صنع المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، الجدار العازل وأوجده ليس فقط لأسباب ودوافع أمنية للحيلولة دون تنفيذ عمليات ضد الإسرائيليين، بل كانت دوافعهم في وضع الجدار هو زرع الخوف وبقاء الانغلاق على أرض فلسطين لسببين، ليس واحداً منهما أقل شأناً من الآخر، أو أن أحدهما أهم من الآخر .
والسبب الأول يهدف إلى حشر الشعب العربي الفلسطيني، وسجنه بين جدارين : الجدار الغربي القائم، والجدار الشرقي المنوي إقامته، بهدف منع الفلسطينيين من التطور والنمو وتنمية مواردهم، وجعل أرضهم الوطنية، المعزولة عن القدس، وعن غور نهر الأردن، جعلها غير قابلة للحياة، وطاردة لهم، رغم أنهم لا يعرفون وطناً لهم سواها، فيضطر الفلسطيني  لتركها ودفعه نحو الهجرة منها إلى أماكن أخرى، قد يجد فيها ضالته في حياة أفضل، إنه الاختيار القسري في الرحيل، هرباً من الجوع والذل والسجن،  وربما هرباً من الموت، أي العمل على استنزاف الوجود البشري الفلسطيني عن أرض فلسطين.
أما السبب الثاني فهو سجن الإسرائيليين أنفسهم وجعلهم أنقياء الفكرة والحس والرغبة والحلم، عن تأثير الآخر، والآخر هو الفلسطيني الكريه المأزوم الذي قد يفجر نفسه، أو قد يتمسك بالصبر والوعي، ويعمل على اختراق المجتمع الإسرائيلي والتعاون مع قوى أو شخصيات يسارية أو ليبرالية أو ذات حس إنساني، أو أناس تركت المذبحة التي سبق وأن  تعرضوا لها، أو بعضاً من عائلاتهم، على أيدي الأوروبيين في ألمانيا وإيطاليا وبولندا وغيرها، تركت عندهم بعضاً من الوعي والحس الإنساني ألا يرتكبوا فظائع جوهرية ضد الفلسطينيين مثل تلك التي تعرض لها اليهود خلال سنوات الحرب العالمية الثانية وقبلها، على أيدي العنصريين في أوروبا، فتركت لديهم وعياً ألا يتعرضوا للشعب الفلسطيني، بمثل ما تعرضوا له وعائلاتهم على أيدي النازيين والفاشيين في أوروبا، ومنظمة “ نحطم الصمت “ أنموذج لذلك، وقد أسسها جنود مقاتلون في قوات الناحال خلال الانتفاضة الثانية العام 2004، وشاهدوا معاناة الفلسطينيين على أيدي رفاقهم الجنود فتحرك ضميرهم وتعاطفهم مع مأساة الفلسطينيين، ولذلك صنعت حكومة المستوطنين هذا الجدار لعزل الإسرائيلي عن معاناة الفلسطيني وعذاباته . 
أقامت تل أبيب الجدار لعزل الفلسطينيين عن الإسرائيليين، وعزل الإسرائيليين عن الفلسطينيين، سيان، ولكن النتيجة هي واحدة، وهي فصل الشعبين عن بعضهما البعض، وإخافتهما من بعضهما البعض، وتدمير كل فرص التعايش والتعاون بينهما، وقتل كل فرص الحياة المشتركة، وإبقاء القتل وإذكاء الكراهية، ومواصلة طريق الدم والسجن، وحرمان الحق في الاختيار وتقرير المصير، لصالح الاحتلال والاستعمار والاستيطان والتوسع . 
جدار الفصل، يسعى لحماية الإسرائيليين من فرص الوعي، ومنعهم من الاقتراب الإنساني نحو الفلسطينيين أو الاحتكاك بهم، لأنهم أعداء، وحقيقة الأمر أن الفلسطينيين، هم المرآة الحقيقية التي يرى فيها الإسرائيلي بشاعة دولته وعنصريتها، إنهم عورته التي تعريه، وتفضح جرائمه التي لا تقل بشاعة عن تلك الجرائم التي تعرض لها اليهود على أيدي الأوروبيين، ودفعتهم نحو الهروب إلى فلسطين، بعيداً عن المذابح وغرف الغاز وأفران الموت، ولكنهم جاءوا إلى فلسطين ليعملوا العمل نفسه أو شبيهاً له، لينتقموا، ولكن ليس من النازي أو من الفاشي بل من الفلسطيني الذي لا ذنب له، في معاناة اليهود وأوجاعهم  وقسوة حياتهم  في أوروبا .
الصهيونية، وأدواتها، ومشروعها الاستعماري، تتحكم بمجالها الحيوي، وأداة تنفيذ جريمتها بحق الفلسطيني، عبر إبقاء اليهودي الإسرائيلي، أسيراً لفكرتها وأيديولوجيتها، وترفض كل فرص تحرره من الانتقام والكره، ومن الهولوكوست، فهي تريد وتسعى وتعمل على بقاء ذكرى المذبحة حية في نفس اليهودي، وتمارسها بشكل معكوس نحو الفلسطيني، من أجل أن يبقى لليهودي الإسرائيلي عدواً، وإذا لم يكن، ولم يتوافر، فهي تصنعه، لأنها من دونه لا تملك مبرر وجودها، ويفقد مشروعها الاستعماري على أرض فلسطين، أسباب نجاحه وإقامته واستمراريته .
ما تفعله حركة فتح عبر دائرة الاتصالات والعلاقات التي يقودها المناضل محمد المدني  مع الرأي العام الإسرائيلي هو تدمير للجدار،  واختراق للعزلة التي تفرضها الصهيونية وأدواتها وأجهزتها على اليهود الإسرائيليين، وهو فعل يتوسل تغيير الوعي اليهودي الإسرائيلي، بإمكانية التعايش مع الشعب العربي الفلسطيني عبر خيارين 1- الدولة الديمقراطية الواحدة، ثنائية القومية، متعددة الديانات لليهود وللمسيحيين وللمسلمين، واقتسام السلطة والحياة الواحدة المشتركة وفقاً لإفرازات صناديق الاقتراع، أو 2- باقتسام الأرض بقيام دولتين للشعبين وفق قرار التقسيم 181، غير ذلك هو استمرار الجدار والعزلة وإلغاء الآخر، وهو خيار فشل خلال عشرات السنين، فلا اليهودي الإسرائيلي نجح في طرد كامل الشعب العربي الفلسطيني عن وطنه، وإقامة دولة نقية عنصرية على أنقاضه، ولا الفلسطيني نجح في طرد الإسرائيليين والتخلص منهم، ولذلك يبقى صوت العقل والمنطق والحلول الواقعية هي الخيار المتبقي، وسيبقى إلى الأبد .