خاص- مجلة القدس- العدد السنوي 322 / حوار/ وليد دربـاس
بالتزامن مع انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، انطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتـح"، أجـرت مجلة "القـدس" حـواراً خاصّاً مع عضو المجلس الثوري الحركي، عضو قيادة "م.ت.ف" في الساحة اللبنانية وعضو الأمانة العامة ورئيسة فرع الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في لبنان المناضلة "آمـنة جبـريـل".

كيف تقـرؤون مشاركة المرأة الفلسطينية ودورها في مسيرة الحرية والاستقلال الوطني؟
لا شك أن دور المرأة الفلسطينية في النضال يتمايـز عـن دور سواها من نساء العالـم لارتباطـه بتاريـخ وتطـور القضية الوطنية. فمنـذ بدايات القرن الماضي كان للفلسطينيات دورٌ كبيرٌ ومميّـز في مواجهة الانتداب البريطاني والاحتلال الصهيوني لفلسطين، وكان الهم الوطني بمثابـة الهاجس الأول والأخيـر بأجندتها، وذلك بحكـم واقـع الاحتلال وتبعات اللجوء، حيثُ شاركن في معارك التصدي وقدّمن القوافل من الأسيرات، والجريحات، والشهيدات ومنهن على سبيل الذكر لا الحصر "فاطمة غزال، شادية أبو غزالـة، دلال المغربي، عصام عبد الهادي، جميلة صيدم، إحسان البرناوي، نهاية محمد، نجـلاء ياسين...الــخ"، والقافلة أكبر من أن تُعـد وتحصى. وتسبّب اللجوء وتداعياته في كافة أصقاع العالم بدفع المرأة الفلسطينية للإدراك المبكـر بأن تحرّرها الاجتماعي يتـم عبر تحرّر مجتمعها.
وفي مراحـل متقدّمة من سنوات النضال التحرري قامت الفلسطينيات بترتيب الأولويات بأجنداتهن النضالية بما يضمـن الجمع ما بين مهام العمل بالشأن الوطني العام، ومسؤولياتهن في الدفاع عـن حقوقهن وقضاياهن المطلبية وحاجاتهن الاجتماعية خاصةً أن العادات والتقاليد والموروثات الاجتماعية ما زالت تلقي بعبئها وتحجّـم دور المرأة وتسعى لإقصائها عن مراكز صُنـع القرار والمشاركة السياسيـة الفاعلـة. وبالرغـم من مواجه المرأة الفلسطينية العديد مـن المعيقات وفي مقدّمها الانقسام الفلسطيني البغيض وما سبّبـه من تداعيات وارباكات سلبية بحق وحدة الصف الفلسطيني في إطار منظمة التحرير الفلسطينية من جهة، وبقـدرات السلطة الوطنية الفلسطينية ومستوى تمكينها من إدارة الحياة العامة وسـن القوانين المناسبـة للعموم  وللنساء بشكل خاص من جهة ثانية، فقـد حقّقت الفلسطينيات مقارنـة بأوضاع النساء في العديد من البلدان العربية نجاحات مهمـة تُرجِمـت بوصولها للعديد من المناصب في الوزارات والمحافظات والمجالس البلدية والقروية علاوةً على عضوية العشرات بالمجلسَين التشريعي والوطني، ومواقع متقدمـة بأطر العمل الوطني الحزبي والفصائلي الفلسطيني.


إلى أي مستوى نجـح الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية فرع لبنان في الحفاظ على الوضع البنيوي ارتباطاً بخصوصية وتمايز العمل الفلسطيني بالساحـة؟
إن خصوصية العمل في الساحة اللبنانية فرضتهُ جُملة من الوقائـع ومنها وجود العديد من المخيمات والتجمعات الفلسطينية، وأعـداد اللاجئين الكبيرة مقارنـة بساحات أخـرى، فكانت الساحة ولا زالت بمثابـة ساحة رئيسة في النضال، والمرأة شريكة بتحمُّل تداعيات الواقع العام للوجود الفلسطيني بشتى مواقع اللجوء. وسبب خصوصية عمل الاتحاد في لبنان هو أن الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية أحـد مؤسّسات "م.ت.ف" ويمثـّل النساء الفلسطينيات، خاصةً أن أوساطاً واسعة من الفلسطينيات انضوين وعملن من خلاله دفاعاً عن الحقوق الوطنية لشعبنا، وقد قـدّم الاتحاد في لبنان تجربـة فريـدة ونموذجيـة بالكفاح النسوي. وكان الاتحاد قد تشكَّل في لبنان بعـد خروج قوات الثورة الفلسطينية من عمـّان أوائـل السبعينيات، فكان هناك عمـل جبهوي موحّـد وإدراك قـوي لدى المرأة بأنها تواجه استحقاقات وتحديات صعبـة، ممّا يتطلب توحيـد موقـف كافة الاطـر النسوية المنضوية بالاتحاد، وآنـذاك اتخـذ الفرع قـراراً بتمثيـل مندوبات الحزب الشيوعي الفلسطيني الـذي وحتى حينه لم يكـن ممثلاً باللجنة التنفيذية للمنظمة، هذا الموقـف اتسـم بالجـرأة خصوصاً أنـه جاء متناغمـاً مع طبيعة وتـوق الفلسطينيات لتوحيد الصف الفلسطيني بأطر الاتحاد.
