بمناسبة اليوبيل الذهبي للثورة الفلسطينية وانطلاقة حركة فتح نضع للتفكير المتمهل ورقة لنتداولها حول الفكر والثقافة والتثقيف في الحركة الوطنية الفلسطينية علنا نكسب الأجر أو الأجرين.

لدى السياسي تصبح الثقافة فعلا ضروريا لأنه معني بمخاطبة مساحات واسعة ونماذج متنوعة وجماهير ذات اهتمامات وتطلعات متعددة. مهما كان جامعها (قضية) موحدة فإن احتياجاتها لا تشكل عندها أمرا ثانويا وإنما مترافقة مع نداء الواجب.

ولكل شعب أو تنظيم أو جماعة ثقافتها التي من المحقق امتلاكها لعدد من المقومات هي: التعدد والتنوع ، الانفتاح والاستفادة من الآخر، العراقة والتجذر والتراكم، والأهم من ذلك كما يسترسل الخويلدي الرباط الجامع وتأسيس المشترك، والتقريب بين وجهات النظر المتباينة، وأيضا تحقيق التواصل ومد الجسور بين الأجيال، والتجاوز والتسامي عن الخلافات والأمور الجانبية.

إن اهتمام التنظيم السياسي بالثقافة يأتي من أنها تقوم ببناء الشخصية أو الشخصيات، لذا اهتمت كافة الدول والتنظيمات والأحزاب بشأن التربية والتثقيف أو جهاز الدعوة الذي يعتبر في مقدمة الفعل الحزبي المهدّف.

يقول المفكر العربي مالك بن نبي (القدرة على إنتاج الفكرة هي ميزة الإنسان وحده، بحيث أنها تمثل الحد الفاصل بينه وبين جميع الكائنات الأخرى، وبجمع هذه الأفكار المنتجة يظهر النسق الفكري على هيأة أفكار مرتبة، وهذه الأخيرة عند ضمها بعضها الى بعض تعطي مذهبا أو فكرانية=(إيديولوجية) معينة، وهذا التركيب إن هو وجد مساحة له في الواقع، ليظهر عبر الممارسات المختلفة للأفراد، وبعدما يكون قد شغل حيزا هاما بين مقدساتهم المتنوعة، فإنه يطلق عليه مصطلح الثقافة، لذلك فالثقافة هي: "ما يبقى عالقا بالأذهان عندما ننسى ما تعلمنا على مقاعد الدراسة والجماعات")...

 يقول لينين (إن التثقيف السياسي يعني نتائج عملية، يعني تعليم الشعب كيفية بلوغ ذلك).. (يجب على هيئات التثقيف السياسي أن توجه عملها كله نحو الهدف ، إن مكافحة الأمية أمر ضروري ولكن معرفة القراءة والكتابة وحدها لا تكفي. إذ لا بد من تلك الثقافة التي تعلم النضال ضد الأمية والغطرسة الشيوعية والرشوة).

إن الثقافة الحركية تعد المكان الأول في بناء الشخصية، وتنمية الفكر الفتحوي، وتمثّل حقيقة التعبئة ومضامين المبادئ والأهداف والمنطلقات التي يجب أن تكون الهادي والمرشد لمسيرة الحركة والشعب، ولطريقة عمل الأعضاء والكوادر وفي نظرتهم للأمور، وفي استعدادهم للعطاء والبذل، وبناء الشخصية في اتجاهاتها الخمسة: الجسد والنفس والروح والعاطفة والعقل.

إن تكامل الفكرة الحركية في "فتح" تتجلى من حيث هي فكرة وطنية جامعة ، فكرة تحررية للوطن والإنسان، ومن حيث هي فكرة عقلانية تشاركيّة ديمقراطية بالمجتمع، ومن حيث هي فكرة بناء لا هدم للكيانية الوحدوية الجامعة، ما يعني أنها فكرة عميقة وأصيلة متجذّرة.

 

الوطنية والتحرير والثقافة الحركية

أخذ "الوطنية" عندنا معنى التخصيص والتكريس والأولوية لفلسطين، لا معنى الانعزال أو الإقليمية والانكفاء عن المحيط ألعربي وهي بذلك مبدأ أو فكرة لا تنطلق من فراغ، وإنما من واقع الارتباط الحضاري العربي الإسلامي في الأفق الحضاري العالمي، العقلاني والمتفتح على تجارب الشعوب قاطبة.

