تحقيق: ولاء رشيد- خاص مجلة القدس

مع هجرة أهلنا القسرية من فلسطين في العام 1948 حطت الرحال بهم في عدة وجهات في لبنان كان بينها منطقة المية ومية التي انشِئ لاحقًا فيها مخيم المية ومية. وفي حين يتّسم المية ومية ببعض المناحي الايجابية مقارنة بغيره من المخيمات، فإن أهالي المخيم يواجهون عددًا من المشكلات على مناحٍ حياتية مختلفة.

 

لمحة عامة

وفقًا لما أوردته الأونروا على موقعها الالكتروني الرسمي فإن مخيم المية ومية "تأسّس في العام 1954، وهو يبعد 4 كيلومترات إلى الشرق من صيدا، وتبلغ مساحته حوالي 0,5 كلم2. وتُقدّر الاونروا عدد سكان المخيم بـ5000 نسمة حسب آخر إحصائياتها، ومعظمهم من قرى ومدن صفورية والطيرة وحيفا وميرون في فلسطين".

يُذكَر أن المخيم عانى من دمار كبير خلال سنوات النزاع الأهلي، وتحديدا في تموز من العام 1991 عندما تم تدمير 15% من مساكنه إلى جانب مدرسة وكالة الاونروا ومركز التوزيع التابع لها وفق الموقع الالكتروني الرسمي للأونروا.

 

الواقع الاقتصادي والاجتماعي

يلفت عضو قيادة منطقة صيدا قائد مخيم المية ومية العقيد فتحي زيدان إلى أن النسيج الاجتماعي في المخيم شديد المتانة حيثُ يشارك الاهالي بعضهم البعض الأفراح والأتراح، ويحيون سويًا المناسبات الدينية والوطنية بل إن دائرة المودة تمتد لتشمل مناطق وأهالي الجوار اللبناني بحكم ما يربط الطرفين من علاقات المصاهرة والجيرة.

ولكن زيدان ينوّه إلى أن سكان مخيم المية ومية كغيرهم من الفلسطينيين في باقي المخيمات في لبنان يعانون ظروفًا اجتماعية واقتصادية صعبة نظرًا لأن الفلسطيني محروم من مزاولة العديد من المهن، وبالتالي فهو محروم من الأمان الاجتماعي الذي يرتبط بقدرة الأسرة على تأمين قوتها.

وبحسب إحصاءات الأونروا يعمل معظم الرجال كعمال عرضيين في مواقع الإنشاءات وفي البساتين، مما يعني ان دخلهم غير منتظم او مستقر. ولعل ما زاد من رداءة الاحوال الاقتصادية قدوم المهجّرين الفلسطينيين من سوريا، وفي هذا الصدد يوضح زيدان أن "المؤسسات تعاطت مع قضيتهم بفعالية لدى قدومهم لكنها ما لبثت ان قلّصت تقديماتها باعتبار ان الموجودين استقروا  ومن لم يكن لديه فرش أو تجهيزات بات لديه، وبدورها بذلت "م.ت.ف" واللجنة الشعبية مجهودها ضمن امكانياتها المحددة لتوفير المساعدة لهم"، مشيرًا إلى أن عدد العائلات المستقرة حاليًا في المية ومية يُقدَّر بقرابة 100 عائلة.

 