وفي مرحلة الثمانينيّات مرّ فرع الاتحاد، ابان الانشقاق العامودي بالصف الفلسطيني وعموم الحالة الفلسطينية، بظروف صعبة ترافقت احياناً مع تعرُّض المخيمات للاشتباكات المسلّحة، وبعـدها عايش الفرع عن كثب تداعيات وتبعات الاجتياح الاسرائيلي للبنان، وحرب المخيمات، وما ترتّب عليه من سقوط المئات ما بين شهيد ومفقود ومعتقل في سجن أنصار وفي السجون الاسرائيلية في الأرض المحتلة، فكانت مرحلة صعبة ومريرة في آن واحد، حيثُ كان الانشقاق بمثابة كابوس على عموم الحالة الفلسطينية، وببعض الفترات سـعـت بعض الفئات لافتعال المشاكل لتخويفنا وترهيب الأخوات ودفعِنا لاغلاق مقرات الاتحاد، ولكن الهيئة الادارية للفرع قررت بأن يترك الاتحاد الخلافات السياسـية جانباً ويتفرّغ لإغاثـة شعبنا ومحاولة بلسمة جراحه بالرغـم من أن بعض الأُطُر النسوية الفصائلية غادرت ولم تعـد، وقد بقيت أبواب الاتحاد مفتوحـة، خاصةً أن المرأة كانت تضع نصب أعينها هـدفاً كبيراً واستراتيجيةً تقضي بتجنيـد كل الطاقات والجهود لخدمـة القضية ومن أجل تحرير الارض واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وبكل تواضـع تمكّنـا من الحفاظ على بنيـة الاتحاد. وعطفاً على المرحلة إياها فقد مارس الاتحاد مسؤولياته وفق المتاح، فنظّم بالشراكة مع الاخوات اللبنانيات العديد من الاعتصامات واقام المسيرات وطيّر البرقيات والبيانات، وطالبَ مؤسّسات الشرعية الدولية والعربية والمحلية بالتدخـل لنصرة قضايا شعبنا المحقة والعادلة، وإطلاق سراح الأسرى، ومعرفة مصير المفقودين، وخلالها أيضاً كان للنساء دور بارز في اعادة اعمار مخيم عين الحلوة المدمّـر بجرافات وصواريخ الاحتلال الاسرائيلي مما دفـع الصحافة العالمية لوصفه بـ"مملكة النساء" كون معظم الرجال من المناضلين كانوا في المعتقلات الإسرائيلية.


كيـف يواكب الاتحاد سياسـة الحداثة والتجديد بأجندته وعمل مؤسساتـه؟
الوضع أفضل من السابق وهناك تطوّر ملموس على المستويات كافة وخاصة في برامج العمل الاسـاسيـة للاتحاد، فقـد عملنا على تأهيل العديد من الشابات لذات الغرض، إنما المشكلة التي تواجهنا تكمن بالنظـرة الفصائلية الضيّقة للعمل النسوي والعمل الجماعي في الاتحاد وعدم التعاطي بمسؤولية، ونحن نحاول أن نـدرب ونمكّن ونحدّث عملنا قـدر المستطاع للعمل على صعيد البرامج التي نقوم بتنفيذهـا مع المؤسسات الشريكة ومنها على سبيل المثال: "منظمة اليونيسيف، جمعية المساعـدات الشعبية النروجية، مؤسسة التعاون، مؤسسة أنيرا، ومؤسسة أبعاد... إلـــــــخ"، وتطال أجندة الاتحاد "حماية الطفولة، الاهتمام بقطاع الشباب، تمكين النساء اقتصادياً، برامج مناهضة العنف ضد المرأة، مهارات الاستماع لضحايا العنف،..."، بالإضافة للعديد من الدورات المتتالية الخاصة ببناء قدرات مربّيات ومشرفات رياض الأطفال في مجال التربية"، والتربية المختصة.