وبذات الوقت فإن  فكرة "التحرر" في حركة فتح لا تقتصر على منطق تحرير الذات والمجتمع من رواسب الجهل والتفكير السلبي، لسبب النكبة والواقع الفاسد وغيرها، ولا تنطلق فقط من واقع الظروف الصعبة وما تحمله من مشاعر اليأس والقنوط لدى البعض، وإنما تبغي إلى ذلك تحرير الوعي الحضاري الشمولي.

وتسعى فكرة أو مبدأ التحرر للتخلص من واقع الاحتلال الجغرافي للإسرائيلي لبلادنا عبر المقاومة الشعبية بكافة الأشكال وليس هذا فقط، وإنما التحرر أيضا من شِباك الغزو الثقافي-الاقتصادي الصهيوني الاستعماري لعقولنا وأرضنا ومقدراتنا في فلسطين والمنطقة العربية.

إن القدرة الحركية في "فتح" وفكرتها أيضا تتجلى في "التشاركية" حيث تؤمن بالعقلانية لا بالأساطير والخرافات الممزوجة بسياقات فكرية، وتؤمن بالحوار والاختلاف والديمقراطية ضمن معادلة الحرية والالتزام في داخل التنظيم، وهو ما أسس فيها للفكر "الوحدوي" الذي يجمع المؤتلفين والمختلفين معا في إطار الثورة و "م.ت.ف" ثم في إطار السلطة والدولة القادمة الذي وهو الفكر أو المبدأ الفتحوي الذي يرفض الإقصاء والاستعلاء ورفض الآخر.

إن حركة فتح في سعيها لأخذ دور "فوق وطني-إنساني" تسعي لأن يكون لها موقع في النسيج العربي والإسلامي والعالمي من حيث دعوتها الشمولية لتحرر الفكر والثقافة وارتباطها البّناء بالحضاري العربي الإسلامي وإسهاماته المسيحية الشرقية، الذي يتقبل الآخر وفي نطاق تحقيق الأهداف الإنسانية الجامعة بالحرية والمساواة والعدالة والتقدم.

 

مكونات التثقيف الحركي والتعبئة

من الممكن أن نتعرض للثقافة وعملية التثقيف والتعبئة للشعب الفلسطيني وفي حركة فتح في سياق 7 أمور.

الأول يتمثل في: سعينا الدائب لتحقيق هدف وغاية النضال الفلسطيني المرحلي المتمثل بتحقيق مشروعنا الوطني بالتحرير والعودة والدولة في سياق النضال الثوري السياسي

ثانيا: إن ثقافة الحركة، والثقافة الوطنية الفلسطينية عامة هي ثقافة النضال الوطني الفلسطيني وهي ثقافة البناء لمكونات الوطن، وهي ثقافة الجماهير بكل شرائحه، لأنها ثقافة مشروعنا الوطني، ولأنها ثقافة الكفاح والمقاومة بطابعها الجماهيري الشامل وليس النخبوي أو الضيق، ما يستدعي برنامجا وطنيا متكاملا لإمضاء ما أطلقنا عليه (الحرب الشعبية طويلة النفس) اليوم بصيغة المقاومة الشعبية الشاملة.

والثالث: يتمثل في بناء ونشر الفكرة والرواية التاريخية الحضارية التي تمثلنا والتي تبرز حقيقة التمايز (والتأكيد) بين إيماننا المطلق بأن أرض فلسطين (التاريخية) لنا منذ الأزل والى الأبد، وبين سعينا لحل واقعي يأخذ بالاعتبار قواعد علم السياسية وفن الممكن ومتغيرات الإقليم.

الرابع إن ثقافتنا يجب أن تكون ثقافة وعي وفهم وتصدٍ ومواجهة تواجه طبيعة الاحتلال الصهيوني (الاحتلالي الإحلالي الإلغائي للآخر) الذي يحاول إلغاء وجود الـشعب الفلـسطيني عبـر تزويـر الحقـائق التاريخية والسياسية وعبر التكريس للوقائع على الأرض، وعبر طمس هويته الوطنية، وتشويه صورة نضاله، وسلبه حقوقه المشروعة

أما خامسا فإن على الثقافة الفلسطينية والحركية خاصة أن تجهد في بناء أو دعم طرائق تفكير علمية عقلانية ايجابية تحفيزية ابداعية في عقول المنتمين للحركة بحيث يتمكنون من رفد الحركة بعطاءاتهم وبرامج عملهم اليومية، ولا يكونون كمّاً مهملا أو أرقاما في سجل العضوية بلا نفع، فدرب الثورة طويل وشاق ولا يصمد فيه إلا الرجال والنساء المؤمنون بيقين، لا تخالطه شكوك بضرورة التحدي والتضحية والنصر.

