراتها دون الرجوع إلى حكومة التوافق الوطني.

الضرائب تزيد من وطأة تردي الأوضاع
مع استمرار الانقسام وسيطرة حركة حماس على غزة، تزداد الأوضاع الاقتصادية لأهالي القطاع صعوبة، وأصبح المواطن يعاني الأمرّين ما بين البطالة، وانعدام فرص العمل من جهة، حيثُ وصلت معدلات البطالة إلى مستوى هو الأعلى عالمياً بنسبة 64% مما يعني أن حوالي 200 الف مواطن بلا دخل، أو تحت خط الفقر، وما بين ارتفاع الاسعار والضرائب التي تفرضها حماس من جهة أخرى.
وبحسب أحد المحلّلين الاقتصاديين، فإن حركة حماس تعزو هذا الوضع المتردي لقطاع غزة، ولكنّها بالمقابل لا تسعى لوضع برامج تنموية للتخفيف عن المواطنين، بل بات همُّها تعظيم مواردها، بفرض ضرائب مضافة حتى على السلع الاستهلاكية الأساسية.
وبحسب الكاتب عبدالله جمال أبو الهنود، فقد بدأت حركة حماس ضرائبها بضريبة التكافل،  ثم ضريبة التعلية، ثم إقرار ضرائب إضافية على كل من: الفواكه المستوردة من إسرائيل بقيمة (30 دولاراً على الطن الواحد)، وعلف الدجاج (1000 شيقل على الطن)، والبيض (شيقل واحد على كل كرتونة)، والمحروقات (نصف شيقل على كل لتر) علماً أن استهلاك غزة اليومي يقدر بـ500 ألف لتر سولار و250 ألف لتر بنزين، بالإضافة  لـ(5 شيقل) على اسطوانة الغاز سعة 12 كيلو (2500 كيلو متوسط الاستهلاك اليومي لسكان القطاع من الغاز بينما يرتفع في فصل الشتاء ليصل الى 4000 كيلو) وأخيراً ولن يكون آخرًا فرض رسوم اضافية على علب السجائر.
 وتابع أبو الهنود: "بعيداً عن الأسئلة المشروعة حول اماكن الانفاق العام في قطاع غزة من قِبَل الادارة الحاكمة التي يؤكّد البعض انها تتمثل فقط في مكانين هما رواتب موظفي الادارة الحاكمة بالإضافة لخدمات الأمن، يجب التنويه للآثار الاقتصادية السلبية والمدمرة المترتبة عن استمرار فرض الضرائب ورفعها من حين لآخر، لأن هذه الضرائب والرسوم يتحمّل أثرها المستهلك الأخير، ما سيؤدي لانخفاض قدرته الشرائية حتى تلك المتعلقة بالسلع الضرورية، والخدمات الصحية والتعليمية".
ولفت الى أن: "تعدد فرض الضرائب والمبالغة في رفعها-كما يحدث الان- سيؤدي حتماً إلى ارتفاع حجم التضخم، وهذا أيضاً سيحمِّل المواطن أعباء مادية جديدة على الاستهلاك، نتيجة اختلال التوازن بين ما يحصّله الفرد شهرياً، وما يحتاجه كمصروف اجباري شهري لسد تلك الحاجيات، مما سيؤدي لتعميق الازمة الاقتصادية في قطاع غزة، والذي بدوره سيؤدي لزيادة غنى التجار والاغنياء وزيادة فقر الفقراء وسيصبح المجتمع بالضرورة طبقتين إحداهما فقيرة وهي السواد الاعظم من مجموع السكان والأخرى طبقة غنية محدودة جداً".
وختم قائلاً: "ان تعدُّد فرض الضرائب ورفع الرسوم والتعريفات الجمركية على بعض السلع او معظم السلع المستوردة- علماً أن القطاع يستورد جميع السلع من الخارج- ما هي الا أداة جديدة، تداري بها الادارة الحاكمة -فعلياً- عجزها المستمر في تحقيق أي تقدم اقتصادي حقيقي على الأرض. وللحفاظ على مداخيل دورية مضمونة لجأت هذه الإدارة إلى المواطن البسيط لتزيد من أعبائه بفرض ضرائب جديدة كلما دعت الضرورة إلى ذلك، وإذا استمر الحال على هذا المنوال فإن المواطن سيصبح في حاجة إلى العمل فقط لتسديد مجموع الضرائب والجبايات بدل أن يعيش أو يفكر في تحقيق بعض الرغبات التي أصبحت من الكماليات رغم انّها في الأصل أمور ضرورية لحياة كريمة".