ولكن الوضع القائم دون طموحنا، إذ لدينا ثغرات ومنها البنيوية وذات الصلة بنقص عدد الكادر من جهة، ومستوى مؤهـلات الكادر من جهة أخـرى، ونلحـظ ذلك بشكل خاص في محليّات الاتحاد في المخيمات، مايستدعي من التنظيمات برأينا ان تكون أكثر موضوعية وجدية حيال نظرتها للعمل النسوي والدفـع باتجاه تعزيـز الانخراط في العمل الجماعي في أُطـر ونشاطات الاتحاد، كما ويندرج انصراف حيز من النساء ذوات الخبرة للعمل في مؤسسات المجتمع الاهلي بحثاً عن أي مردود لتحسين الظروف المعيشية بذات السياق، هـذا بوقت لا تسمح ظروف الاتحاد بتوظيف أناس جـدد. وإلى جانب ذلك أرى في ظاهـرة تفريخ العديد من المؤسسات والجمعيات الأهلية في المخيمات عائـقاً إلى حـد مـا في التعاطي السليم مع مشاكل وحاجات الناس، ففي السابق لم تكن لدينا الامكانيات المتوفرة اليوم وكان الوضع العام أفضـل، وهذه الأيام يطال التراجـع المستويات الاجتماعية  والصحية والتربوية كافة، لذا المطلوب اليوم وقفـة جديـة لإعادة صياغـة الاستراتيجية، ووضـع خطـة عمل نوازن فيها بين الخدمات كافة على مستوى المخيمات، خاصةً أن العديد من الجمعيات إياها تقوم بممارسـة ذات النشاطات والخدمات  ما يعزز الإزدواجيّة والتكرار ويشتّت الجهـد .


هـل أنتـم راضـون عن مستوى حضور الاتحاد وفاعليته وعلاقاتـه؟
على المستوى الدولي يحتل الاتحاد مرتبةً متميّزة فهو نائب رئيسـة الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي، وعضو في الاتحاد النسائي العربي رغـم تأثـر الأخير بمناخات المشهد العربي، ويحتاج للتفعيل للقيام بـدور أكبر، وعطفاً عليه شاركت مندوبات وممثلات الاتحاد في كافة أعمال المؤتمرات الدولية بدءاً من "مؤتمر نيروبي، وكوبنهاغن، والمكسيك، فالصين وكوبا"، واعتلَت المنابر الدولية وسلّطت الضوء من خلالها على قضايا الشعب الفلسطيني وحقه في العودة وإقامـة الـدولـة الفلسطينية المستقلـة وعاصمتها القـدس.
وعلى صعيد الوطن، هناك حركة نسوية نشطـة في فلسطين وفي الاتحاد تعمل في ساحة مواجهة أساسية، تشمل الحيّز الوطني في مواجهة سلطات الاحتلال الإسرائيلي، والحيّز السياسي الحقوقي والاجتماعي، بينما تؤدي الأوضاع الاقتصادية الصعبة في لبنان الدور الأبرز في البحث عن مصادر للدخل نتيجة فقدان فرص العمل، علاوةً على تداعيات الأوضاع الأمنية وتبعاتها على حياة واستقرار الناس، ومـع ذلك تشهـد المخيمات شبه المستقرة تحرُّكاً للنساء وبأكثر من وجهة في المجالات الوطنية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والصحية.