وفي ذات السياق العقلاني يتم دعم الانتماء الوطني فوق الانتماء الحزبي العصبوي الضيق ما يؤكد فكر حركة فتح الرحب الذي ينهج للحرية والحوار والديمقراطية، وهو الفكر الوحدوي الجامع، الذي يرفض التفرد أو الهيمنة أو الحصرية أو الإقصاء للآخر.

سادسا: إن بناء الذات والتعبئة والتثقيف في حركة فتح يقتضي تكريس معنى الحياة التنظيمية الديمقراطية بما هي التزام وحرية، وتأكيد دور التنظيم الأساسي بتحقيق الالتحام بالجماهير بكافة فئاتها وشرائحها، وما يمتزج مع ذلك من ممارسة بث الوعي وخدمة الشعب، ما يقتضي من التنظيم بالآليات المناسبة: تكريس مبدأ الاجتماعات الدورية والدورات واللقاءات والندوات والثقافة الذاتية والجماعية للكوادر وللجماهير، ما يقتضي قيام العضو من تلقاء نفسه ببناء شخصيته بالعلم والعمل عبر التجارب والقيام بالنشاطات ، أي بالممازجة الفعلية بين النظري والتطبيقي، وبين ما يقوله ويفعله، وبين الحرية المتاحة في الإطار ومنطقة الالتزام ، وبين ما ينتقده ويقابله بمبادرة يجتاز بها الطريق النضالي الطويل، كما يتجلى دور القناة التنظيمية الواجب بالبناء الكادري والجماهيري .

سابعا: كما أن الإيمان بالفكرة لا يظهر إلا بإتباعها قولا وعملا، فإن قناة التعبير عن الفكرة والثقافة الحركية يجب أن تكون سالكة، ويجب أن تكون مهنية ، ومتطورة بحيث تصبح هذه القناة أو الوعاء أو الاطار أداة صالحة للاستيعاب وحُسن الاتصال وممارسة القيادة والإدارة والتخطيط والنقد ودقة المتابعة والرقابة.

إن ركائز الاهتمام في الفكر الحركي لا تتمحور حول الايمان بصحة الفكرة أو الغاية أو المبدأ فقط لأن المبادئ بدون أرجل لا تنتشر ، والأفكار دون حَمَلَة مشاعل يضيئون بها طريقهم وطريق الآخرين قد تموت ، والفكرة بما هي انسانية إن لم تخضع للتجدد والتطور والتغيير في ظل معادلة الثابت والمتغير منها فإنها مرشحة لأن يتجاوزها الزمن، وهذا التجدد أو التطور من المهم للفكرة وحملتها أن يكون ضمن قنوات سالكة.

 

جامعة الفكر الفتحوي

الثقافة والتعبئة والتربية التنظيمية في حركة التحرير الوطني الفلسطيني"فتح" ترتكز حول "ذات الفكر الفتحوي" الذي يمثل النور الذي نحمله لفلسطين والعالم منطلقين بحافز النفس الطويل، بما يشتمل عليه من مضامين:تاريخية حضارية تعبوية جذرية، ومضامين سياسية واقعية متغيرة، ووعي ثوري متجدد يأخذ تجارب كل الشعوب في التحرر والاستقلال والثورة بالاعتبار، وأدوات فعل ثورية متطورة ما بين الكفاحي والمقاوم والشعبي،وإيمان ديني مستنير، وأسس تنفيذ إدارية قيادية علمية إنسانية، وسياقات اتصال وتواصل ديمقراطي لا ينقطع.

 كما أنها كفكرة أو ثقافة حركية من المهم أن تُفهم جليا، وفي خانة أنه مهما غيّرنا في أثواب العرض لها، فإننا نميّزدوما فيها بين الثابت وبين المتغير ، بين المطلق وبين النسبي، في بوتقة الصهر الفتحوي التي لا تكترث بطبيعة الاتجاهات الفكرانية (الأيديولوجية) للمنتمين للحركة أو بمقدار اقترابهم أو ابتعادهم عما يحملونه من فكرانيات (أيديولوجيات) لأن الكلمة الجامعة والنور المتجلي في فكرة الثقافة الفتحوية لنا والأمة هي فلسطين التحرير والاستقلالية والوحدة، وحركية الوسيلة (الوسائل) وبناء الكيانية في إطار ديمقراطي تشاركي حر يسعى للتقدم والعدالة.

