من المستغرب في السنوات الأخيرة أن يختطف الربيع العربي حلماً فلسطينياً عاش بين أجفان ملايين الكادحين العرب منذ الاحتلال الصهيوني لفلسطين، فالتكالب المفضوح على القضية الفلسطينية بتفاصيلها وفي كافة امتدادها الجغرافي، تكشفت من خلاله مخططات أعداء الشعب الفلسطيني.
إن تداعيات الأزمة السورية التي نالت من تجمعات اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات الأربعة عشر - بتفاوت نسبي صنـَّـف المخيمات  بين مناطق متضررة، ومناطق منكوبة، ومناطق هادئة نسبياً - قد بدأت تؤثر بشكل متساوٍ على باقي المخيمات في سوريا وخاصة المخيمات المحيطة بدمشق.
مخيم خان الشيح للاجئين الفلسطينيين، الواقع في الريف الغربي لدمشق، والأقرب جغرافياً إلى فلسطين، تتداعى أوضاعه بشكلٍ متسارع إلى الأسوأ في مشهدٍ مشابه لمخيم اليرموك في أشد أيامه؛ خان الشيح الذي كان يعاني حصاراً جزئياً في الوقت الذي جاع فيه اللاجئون الفلسطينيون في اليرموك ودمرت منازلهم، والذي أفرغت مخيمات أخرى من سكانها هرباً من القصف والاشتباكات نتيجة الحرب الدائرة في سوريا، والذي كان له شرف إيواء إخوانه الفلسطينيين من المخيمات المستهدفة في الأزمة.
وقد امتد التضرر الجزئي والكامل على مساحة 40 % من مساحة مخيم خان الشيح، وقطع الطرق الرئيسة إلى دمشق، يذكر أن المخيم اشتهر بعناد سكانه وإصرارهم على إغلاق مداخل الحارات الرئيسة لمنع دخول المعارضة المسلحة أو أي طرف من أطراف الصراع السوري منذ البداية، مما اضطر مسلحي المعارضة للتمركز في المزارع المحيطة بالمخيم.
كذلك يتعرض باقي مخيم درعا لإقحامه اليومي وإدخاله في معمعة القصف والاشتباكات، ويدخل مخيم خان دنون وهو من مخيمات دمشق، ضمن حالة الترقب من اللاجئين الفلسطينيين المقيمين فيه، حيث يتعرض للقصف والاشتباكات في محيطه وهو المخيم الذي يعد مع مخيم خان الشيح  من أماكن لجوء باقي مخيمات دمشق أثناء الأزمة السورية .
وتعاني كافة المخيمات الفلسطينية من أزمة اقتصادية خانقة في ظل غلاء الأسعار وعدم توفر الاحتياجات الأساسية لهم، وفي ظل استمرار انقطاع الكهرباء وشح المياه، حيث تحولت حياة اللاجئين هناك جحيماً لايطاق .  
والخطير هو الإصرار على إقحام المخيمات الفلسطينية في سوريا في دوامة العنف التي لا تهدأ، وعدم اعتبار تأكيد الإجماع الفلسطيني هناك على الحياد، حتى بدا الإمعان في هذه السياسة، تحويل البوصلة العربية عن اعتبار القضية الفلسطينية هي القضية المركزية، خاصةً عندما تعجز التكتيكات العسكرية عن التمسك بالأهداف السياسية الاستراتيجية الوطنية والقومية المـُعـلَن عنها في سنوات الرغد العربي .
إن عدم إيجاد حل للأسباب التي تعلنها الحكومة السورية كحجج لضرورة مواجهة المجموعات المسلحة المعارضة لها، يزيد أوضاع المخيمات الفلسطينية تدهوراً نحو هاوية استهداف التواجد الفلسطيني، خاصة أن امتداد تواجد تلك المجموعات نحو المخيمات وإقحامها بشكل متعمـًّد ومدروس، لا يتم علاجه بشكل جذري من قبل الحكومة السورية أو حتى فلسطينياً، قبل ولوج المعارضة  حول وداخل المخيمات الفلسطينية .
ومع استمرار العجز في حماية المخيمات كافة والمخيمات الأخرى التي كانت محسوبة على المناطق الهادئة نسبياً، وعدم اتخاذ سبل واقعية وتكتيكية مجارية للأحداث، تزداد مأساة اللاجئين الفلسطينيين، عندما تستهدف حياتهم ودورهم وممتلكاتهم.
ويبدو مؤخراً أن الإمكانيات غير متوفرة لحماية تجمعات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، خاصة في ظل التدخل الدولي والإقليمي، والدعم المتواتر والمتناوب لطرفي الصراع السوري، والذي يأتي ضمن لعبة لا تنتهي بأوراق لا ندري متى يعلن فيها توقف التوقيت الزمني لها، ولا ندري حجم الخسائر المتراكمة حينها وإن كنا نحدس بها حسب المعطيات السياسية الحالية.
إن ما تتعرض له مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان من عبث أمني وعسكري، كل حسب ظرفه وتوقيت زمانه، يجعلها على حافة هاوية أكيدة، ما لم يتم تدارك الوضع بشكل مسؤول وحكيم.
وهناك من يعتبر أن الحلول المطروحة من قبل الرسميات العربية في مواجهة الإرهاب وأشكال التطرف الديني المـُسيـًّـس في الإقليم أحلاه هو أمرُّ من الآخر ، لأن كلا الطريقتين ستؤدي إلى تفريغ المخيمات من سكانها، فإن تمت المواجهة العسكرية للمطلوبين في مخيمات لبنان أو للمعارضة المسلحة في مخيمات سوريا، والتي تخطف المخيمات  وتتخذها رهينة مآلها الموت كما تخطط له تلك القوى الظلامية ، وإن تم تفريغ المخيمات لمواجهة أولئك المختطفين، سيؤدي ذلك إلى تدميرها وسيبقى العداد الزمني يقلِّب الأيام منتظراً إعماراً لا يأتي كسابقيه كما حصل في مخيم نهر البارد وغزة والآن في عدد من مخيمات سوريا .
ونظراً لانخفاض معدلات القومية في الوطن العربي بعد هبوب رياح ربيع لم يثمر، فإن ما يحصل لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في دول الطوق ، لهو تصفية علنية لحق العودة لفلسطين التاريخية، بسبب تمدد العناصر المتأسلمة المتطرفة المدسوسة بغية نسف الأمن الأهلي والتواجد الفلسطيني في مخيمات دول الطوق، وخاصة في سوريا ولبنان والضفة وقطاع غزة؛ وهذا لايبرر عدم اتخاذ تدابير سريعة وعلى مستوى عالٍ لإنقاذ المخيمات الفلسطينية.
ويرى محللون سياسيون أن ما كان ينادي به اللاجئون الفلسطينيون بحل قضيتهم سلةً واحدة، بدا حاليا ً أن الإرادة الدولية والإقليمية ونخشى أن تكون العربية، هي تفخيخ سلتهم بقنابل موقوته، تريد بها شرذمة الوجود الفلسطيني، من خلال تفجير المخيمات في سوريا ولبنان، وفرض وقائع تهبط عنوةً بمستوى المطالب الفلسطينية، ومن غير المعروف هل ستكون على طاولة المفاوضات، أم برسالةٍ خطية ممهورة بأمر التنفيذ، خاصةً في ظل ترك القيادة الفلسطينية دون خارطة طريق عربية تشكل البعد العربي والإسلامي كسابق عهده وإن كان هشاً، وضمن ما يعيده التاريخ من زمن دول الطوائف والممالك، وإن وجدت تلك الخارطة ولو بأدنى مستوياتها والطموحات الفلسطينية، فقد تكالبت الأمم على تجفيف المياه التي من المفترض بها حمل السفينة إلى بر الأمن والسلام المنشود.
وعلى قيادة منظمة التحرير الفلسطينية  توسيع دائرة التحرك الدولي ، في هذه الظروف العصيبة الراهنة ضمن خطة تدويل قضية اللاجئين الفلسطينيين، وهي أحد الثوابت التي أكد عليها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
أيضاً هي اللحظة المؤاتية للشعب الفلسطيني للتوحد وإنهاء الانقسام، في مواجهة مؤامرات إنهاء وجوده الشرعي، وتكثيف التحركات الشعبية والمؤسساتية الفلسطينية في كافة أماكن تواجدها لحماية هذه الكينونة.
وعلى أعداء الشعب الفلسطيني أن يراجعوا التاريخ، وأن يتوقفوا عند مفاصل القضية الفلسطينية التي أثبت فيها الشعب الفلسطيني أنه صاحب قضيةٍ عادلة لا يمكن لها الهزيمة ولا الانكسار، فكم من مجازر ارتكبت بحقهم وكم من مخيمات دمرت فوق رؤوسهم وعادوا ليبنوا أساساتها التي لن تهدم إلا بالعودة إلى فلسطين.