تعد أزمة شح المياه في مخيم الجليل معضلة حقيقية تطال كل ابناء المخيم لما تمثّله المياه من حاجة حيوية بافتقداها تنعدم سبل الحياة. ورغم حفر الأونروا بئراً جوفية لتكون المصدر الأساسي لتغطية حاجات الأهالي وما رافق ذلك من أمل بانتهاء المعاناة إلا أن اتضاح تلوث هذه البئر أعاد المشكلة لنقطة البداية وعاد عبء شراء جالونات المياه ليؤرق كاهل الأهالي.

البئر غير مطابقة للمواصفات المتفَق عليها
يوضح عضو اللجنة الشعبية في البقاع اسامة عطواني أن أزمة مياه الشرب بالنسبة لمخيم الجليل في بعلبك مشكلة تعود لسنوات عدة، ويضيف "بعد سلسلة مطالبات بدأ حفر بئر جوفية في مخيم الجليل في شهر تشرين الأول من العام 2008 من قِبَل الأونروا بتمويل من الاتحاد الأوروبي وفق عقد عمل مع متعهد كان قد قام بتنفيذ مشروع البنى التحتية في مخيم الجليل سابقاً، ولكون هذا المشروع جاء غير مطابق للمواصفات المتفَق عليها، فقد اعترضت اللجان الشعبية والمجتمع المحلي على تسليمه مشروع البئر الجوفية. غير أن ما حدث هو عملية تغيير في الأسماء مع ابقاء الشركة المتعهدة نفسها، وحين طلبت اللجان الشعبية السماح لها بالإشراف على التنفيذ، خلال لقاء تم بين اللجان الشعبية وقسم الهندسة في ادارة الأونروا، رفضت الأونروا ذلك بشكل قاطع ولم تسمح لنا سوى بالمراقبة عن بعد، وعندها بدأ الشك يساورنا حول عملية تنفيذ المشروع واحتمال التلاعب فيها".
ويتابع "خلال عملية التنفيذ لاحظنا وجود مخالفات في المواصفات الموجودة في بنود العقد، فأبلغنا قسم الهندسة التابع للأونروا بكل الملاحظات من اجل الزام المتعهد ببنود العقد ولكن الأونروا لم تنصت وأكّدت أن المتعهد ملتزم ببنود العقد، مما اضطرنا كلجان شعبية لتكليف أحد المهندسين والخبراء بالآبار وهو السيد فارس مراد بالكشف على البئر. وبعد كشفه عليها أكّد جملة من المخالفات ووجود عملية هدر كبيرة وتم تسليم قسم الهندسة نسخة عن التقرير. وأبرز ما وجدناه من مخالفات:
- حفر البئر بعمق 328 متراً بقوة ثلاثة ونصف انش بدلاً من 450 متراً وما زالت الأونروا تعتمد البئر بـ450 متراً
- تثبيت القميص الخارجي بعمق 20 متراً بدلاً من 30 متراً
- تثبيت القميص الداخلي بعمق 200 متر عوضاً عن 300 متر
- عزل القميص الخارجي بـ20 كيساً من الترابة مع بحص واحجار بدلاً من 200 كيس ترابة
- استخدام قساطل مستعملة
- تبديل مكان مولّد الكهرباء الذي كان يفترض وضعه قرب خزان المياه ليصبح بجانب مكتب ادارة المخيم، ونتيجة لذلك، اضافة للنقص بالعمق، تم توفير: 223 متراً من كابل الكهرباء، و223 متراً من قساطل البلاستيك التي يوضع داخلها كابل الكهرباء".
ويردف عطواني "كذلك لم يكن هناك اشراف حقيقي من قِبَل قسم الهندسة على المشروع، وعملية العزل الخارجي لم تتم من قِبَل اختصاصيين بل قام بها عُمّال الصحة البيئية".


مياه ملوّثة لا تصلح حتى للاستخدام المنزلي!