 

العضو الانسان

حَمَلةَ النور هم الأعضاء في الحركة، لذا فإن التمحور في عمل الحركة القادم يجب أن ينصبّ لما فيه خير الأعضاء ومطالب الجماهير المتغيرة في سياق العمل النضالي.

إن الاهتمام بالعضو يجب أن يكون له الأولوية على الاهتمام (بالعضو في الإطار/الموقع/المركز) بمعنى التوجه في  بناء العضو الشخص المبدع لا العضو القائد فقط، من حيث تنفيذه لما هو مطلوب منه من الواجبات وما يقابله من اكتساب الحقوق التي تعني بحجم مشاركته بالإطار والمبادرة والفعل الجماهيري، وما يقابله أيضا مما يحصل عليه من مكافأة أو مردود معنوي محبّب على إنجازاته، تتمثل بالدور والمكانة والاحترام استنادا لما يقوم به العضو من فعل ضمن مقياس تنظيمي دقيق، لا من منظور تبوّئه  لموقع قيادي ما ، ببساطة فإن الإنسان العضو هو الهدف وليس موقعه (او منصبه)، وعليه يصبح عبء ايجاد ومتابعة دور وعمل ومهمة ونشاط كل عضو مسألة ذاتية، ومسألة حركية معا لا غنى عنها

 

الإطار أو القناة السالكة

لا يمكن أن تجري المياه بشكل سلِس إلا عبر قنوات مفتوحة، ومن هنا تأتي ضرورة الاهتمام الواجب في حركة فتح بالإطار التنظيمي-خاصة بالأطر والمكونات القاعدية- الذي يجمع الأعضاء وينسق جهودهم ويتابع نشاطاتهم ويعبئهم ويثقفهم ويحفزهم، وقبل كل ذلك يحافظ على الصِلة معهم في ظل مركزية المتابعة والقرار وديمقراطية الرأي والإبداعات .

 والإطار التنظيمي إن لم يكن قادرا على حمل الأعضاء نتيجة الخلل الذي قد يقع بأحد الاتجاهين من أعلى الى أسفل أو العكس يعني إما تجميد الحِراك والفعل الكلي، أو التهرب والتكلس وظهور فكر السلبية والإحباط والسوداوية، وربما الابتعاد العدواني، ومن هنا جاءت الأهمية للمرتكزات الثلاثة في الثقافة الحركية ألا وهي (الفكرة والعضو والقناة).

ومن هنا تأتي ضرورة إنشاء قناة موازية ومتقاطعة مع الإطار التنظيمي، متقاطعة لأن عملها متداخل كليا مع عمل الإطار التنظيمي، ولكنها موازية لأنها تعمل بشكل تخصصي محدد على طول الإطار التنظيمي من أعلى إلى أسفل بالتنسيق الثابت مع الأطر فيما يتعلق بالتربية والتثقيف الحركي وذلك عبر مركز أو معهد أو مؤسسة متخصصة بالتدريب وإعداد الكادر والتثقيف والدراسات الحركية.

وفي إطار القنوات يجب أن يتعانق الفكري والسياسي معا، كما يندمج الفني والتربوي والتثقيفي بالقلم والفرشاة ولوحة المفاتيح، بما يشمله ذلك من شعر ونثر وقصة ومنشورات ومقالات ودراسات وكتابات متعددة ورعاية الكُتاب والبحاثة والعلماء والشعراء، وكذلك دعم الفنانين الفلسطينيين بكافة المجالات أكانت نتاجاتهم لوحات فنية أو تمثّلات فنية عبر الحاسوب والشابكة (الانترنت) أو دبكات أو أناشيد أوغناء أو صناعة الشرائط (الأفلام) أو فرق تمثيلية ومسرحية تعيد بعث التراث والفلكلور الوطني الفلسطيني والاهتمام به وحسن إبرازه ما هو دور وطني وفتحوي في آن واحد لا يغنينا عن عمل فرقة تراثية أو فنية مركزية جنبا إلى جنب مع بناء مراكز أو لجان ثقافية في كل الأقاليم.