أمّا على مستوى الفـرع  فلدينا علاقات مع عـدد من المؤسسات اللبنانية وتربطنا بها علاقات عمل وبرامج مشتركة، وعـادة ما تكون العلاقات محكومـة في العموم بواقـع الحال في لبنان وبظروف وأجنـدة المؤسسات اللبنانية، ولكن الاتحاد في لبنان يستقطب أعداداً كبيرة من النساء بحكم البرامج والمشاريع القائمة، مما يمكّنه من نسج واقامة علاقات واسعـة، فمثـلاً لدينا بالفرع حوالي "3000" طفل في رياض الاطفال ودروس التقوية والنشاطات اللاصفيّة، ويقابلها علاقات تقيمها لجان الأهـل بالرياض مع أمهات وذوي الأطفال، ومنهن الكثيرات ممـّن شاركن بنشاطات وبرامج الاتحاد ذات الصلة بالشأن العام، ومؤخّـراً بات ذوو الاطفال يقصدون مقرات الاتحاد على اختلافها للمراجعة بخصوص أبنائهم او لأخـذ مشورة وإرشاد، ممّا لم يكن مألوفاً بالسابق. كذلك الفرع لديه مركز للاستماع وآخـر للتربية المختصة والعلاج الفيزيائي ويتعاطى الأخير مع حاجات ما يزيد عن "300" طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة فقط على صعيد مخيمات منطقة صيدا إلى جانب حالات عديدة في باقي المخيمات، ومركز التأهيل المجتمعي ينظّم بين الحين والآخر الدورات التأهيلية والتوعوية والخاصة بالدعم النفس - إجتماعي أيضاً، ولجانبها تساهم مكتبات الاتحاد في المخيمات بدور هام بدروس التدعيم الدراسي والتوعية ومتابعة التلاميذ من خلال الأهل ومدارس الأونروا، ومؤخّراً استهدفت دورة المهارات الحياتية لقطاع الشباب من الجنسين ما يزيد عن "90" طالباً وطالبة من خريجي معاهد مهنية وجامعيين على مستوى مخيمات صيدا وصور، ممّا دفـع بالمؤسسات الدولية والشريكة للشهادة للاتحاد بالتزام معايير العمل والتحلي بالتفاني والعطاء بتنفيذ البرامج. ولكن ما وصلنا إليه دون طموحنا لذا نسعى لتفعيل أُطرنا ونـدفـع باتجاه تعزيز مستوى الكادرات وعموم النساء في المخيمات، ونسعى جاهـدين لتمكين العديد منهن ليجمعن ما بين مهامهن الأسرية والمنزلية، إلى جانب الاضطلاع بمسؤوليات الشأن العام لعموم الفلسطينيين، حيث يتخلّل أوساطهن وحتى حينه من يفضلن الاعتكاف لخدمـة أُسرهـن وبيـوتهن فحسـب.
هذا بالإضافة إلى متابعة اتحادنا للملف الصحي والإغاثي لأهلنا النازحين الفلسطينيين من سوريا بدعم من السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير. ونتيجةً للحرب القائمة نزح إلى لبنان 93,000 فلسطيني قسراً هرباً من الجوع والقتل لإيجاد مأوى آمن لهم ولعائلاتهم، وتجدر الإشارة إلى أن اتحادنا حاول قدر المستطاع دمج بعض إخوتنا من النازحين في البرامج القائمة وخاصة في مجال دروس التقوية، والدورات التأهيلية في مجال المرأة، وحماية الطفولة والدورات الصحية والتربوية.


هل من كلمة أخيرة بمناسبة الذكرى السنوية الـ"51" للانطلاقة؟
أتوجّه بالتحية لأرواح شـهـداء الثورة وفي مقدّمهم الشهيد الرمز الرئيس ياسـر عـرفـات "أبو عمـار" الذين ارتقوا على درب الحرية والاستقلال وبناء الدولة، وأشد على أيادي الأسرى في السجون الاسرائيلية وأقول لهم إن فجر الحرية آتٍ والاحتلال حتماً إلى زوال، راجيةً كذلك الشفاء للجرحى والمعوقين. وفي هذه المناسبة لا بد من مطالبة كافـة القوى الفلسطينية بوقفـة جادة لتوحيد الصف الداخلي، واستعادة الوحدة الوطنية في اطار منظمة التحرير الفلسطينية، الممثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، لأن كافة الانجازات الفلسطينية على الصعيد الدبلوماسي والسياسي، واعترافات البرلمانات الاوروبية، ورفع العلم الفلسطيني على مقرات الأمم المتحدة والتصويت على حق تقرير المصير، كلُّ ذلك جاء نتيجةً للجهود الجبّارة التي قام ويقوم بها سيادة الرئيس محمود عبّاس، ونتيجةً لتضحيات شعبنا من الشهداء والأسرى والجرحى، وذلك يستلزم بنهاية المطاف الحفاظ على هذه الانجازات وتعزيزها بوضع الهم الوطني العام في صدارة الاولويات وعلى حساب باقي الهموم والأجندات الخاصة.