الواقع الصحي

يرى أمين سر حركة "فتح" و"اللجنة الشعبية" في مخيم المية ومية غالب الدنان أن "الهم الصحي يُعدُّ واحدًا بالنسبة لسكان المخيمات، حيث ان رداءة الاحوال الاقتصادية مصحوبة بعدم تغطية الاونروا لجميع أنواع الحالات الصحية أو تغطيها الجزئية لبعضها تمثّل همّا مؤرقًا. ولكن خصوصية الواقع الصحي في المخيم تكمن في اعتماده على عيادة واحدة فقط تابعة لوكالة الأونروا وهي رغم أنها تضم طاقمًا طبيًا جيدًا نسبيًا، غير أنها لا تفتح ابوابها يوميًا امام المرضى، وهو ما يمثل مشكلة لدى وجود حالات تحتاج معاينة سريعة او فورية"، ويوضح الدنان "بعد جهود ومطالبة حثيثة بذلناها كلجان شعبية بالتواصل مع الاونروا تمكّنا من اقناعهم بفتح العيادة بمعدل 3 ايام ونصف في الاسبوع عوضًا عن يومين ونصف، علمًا اننا كنا قد طالبنا ان يتم التعاطي معنا اسوة بباقي المخيمات، بمعنى أن تُفتَح العيادة على مدار الاسبوع، ولكن الاونروا لها انظمة خاصة بها وتتعاطى في هذه الامور بالأرقام باحتساب عدد ايام العمل نسبة لعدد السكان،  وهذا الأمر يؤدي لاكتظاظ دائم في عدد المرضى والمراجعين في العيادة الامر الذي لا يسمح للطبيب ان يعطي الوقت والاهتمام الكافي لكل مريض على حدة. علاوة على الحاجة للتحويل لعيادة صيدا او عين الحلوة بسبب عدم وجود فحوصات معينة او مختبر وهو ما يكبّد المرضى نفقات لا طاقة لهم عليها وان كانت بسيطة".

بدوره يقول زيدان: "إلى جانب ذلك يفتقر المخيم لأي مرفق طبي للعناية بالحالات الحرجة والطارئة وهو ما يمثل مشكلة مستعصية، علما ان هناك مستوصفًا تابعًا لحركة "فتح" في المخيم كان متوقفًا من العمل، لكن عضو المجلس الثوري مسؤولة اتحاد المرأة الفلسطينية فرع لبنان الاخت آمنة جبريل، مشكورة على جهودها، أدّت دورًا عبر المؤسسات فتمّ العمل على اعادة ترميمه وتأهيله وصيانته وتأهيل تمديداته الكهربائية، وان شاء الله خلال فترة قريبة يتم افتتاحه بعد استكمال ما ينقصه من تجهيزات طبية".

 

الواقع التعليمي

يشير الدنان إلى أن مخيم المية ومية يضم مدرسة واحدة تابعة للأونروا هي مدرسة عسقلان، ويردف "كغيرها من مدارس الأونروا تكتظ صفوفها بالطلاب، ويزيد من ذلك كونها الوحيدة في المخيم حيث يصل عدد الطلاب لـ39 في بعض الصفوف. وفي الوقت ذاته تفتقد المدرسة للكثير من المسائل الحيوية وخاصة لملعب يتسّع لتنفيذ الأنشطة ويكون متنفّسًا للطلاب".

 

واقع البنى التحتية والكهرباء

حول واقع البنية التحتية لمخيم المية ومية يقول زيدان: "بالنسبة لمشكلات البنى التحتية فحدث ولا حرج، حيثُ أن المخيم طالما عانى من مشكلات على صعيد تمديدات الصرف الصحي والأشغال العامة وشبكة الكهرباء والطرقات، ولكننا على تواصل دائم مع الاونروا لحل كافة المشكلات، وقد شهد المخيم مؤخّرًا مشروعًا بعد انتظار دام أكثر من 10 سنوات شمل بعض التحسينات والتعديلات وخصوصًا على صعيد تحسين وتعبيد الطريق المؤدي للمخيم، ولكننا لا نزال نحتاج لإعادة تأهيل وتنظيم البنى التحتية لأننا نعاني مشاكل سواء لجهة الطرقات او الصرف الصحي او حتى المصارف، وقد حصلنا على موافقة الاونروا مؤخرًا على طلبنا بإعادة تأهيل الطريق إضافةً إلى تحسين تمديدات الصرف الصحي، ولكن الأمر قد يأخذ بعض الوقت ليدخل حيز التنفيذ وذلك بسبب روتين الاجراءات لدى الأونروا من معاملات ومناقصات وما الى هنالك".