 

الثقافة والتجارب ووسائل الاتصال الحديثة

إن العالم قد تحول اليوم من خلال وسائل الاتصال الحديثة إلى قرية كبيرة ، لا نستطيع من خلالها أن نفرض رأيا أو فكرة أو منهجا أو قرارا أن لم تكن مرتكزة على: مقدار صِحة وصوابية الفكرة وفائدتها اتعكاسا على الواقع للفرد والمجتمع، انها الفكرة المرتبطة بالغاية، وبقدرة الأعضاء على التعبير عنها وتمثلها وتطبيقها، وعلى كفاءة الإطار بآليات التدريب والاجتماع والتثقيف والتكوين التنظيمي التي إن أهملت أصبحت التجارب الحركية متناثرة وأصبح الأعضاء كل في واد.

 ومن هنا وجب التأكيد على أهمية (الإطار/الوعاء/القناة) من حيث تحقيقه لاحترام الفرد لذاته ودوره وعمله الجماعي، ومن هنا التأكيد على أهمية الإطار من حيث الفرصة المتاحة له فيه للحوار والتعبير والحديث والنقد والنقاش بدلا من أن يقضي الساعات الطوال ينفّس عن غضبه لعدم إعطائه الفرصة للتعبير في وسائل التواصل الاجتماعي على الشابكة (الانترنت) مفترضا أنه بذلك يقوم بدوره الحركي وما هذا إلا لانسداد أو عدم كفاءة أو عدم فاعلية القناة من جهة، ولسبب الأسلوب القيادي غير الفاعل بافتقاده قدرة الاستيعاب والاحتضان أو بعدم تفعيله لأداة المحاسبة والمتابعة من جهة أخرى، وأيضا لضعف إيمان العضو واستهتاره بدوره الحقيقي في الإطارمن جهة ثالثة.

إن ثقافة حركة فتح يجب أن تدمج بين تجاربها الأربعة الكبرى: تجربة القواعد الثورية في الخارج وتجربة المعتقلات في الوطن، وتجربة التنظيم في الخارج مع النقابات والعمل الاجتماعي، مع تجربة التنظيم في الوطن بشقيه الشعبي الاجتماعي وشقه الثوري التنظيمي.

ولتحقيق دمج التجارب في آليات العمل التثقيفي يقتضي منا حُسن التواصل الميداني أولا عبر الاجتماعات الدورية اللازمة، وعبر اللقاءات المتواصلة، ثم بامكانيات استخدام الشابكة والتقانة العالية عبر فتح أسس التواصل الحر في الفضاء الالكتروني وما يقتضيه ذلك من إنشاء كلية أو مدارس أو معهد عبر تكوين سلسلة محاضرات حركية (ودراسات وكتيبات ونشرات ورسائل، ومنشورات) تجعل من التنوع الحيوي هدفا يدمج بين المرئي (استخدام اليوتيوب وأشباهه) والصوتي (إنشاء أو دعم الإذاعات على الشابكة=الانترنت) وتسخير الصور والرسومات والمنتديات والملتقيات والمواقع، ووسائل التواصل الاجتماعي كلها بما يحقق مضامين الفكر الفتحوي، وتحقيق حُسن الاتصال بالاتجاهين، وبناء شخوص حملة النور، خاصة في قطاع الأشبال والطلاب في الوطن والخارج.

إن أهمية استثمار وسائل التواصل الاجتماعي والشابكة لا تغني مطلقا عن ضرورة العمل الميداني بل تُكامِله وتربِطه وتعرِضه ما دامت الجهة المقصودة في تثقيفنا هي العضو، لذا هو المعنِي فردا وجماعة بنشر فكر وثقافة ومواقف وسياسات الحركة للجماهير، بكل فئاتها من فلاحين وعمال ومناضلين قدماء وموظفين وتجار، وأيضا من حيث السن من الأشبال والزهرات وصولا للشبيبة، إلى كل فئات المجتمع بمؤسساته ونقاباته المختلفة.

كما أن للشابكة (شبكة الانترنت) والعمل الجماهيري الحركي عبر الندوات واللقاءات والتنسيقات دور أساسي  بتحسين شكل  التوجه للمؤسسات والأحزاب والتنظيمات في المجتمعات خارج فلسطين.

 

القناة أو الاطار

يظهر في العمل التنظيمي في المنظمات والأحزاب نوعان من الأعضاء ، عضو يهمل الإطار فيعطله و عضو يتمسك بالقناة (الإطار) الى الحد الذي يرفض معه أي فعل من الممكن أن يتجلى خارجه، وبالتالي يقمع فكر الإبداع والإمكانيات، وهي نظرة حصرية تفترض (الامتلاك) للعضو من حيث هو منتمٍ للتنظيم فلا يستطيع فعل شيء إلا بأمر أو من خلال تكليف أو عبر الاجتماع.