"مع بدء عملية ضخ المياه للمنازل طلبت الأونروا من اللجان الشعبية ابلاغ الأهالي ان المياه صالحة للشرب فرفضت اللجان الشعبية الطلب لحين تسلمها نتائج الفحص المخبري خاصة أن رائحة كريهة كانت تنبعث من المياه ليتبيّن لاحقاً ان المياه ملوثة ببقايا حيوانية وهي غير صالحة للشرب او الاستخدام المنزلي"، يقول عطواني، ويضيف "ومع ذلك لا تزال الأونروا تضخ المياه لأهل المخيم، وكون المياه حاجة لا يمكن الاستغناء عنها طلبنا من الأونروا تأمين مياه للمخيم من خلال التعاقد مع مصلحة مياه البقاع ابتداءً من 14/01/2010 بحجم 150 متراً مكعباً يومياً كحل جزئي رغم أن ذلك لا يكفي حاجة المخيم اليومية، وطلبنا منهم معالجة التلوث في مياه البئر، فاستجابت الأونروا لطلب التعاقد مع مصلحة مياه البقاع أما طلب المعالجة فلدى حضور مهندس اسمه جورج التقى اللجان الشعبية وتم الاتفاق على  عدة خطوات لإنهاء مشكلة المياه هي: العزل الخارجي للبئر من خارج المخيم لاعتقاد الأونروا أن مصدر التلوث مزرعة مواشي قريبة من المخيم، وعزل محيط البئر، وتركيب محطة تكرير مياه.
ولاحقاً قام المهندس جورج بعزل وتركيب شبكة مجار صحية للمزرعة وجوارها السكني وعزل البئر عن محيطها الداخلي ليتبيّن له ان هناك شبكة مجارير منزلية غير موصولة بشبكة المخيم الصحية، ورغم هذه الإجراءات بقي التلوث كما هو عليه، فطالبنا بالخطوة الثالثة وهي تركيب محطة تكرير، غير أن  الأونروا تنصّلت من وعدها، وبقيت اللجان الشعبية تطالب الأونروا بمعالجة المياه في كل مذكراتها كنقطة ثابتة دون نتيجة حتى اللحظة. ومنذ ما يقارب الشهرين ظهرت في المياه كمية وحول ورمال عالية المنسوب ولكن الأونروا واصلت سياسة ادارة الظهر".
ويضيف عطواني: "صحيح أن تعكر المياه بالرمال والوحول قد يكون موسمياً لكن مشكلة التلوث تبقى قائمة وبالتالي فالمياه غير صالحة للشرب او الاستخدام ولا يجوز ضخها لاستخدام الطلاب في المدارس ما يدفع بالاهالي لشراء المياه يومياً على مدار السنة ويكبّدهم أعباءً هُم في غنى عنها تضاف لتكلفة شراء المازوت في الشتاء الطويل في البقاع".
وعن مضار هذه المياه الملوّثة يقول أمين سر حركة "فتح" في شعبة الجليل مزيد اسعد "إن هذه المياه الملوّثة بلا شك ناقلة لأمراض كثيرة مثل الإسهال والتيفوئيد والكوليرا وامراض جلدية، لذا فمن المستحيل ان تُستخدَم كمصدر لمياه الشرب. أمّا بالنسبة للاستخدام المنزلي كغسل الأواني وغيره فيجب معالجتها عن طريق الغلي لمدة 3 دقائق بعد الوصول لدرجة الغليان، والفلترة (لا تقضي على الجراثيم)، والمعالجة بالمواد المعقّمة ومن المهم ان يتقيّد افراد المجتمع باستخدام المياه النقية للشرب وتحضير الطعام وحماية مصادر المياه من التلوث وحفظ المياه الآمنة في أواني نظيفة غير مكشوفة وافراغ وتنظيف الأواني كل اسبوع".


الأهالي لا يحصلون على حاجتهم من المياه
يلفت امين سر اللجان الشعبية في البقاع  ابو جهاد إلى ان "كمية المياه المتّفَق عليها مع مصلحة مياه البقاع هي 150 متراً مكعباً في حين لا يصل المخيم إلا 75 متراً مكعباً يومياً اي نصف الكمية، وبدل ان يمتلئ الخزّان بساعتين لكمية الـ75 متراً مكعّباً أصبح يحتاج 10 ساعات للامتلاء بسبب تعدي الجوار على قسطل المياه، وما زالت التعديات قائمة رغم ابلاغ البلدية ومصلحة المياه للتصرف!".