وفي تفصيل للضريبة الأخيرة التي ستُفرض على "السجائر" توقّعت مصادر مطلعة على الايرادات المالية بمالية حماس، أن تصل قيمة الضرائب التي سيتم جبايتها على السجائر بغزة إلى اكثر من 20 مليون شيقل شهرياً. وأكد وكيل مساعد مالية حماس عوني الباشا، رفع وزارته للرسوم الجمركية على التبغ بقيمة تصل لـ5 شواقل على كل علبة، تشمل الضرائب السابقة والتي كانت مفروضة على علبة السجائر. وأوضح في تصريح صحفي،  أنه سيجري العمل بالرسوم الجديدة ابتداءً من شهر كانون الثاني 2016، مشيراً إلى أن قيمة الجمرك المفروض على كل علبة سجائر في الضفة الغربية هو 16 شيقلاً.
وتشير الإحصائيات الاقتصادية الصادرة عن جهاز الإحصاء الفلسطيني إلى أن 56 مليون دولار، هو إجمالي الواردات الفلسطينية الموثّقة، من السجائر خلال العام 2008، وان متوسّط الإنفاق الشهري للأسر على السجائر بلغ 33.6 ديناراً أردنياً أي ما نسبته 4.9% مجموع الإنفاق الكلي الشهري للأسر على السجائر، بواقع 42.1 ديناراً في الضفة الغربية و16.7 ديناراً في قطاع غزة.
استكمال الإعمار يعترضه نقص التمويل
صرّح مسؤول في وكالة الأونروا، أن عمليات إعادة إعمار قطاع غزة تواجه نقصاً حاداً في التمويل المالي بعد 15 شهراً من انتهاء الهجوم الإسرائيلي الأخير على القطاع.
واشتكى مدير عمليات الأونروا في قطاع غزة "بوشاك" خلال لقاء مع الصحفيين في غزة، من أن عائلة لاجئة واحدة فقط - من أصل 7,400 عائلة فقدت 9,200 وحدة سكنية خلال الهجوم الإسرائيلي- سُلِّمت منزلها بعد إعادة بنائه حتى الآن. وقال: "إن نحو 10 منازل تمّت إعادة بنائها سيتم تسليمها لأصحابها قريباً"، وأن "الأونروا تملك التمويل المالي اللازم لنحو 200 عائلة دُمِّرت منازلها كلياً فقط".
وأشار في تقرير صدر عن مكتبه، إلى أنه بعد عمليات التقييم الميدانية للأونروا وإجراء الطعون وثّق مهندسو الوكالة 141,117 مسكناً متضرّراً للاجئين الفلسطينيين جرّاء الهجوم الإسرائيلي الأخير منها ما هو مدمّر بالكامل أو مصاب بأضرار جسيمة أو طفيفة.
ونوّه إلى أن الأونروا وزّعت مساعدات مالية بقيمة 134,690,000 دولارا لأسر اللاجئين الذين تعرّضت مساكنهم للدمار والهدم خلال الهجوم الإسرائيلي الأخير، وذلك لا يشمل نفقات دعم البرامج. وبيّن أن الأونروا أنهت الدفعات المالية لأكثر من 66,000 أسرة لاجئة، وهو أكثر من نصف عدد الحالات المسجّلة، لإجراء أعمال إصلاح خفيفة لمنازلهم، كما قدّمت دفعات إلى 1,309 أُسَر من فئة المساكن المدمرة بشكل بالغ، ودفعات إلى 11 عائلة من المدمرة مساكنهم بشكل بالغ جداً، ومساعدة إلى 10 عائلات لإعادة بناء مساكنها المدمرة كلياً.
ولفتَ إلى أنه بسبب النقص في التمويل، وحتى تاريخ 9 كانون الأول المنصرم، فإن أكثر من 66,450 عائلةً لاجئة في غزة لم تستلم أي دفعات مالية لإجراء أعمال إصلاح لمنازلهم التي تراوحت أضرارها بين الخفيفة والجسيمة، فيما جُهّزت أوراق أكثر من 47,000 عائلة تعرّضت منازلها للأضرار بانتظار توفر التمويل لذلك.
وأكّد أنه بعد أكثر من 15 شهراً على انتهاء العدوان الأخير فإن أكثر من 7,200 عائلة لاجئة لم تستلم دفعات مالية للبدء بإعادة إعمار مساكنها المدمّرة بشكل كلي، وبسبب نقص التمويل الكافي فإن نحو 9,000 عائلة لم تستلم دفعات بدل الإيجار لتغطية شهر كانون الأول المنصرم.