ويتابع "بعد ان كنا نعاني نقص المياه جراء عدم قدرة المحوّل الكهربائي (الترانس) القديم على تحمل ضغط تزويد المنازل بالتغذية الكهربائية وضخ المياه من الابار اليها، تمّ تنفيذ مشروع تقدمة من الأونروا بقيمة 25 ألف دولار لتغيير المحوّل والتمديدات الكهربائية نتيجة التحركات والضغط الذي مُوِرس من قِبَل اللجان الشعبية على الاونروا، حيثُ جرى تركيب محوّل اكثر قدرة على تحمّل الضغط الكبير على الشبكة، وقد طرأ تحسُّن ملحوظ على شبكة الكهرباء بعد تنفيذ المشروع وهذا ادى لارتياح كبير في وسط الأهالي، خاصة في الحي الجنوبي".

 

حالة المساكن

يوجد في المخيم عدد من المنازل غير الصالحة للسكن أو الآيلة للسقوط ومعظم هذه المنازل بُنيت من باطون وأسقف من "الزينكو"، وتعاني تصدُّعات في اسقفها وجدرانها ما يؤدي لتسرب المياه إلى داخل المنازل شتاءً فضلاً عن الرطوبة وضعف التهوية صيفًا.

ويلفت الدنان إلى أن عملية ترميم المنازل منوطة بالاونروا التي تقوم بها عبر تمويل من المانحين، مشيرًا إلى أن العدد الذي تستهدفه الاونروا غير كافٍ اذ لا يصل إلى ربع عدد البيوت التي تحتاج الى ترميم، ويتابع "الأونروا تصنّف تقديماتها حسب معايير وأولويات، وهذا ما نحاول شرحه للناس بصورة دائمة، وهذه قضية مؤرقة لأن هناك العديد من المنازل التي تحتاج حاجة ماسة لإعادة الترميم، ولكن الأونروا لا تُعنى بها اما بذريعة نقص التمويل او عدم انطباق شروط معينة عليها،  لذا نقدّم دائمًا مراجعات للاونروا لإعادة النظر بالعديد من الحالات".

فناصر كعوش احد سكان المية ومية هو من فلسطينيي لبنان، ولكنه كان قد انتقل للعيش في سوريا منذُ وقت طويل مع عائلته، وبعد الاحداث هناك عاد وعائلته لمنزلهم في المية ومية قسرًا غير ان حاله لا يُحسَد عليها. فمنزل ناصر الذي بات يأوي 4 عائلات نالت منه التصدعات والتشققات في الوقت الذي لا يقي فيه السقف مياه الامطار التي تدخل المنزل كلما هبّت عاصفة. وبحكم رداءة وضع العائلة المعيشي - حيث ان ناصر هو المعيل الوحيد لها وهو يعمل عملاً متقطعًا في ايصال الطلاب للمدارس- تعجز العائلة عن ترميم المنزل على نفقتها خاصة ان عمة ناصر فاطمة كعوش التي تعيش في البيت عينه لديها ابنان يعانيان عيبًا خلقيًا في القلب (ارتخاء عضلة القلب) ويحتاجان لإجراء عملية الى جانب عدد من الادوية الدورية التي لا تغطيها اي جهة لكونهما من فلسطينيي سوريا علاوة على مصاريف المدرسة التي التحق بها ابنها الاكبر محمد، والتي يترتب عليها مليون ل.ل بعد خصم ما يدفعه فاعلو الخير.

وعن حاله يقول ناصر: "الاونروا لا تقدم لنا شيًئا ونحن نعيش في هذا المنزل من 3 سنوات. المشكلة ان التشققات والتصدعات اصبحت واضحة في جدران المنزل لذا قدمنا اكثر من مرة طلباً لترميم المنزل للاونروا ولكنهم لم يوافقوا. والآن ننتظر ردهم بعد ان قدّمنا طلبًا اخر".