وفي حين تتواجد ثلاث آبار في المخيم فإن اثنتين منها، وهما الواقعتان في المدرسة وقرب الخزّان، لا تحتويان على الماء، وبقيت بئر الملعب تغطي نصف ساعة، وهو ما حدا بأحد العاملين على هذا المشروع لتنسيق عملية السحب من خلال البئر الموجودة خارج المخيم والتابعة لمصلحة مياه بعلبك بمعدل 250 متراً في اليوم وذلك بالتفاهم مع المعنيين لأن الأونروا لم تكن قد تعاقدت مع مصلحة المياه، وكان هذا العمل قد انقذ الناس من ازمة حقيقية، هذا ويؤكّد صاحب الفكرة أن كل ذلك تم بدون علم الأونروا او اللجان الشعبية وبدأ حفر البئر الجديدة التي ما تزال ملوثةً حتى اللحظة ويؤكد ما تم كتابته من سلبيات في التنفيذ.
وفي معرض الرد من قِبَل اصحاب الاختصاص أشاروا إلى أن ما تم تناقله لا يمت للمعنى العلمي والمنطقي وأن حفر الآبار له شروط وانظمة وقواعد لا يمكن التلاعب بها وخاصة ما بين المياه السطحية والجوفية ونوّهوا إلى أن طبيعة التربة تتحكم بعملية الحفر ومسافتها لأن الزيادة بالحفر ممكن تجعل المياه غورا فلا تُنال، ورأوا أن الكمية التي وضعت في عملية العزل صحيحة وسليمة متعهّدين بإرفاق رسم بياني يوضح ذلك علمياً. اما بالنسبة لتعكر المياه فأشاروا الى انه يعود لظروف طبيعية نتيجة لتفتُّح بعض المنافذ داخل الأرض ما يؤدي لتعكير المياه في بعض من ايام السنة لا تتجاوز الـ15 يوماً متسائلين حول سبب استثمار ما يجري اعلامياً وإثارة ضجة حول قضية تعود باساسها لشروط الطبيعة الأرضية والجغرافية وتعود لسنوات مضت ورأوا أن القضية شخصية وليست قضية مجتمع كامل وتظهر هذه العملية من يقدم ويعمل بمظهر الضعيف ومن يراقب ويتابع بمظهر الأقوى، مما يؤدي للإيذاء والتشويش لأن الأونروا هي المؤسسة الوحيدة التي تقدّم للشعب الفلسطيني الخدمات التعليمية والصحية والإغاثية فعلينا جميعا ان نعمل للحفاظ على المؤسسات العاملة في الوسط الفلسطيني وان نكون اصحاب استراتيجية في تطوير المفاهيم وبناء الثقة بدلاً من التشهير والإساءة.
استخلاصات: لتجنُّب كل الأخطاء ولمعالجات ذات قيمة تأخذ متطلبات سكان المخيم يجب تصويب العلاقة مع ادارة الأونروا وان تكون تكاملية لا أن تستند إلى سياسة المناكفة والمصلحة الشخصية، ومن ركائز هذه العملية بناء جسر الثقة مع مدير المنطقة واللجان الشعبية والمؤسسات وعدم التجاوز بالاتصالات إلا من خلال تصوُّر مشترك مبني على حقائق ودلائل مُثبتة وليس من خلال أقوال ومعلومات لأن مفهوم الشراكة مبني على الربح والخسارة اي لا نكون مشتركين بالربح والإنجاز وعند الفشل نحمل الأونروا المسؤولية وحدها ونبدأ بنشر ثقافة لا تليق بشعب يمتلك قدرات خلّاقة وطاقات نستطيع ان نفيد ونستفيد منها ونحافظ على هذه المؤسسة الدولية.

تحقيق: ابو ياسر