وأشار إلى أن التمويل المالي أفضل نسبياً للمتضررين من غير اللاجئين عما هو عليه الحال بالنسبة للاجئين، علما أن ألفي مواطن غير لاجئ دُمّرت منازلهم كلياً مقابل 9,200 منزل مدمّر كلياً للاجئين.
يُذكَر أن قطاع غزة كان قد تعرّض لهجوم عسكري شنّه جيش الاحتلال الاسرائيلي في شهري تموز وآب الماضيَين ما أدى لدمار هائل في الأبنية والبنى التحتية. وتعهّد المجتمع الدولي آنذاك بتقديم مبلغ 5,4 مليار دولار للفلسطينيين يخصّص نصفه للإعمار.

ملف الانقسام التحدي الأكبر
يعدُّ ملف الانقسام التحدي الأكبر للكل الفلسطيني، ولم يعد يذكره المواطن في قطاع غزة الا لماماً، وكأنه في حالة موت سريري وجمود تام.
وحول آخر تطورات ملف المصالحة يقول عضو المكتب السياسي لحزب الشعب وليد العوض لـ"القدس":"يكثر الحديث في اروقة السياسية عن المدخل الملائم لاستئناف جهود المصالحة الفلسطينية الداخلية بعد توقُّفها  فعلياً بسبب عدم تمكن حكومة الوفاق الوطني من ممارسة مهامها في قطاع  غزة، وفي الحديث عن المدخل تتركز القضية في اشتراط عقد ما بات يُطلَق عليه مسمّى الاطار القيادي المؤقت وهو بالأصل اللجنة العليا لتفعيل وتطوير "م.ت.ف" كنقطة انطلاق لعملية المصالحة المتوقفة".
ويتابع العوض: "إن وضع هذا المطلَب كشرط أمرٌ مخالف للاتفاق الاصل الذي يتضمن خمسة ملفات، أحدها وان كان اهمها، ملف المنظمة واللجنة العليا (احد بنوده) وحسب نص الاتفاق انه «بعد البدء بتنفيذ اتفاق المصالحة تجتمع اللجنة العليا لتطوير وتفعيل المنظمة  لتقوم بدورها كإطار قيادي مؤقّت دون المساس بدور اللجنة التنفيذية. وتتولّى بحث ومتابعة الشأن السياسي العام وتتابع تنفيذ عملية المصالحة»، هذا هو النص، لذلك المطلوب الآن البدء بتنفيذ الاتفاق من النقطة التي توقف عندها وتتمثّل بعدم النجاح بتنفيذ اتفاق الشاطئ الذي وضع آليات تنفيذ اتفاق المصالحة الأشمل الموقع في القاهرة".
وكشف العوض عن مقترح قدّمه حزبه لإنهاء الانقسام قائلاً: "امام ما تمر به قضيتنا الوطنية  ومع استمرار الهبة الشعبية ولئلا يبقى ظهرها مكشوفًا ولضمان تطورها وحمايتها ولترجمة الوحدة الشعبية، ولمعالجة الأزمات المتفاقمة خاصة في غزة، فقد قدّم حزب الشعب الفلسطيني مقترَحًا للخروج من عنق الزجاجة تمثّل في الدعوة لبدء مشاورات حكومة وحدة وطنية بدون شروط على غرار حكومة العام 2007 من حيث التشكيل والبرنامج، وُتعرَض فورًا على المجلس التشريعي، وتتولى معالجة كافة الملفات العالقة بما فيها دمج الموظفين وفقاً للاتفاق وتوحيد المؤسسات والتحضير للانتخابات".
وختم العوض بأن البدء بذلك يمكن ان يشكّل مدخلاً لتنفيذ اتفاق المصالحة بمختلف ملفاته دون اشتراطات تعيق مجمل العملية،  لافتاً إلى أن الامر "يتطلّب خطوة جريئة ومسؤولة والاقدام عليها ليس ضعفًا او تفرُطًا كما يحلو للبعض، بل المسؤولية الوطنية العليا التي يجب ألا تغيب".
إذاً فقطاع غزة عبارة عن رزمة من الأزمات المتراكمة على مدار سنوات الانقسام، والمواطن اليائس الذي بات كل القائمين على أمره في نظره كذّابين ومراوغين، يصعدون على أكتافه بكافة أطيافهم، أصبح الآن يوجّه أصابع اللوم والاتهام الى "م.ت.ف"، بصفتها ممثّلة الشعب الفلسطيني كله في كل مكان بالعالم ومن ضمنه قطاع غزة، ويتساءل بشكل حائر، لم هي صامتة عن أزماته؟ هل هو خوف؟ أم أن الحالة مستعصية وليس لديها حلول؟