 

المرافق العامة

المرافق العامة كانت الشأن الأبرز في حديث الدنان الذي نوّه لأهمية هذا الجانب، حيثُ أوضح "نفتقر للمؤسسات الاجتماعية والإنسانية المستقلة. فالمخيم لا يضم سوى مؤسسة اتحاد المرأة والأهالي يعدونها فصائلية وإلى جانب ذلك تندر البرامج والمشاريع الفاعلة. وعبر لقاءاتنا مع الجمعيات الانسانية كنا نحثها على فتح مؤسسات ومراكز لها تعنى بالحالات الاجتماعية والانسانية في المية ومية اسوة بباقي المخيمات، كالمؤسسات الشبابية أو الأندية المخصصة للشباب والتي تنعدم باستثناء ما يتبع للفصائل منها".

وأردف متطرّقًا لما تواجهه اللجنة الشعبية من صعوبات "اللجنة الشعبية هي مؤسسة خدماتية للمخيم وأي مسألة قانونية للأهالي نحن نتولاها كعقود البيع والايجار وافادات السكن. بالطبع مشكلات اهالي المخيم هي مشاكل عامة في المخيمات والأونروا ومنظمة التحرير الفلسطينية تقدّمان بعض الخدمات ولكن ينقصنا مؤسسات تعنى بالمرأة والتلاميذ المتسربين من المدارس، ومشاغل خياطة ومعاهد خاصةً أن عدداً قليلاً من الناس يوافقون على ارسال ابنائهم وبناتهم بالأخص لتعلم مهنة خارج المخيم، وهناك حاجة لمؤسسات تقدم برامج متنوّعة وفاعلة".

هذا ودعا الدنان لتعزيز امكانيات اللجان الشعبية لتتمكن من اداء دورها بفعالية لافتًا إلى أن الموازنة المخصصة لها هي موازنة تشغيلية تكاد لا تغطي نفقات الاتصالات والمواصلات، داعيًا كذلك للاهتمام اعلاميًا بمخيم المية ومية وقضاياه.

 

الواقع الامني

أكّد زيدان أن الوضع الأمني داخل المخيم جيّد، وأضاف "لا توجد أية مشاكل بالمعنى الأمني، بل هناك أحداث فردية تحدث بين الحين والاخر يتم حلّها سريعاً، بالتعاون مع "اللجنة الشعبية" والمعنيين في المخيم، الذين نتواصل معهم جميعًا لحل أي إشكال".

وتابع "هناك تعاون وتفاهم كامل بيننا وبين جميع القوى الوطنية والإسلامية في المخيم لضبط استقرار وأمن المخيم والمحافظة عليه، كذلك فالقوى بمجملها قادرة على ضبط أي اشكال يحدث لحصر تبعاته".

وأضاف "بالنسبة للقوة الامنية فهي جاهزة تقريبا ولكن الامكانيات الخاصة بها غير متوفرة للآن، ونأمل أن تتوفّر لكي يتم تفعيل القوة الأمنية أسوة بمخيم عين الحلوة خاصة ان هذا مطلب جميع القوى الاساسية في المخيم (فتح وحماس وأنصار الله) وبين الجميع تفاهم وتوافق على موضوع الالتفاف حول الموضوع الامني داخل المخيم نتيجة تداعيات الاشكاليات التي تحصل خارج المنطقة، والجميع يؤكّد رفض دخول اي مطلوب منعًا لزعزعة الاستقرار".

وختم زيدان حديثه بالتأكيد على تمسّك الفلسطينيين بحقهم بالعودة لوطنهم فلسطين وبسياسة الحياد الايجابي وعدم التدخُّل بالشوؤن الداخلية لأي دولة عملاً بتعليمات الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية، ولكنه شدّد على أن ذلك لا يتعارض مع تحسين ظروف اللاجئين المعيشية والاجتماعية ليعيشوا بكرامتهم الى حين العودة داعيًا الدولة اللبنانية للإسراع بإقرار ما تبقّى من حقوق اجتماعية ومدنية للفلسطينيين، ومطالبًا وكالة "الأونروا" بتحسين الخدمات التي تقدمها كمًّا ونوعًا لأبناء شعبنا في المخيمات، لأنها الشاهد الحي على قضيتنا الفلسطينية، وهي المسؤولة أولاً وأخيرًا عن موضوع اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات"