في أعقاب تشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة بعد الانتخابات الاخيرة، قررت وزيرة ثقافة الاحتلال، ميري ريغيف نقل مقر وزارتها للقدس الشرقية، عاصمة الدولة الفلسطينية الابدية، وأصرت على إستلام مهامها في مكتب الوزارة بالقدس. وخطوة ريغيف ليست جديدة او مفاجئة للقيادة السياسية الفلسطينية ولا للقيادات السياسية العالمية. لأن هناك قرارات سابقة للحكومات الاسرائيلية المتعاقبة بهذا الخصوص. وكان آخرها للحكومة السابقة في العام الماضي 2014، عندما قررت تمديد نقل مقرات وزاراتها لثلاثة أعوام إضافية، لا سيما ان هناك قرارا إسرائيليا في عام 2007 بنقلها (وزاراتها) خلال سبع سنوات. غير ان الحكومة الاسرائيلية، لم تتمكن من تنفيذ مخططها لاكثر من عامل: اولا لم يتم طرح خطة عملية للتنفيذ؛ ثانيا موجة الانتقادات والضغوط الدولية، التي وجهت للحكومة آنذاك.
المراقب لتوجهات حكومات إسرائيل المتعاقبة، يلحظ انها لم تتراجع عن خطتها القاضية بنقل وزاراتها إلى مدينة القدس الشرقية، ووضعت عنوان لمشروعها الاستعماري "القدس 2020". وهو ما يعني تكريس ضمها وتهويدها قبل العام 2020. وبالتالي تراجعها او توقفها المؤقت عن التنفيذ، ليس قبولا بقرارات الشرعية الدولية، ولا التزاما بخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، بل هو، شكل من اشكال المناورة والترويض للوعي السياسي المحلي والاقليمي والدولي، وايضا من خلال ربطه بمواصلة عمليات التهويد والمصادرة للارض العربية الفلسطينية، وفرض الوقائع الجديدة في القدس، وفصلها كليا عن محيطها الفلسطيني، وقطع صلتها الجغرافية مع مدن الضفة الفلسطينية، والتغيير في تركيبتها الديمغرافية من خلال سلسلة اجراءاتها وانتهاكاتها الاستعمارية، منها: سحب الهويات، مصادرة العقارات، ومواصلة عمليات الهدم لبيوت المقدسيين بحجة عدم الترخيص، وعبر التزوير المتواصل للاستيلاء على بيوت وشقق واملاك المواطنين، وتدوير زوايا قانون "املاك الغائبين" بما يتوافق ونهجها الاستعماري، وفرض الضرائب، وحرمان العائلات الفلسطينية من لَم الشمل ...إلخ.
مع ان القيادات الاسرائيلية من الفها إلى يائها، تعلم ان ما ترتكبه من انتهاكات خطيرة في عموم الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 خاصة القدس الشرقية يتناقض مع قرارات الشرعية الدولية، ومنها: قرارات مجلس الامن 250 و251و252و253 الصادرة في العام 1968، وايضا قرارات الجمعية العامة للامم المتحدة ومنها 2253 و2254 للعام 1967، التي جميعها تمنع دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية من نقل مقرات وزاراتها للمدينة المحتلة، لأنها تتنافى وتتناقض مع اتفاقيات جنيف الاربع لعام 1949، التي جميعها تحظر على دول الاحتلال التغيير في طابع ووضع المدن والسكان على حد سواء. ورغم ذلك، لم تتوقف عن انتهاك القانون والمواثيق والشرائع الدولية، ضاربة عرض الحائط بها، ومعتبرة نفسها، دولة فوق القانون.
العدوانية الاستعمارية الاسرائيلية، لم تأتِ من فراغ، بل جاءت نتاج تراخ وتواطؤ الدول والاقطاب الدولية معها خاصة الولايات المتحدة الاميركية، التي تساوقت مع السياسات الاسرائيلية، ووقفت بالمرصاد للجهود الدولية في المنابر المختلفة للحؤول دون اتخاذ اي قرار يدين الجرائم الاستيطانية الاسرائيلية، مع اميركا، وهي الراعي الاساسي لعملية السلام، وهو ما يتناقض مع مكانتها ودورها ومسؤولياتها السياسية والاخلاقية تجاه السلام والمصالح والحقوق الوطنية الفلسطينية والقومية العربية.
مع ذلك اللحظة السياسية، تملي على اميركا اولا ودول الاتحاد الاوروبي وباقي اقطاب "الرباعية الدولية" وكل الدول المحبة للسلام باتخاذ الاجراءات الضرورية للضغط على حكومة نتنياهو الرابعة، لمنعها من تطبيق مشروعها الخطير في القدس الشرقية، لأن تداعياته لا تقتصر عند حدود عملية السلام، بل تتجاوز ذلك الى تهديد السلم الاقليمي والعالمي على حد سواء. وعلى الاشقاء العرب الخروج من دائرة المراوحة والتلكؤ في مواجهة السياسات الاستعمارية الاسرائيلية، ووقف كل اشكال التطبيع معها حتى تستجيب لخيار التسوية السياسية وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967.