اثناء مشاركتنا في منتدى الحكم المحلي العربي الذي عقد في العاصمة اليمنية «صنعاء» عام 2004، وبعد انتهاء الجلسة الافتتاحية للمؤتمر بمشاركة رئيس الوزراء اليمني، اعتلى المنصة احد القائمين على تنظيم المنتدى طالبا من الوفود المشاركة من خارج اليمن البقاء في مقاعدهم للاستماع الى احد القيادات الامنية، بدأ القيادي الامني حديثه بمقدمة اكد من خلالها على استقرار الوضع الامني في البلاد، وان العاصمة تنعم بالامن والامان ولا يوجد فيها ما يبعث على الخوف والقلق، الواضح ان المقدمة القت على المشاركين عكس ما كانت ترمي اليه، المشاركون في غالبيتهم من الدول العربية بجانب القليل من الدول الغربية وبعض المنظمات الدولية ذات العلاقة بالحكم المحلي.
لم تلبث مقدمة القيادي الامني ان تبخرت فور سرده لبعض التعليمات التي يجب على المشاركين الاخذ بها، حيث طالبهم بان تكون حركتهم في احياء وشوارع العاصمة بشكل جماعي، وان يتجنبوا التحرك الفردي وبخاصة في الفترة المسائية، لم يكن اليمن يومها يعاني من اضطرابات داخلية، لكن الامر الصادم للمشاركين كان في لغة الارقام التي استخدمها القيادي الامني، حين قال ان ستين مليون قطعة سلاح هي بايدي الشعب اليمني، بمعنى ان المواطن اليمني «صغيرا كان ام كبيرا» يملك ثلاث قطع من السلاح، والسلاح هنا لا يعني الخفيف منها بل يتضمن الثقيل والثقيل جدا.
في اليوم التالي كتبت الصحافة اليمنية عن اغلاق الطريق الدولي الذي يربط العاصمة اليمنية بمدينة عدن، والاغلاق الذي نفذته احدى القبائل المقيمة على جانب الطريق الدولي جاء على خلفية وقوع حادث سير من قبل حافلة لشركة نقل تعمل بين المدينتين تسبب في مقتل احد افراد القبيلة، وهو ما دفع القبيلة لاغلاق الطريق الدولي لاجبار شركة النقل على دفع الدية لذوي الضحية.
الدولة وحتى المجتمع يقنن امتلاك السلاح ليبقيه حكرا على المؤسسة الامنية، ويكون استخدامه مقتصرا على الدفاع عن افرد المجتمع وتوفير الامن والامان لهم من خلال حماية القانون وانفاذه، الامر المستغرب كيف استطاعت اليمن ان تتجنب الحرب الاهلية على مدار سنوات وسط ترسانة السلاح التي يمتلكها افراد المجتمع؟، الواضح ان اليمن في غابة السلاح لم تكن بمنأى عن الحرب الاهلية يوما ما، وان استطاعت على مدار السنوات الماضية ان تخمد فتيل الاقتتال الداخلي، فمن الصعوبة بمكان ان تواصل ذلك في ظل ترسانة من السلاح تمتلكها القبائل والافراد.