إن شدّة التمسك بالإطار إلى الدرجة التي يصبح فيها العضو أسيرا له لا يستطيع أن يتنفس خارجه ولو بكلمة شكر أو تعبير عن احترام أو مبادرة أو إبداع خطر يكتنفه تحقق الجمود والاستبداد :

إن التمسك ذا الطابع الاستبدادي بالإطار أو القناة يظهر من خلال:

1- التمسك بالقناة باعتبارها الأداة الوحيدة لكل من الرأي السياسي والثقافة والقرار والمهمة (العمل) والثواب والعقاب، ما قد يؤسس للاستبداد إن لم يخالطه حُسن التواصل.

2- عدم الاعتراف بأي فعل وإن كان مثمرا وايجابيا ، إن لم يكن الإطار صاحب القرار فيه.

3- التشدد في التعامل مع العضو إلى الدرجة التي من الممكن أن يعاقب فيها لأي هفوة فيطرد خارج الإطار إلى حد التجميد أو الفصل.

4- تقدم الجماعات الرافضة (أو الأفراد المتذمرين) للإطار سواء من شخص المسوؤل أو طريقة إداراته إلى تشكيل علاقات سرية موازية.

5- تقوم الجماعات التي تعتبر أن حياتها تبدأ وتنتهي من خلال (القناة) إما إلى انشاء أطر موازية بغرض التحدي أو ينفرط عقد الأفراد فيبتعدون شيئا فشيئا عن الإطار إلى درجة اليأس أو الإنكار ما قد يؤدي للانشقاق والخروج.

النظرة الثانية لا ترى في الاطار أهمية وتتعامل معه بشكل هلامي بمعني أنها تستخدمه وتستغله فقط في حالة الحاجة ولا تكون الحاجة شديدة إلا في 3 مواضيع رئيسة الأولى لغرض عقد مؤتمر والثانية لغرض عمل تظاهرة ما والثالثة لحل مشكلة مستعصية.

إن النظرة الاستغلالية للإطار هي نزعة استبدادية تضيق ذرعا بالحوار ولا ترى في الآخر موازاة أو مساواة تتيح له أن يناظرها، أو لأنها تخاف منه فتتجنبه أو تقصيه.

يقع الاستغلال للقناة (الإطار) ليس فقط من المسؤول الأول، وإنما قد يحدث من عدد من المنتمين فيه عبر تعمد إضعافه أو تصويره هزيلا أو إدخاله بعقلية تخريبية في قضايا ومشاكل هو في غنى عنها فتشتت جهده ، إذ إنه بدل أن يتحول لإطار نقاش مثمر وتخطيط وتوزيع عمل وتثقيف ومتابعة وحوار يتحول إلى إطار مخصص  فقط لتلقي الضربات وحل المشكلات.

قد تجد درجة أكثر تطرفا في إهمال الإطار أكثر من جعله هلاميا أو منسيا أو موسميا وهي الدرجة التي يتم فيها التعامل معه مرة واحدة بين مؤتمرين أو عمليتين انتخابيتين وربما فقط على الورق بمعنى إن الأسماء الواردة إما غير حقيقية أوانها مجرد أسماء بلا فعل لا بالماضي ولا بالمستقل.

الفكرة مهما كانت جميلة أو صحيحة أو مثمرة لا تنتشر إن لم يحملها شخص أو أشخاص قادرون على نشرها بالتبشير والدعوة والاستقطاب لها.

أصل الفكرة أن تُلهم المرسِل وتحرّكه فتهزه من الأعماق، وأصل الفكرة عمق بحث أو تنوير، أورسالة تتبلور نتيجة الوعي والظروف المتغيرة – أصل فكرة الرسالات السماوية مشيئة الخالق لتحقيق الاستخلاف بالهداية والتوحيد والعقل والدين والعمل – وهذا الرسول أو الناقل أو الحامل للفكرة إن استطاع بلورتها بشكل جيد ومن ثم إيصالها لغيره عندها فقط نستطيع أن نقول أن الفكرة خرجت من البئر عبر دلو الرسول ماء سلسبيلا يروي المتعطشين.

الداعية أو المبشر أو المستقطِب شخصية محورية في أي تنظيم – وإن كانت الدعوة والاستقطاب مهمة الجميع فلا تنجح في الواقع بها إلا قلة – لأنه شخصية تتمتع بمواصفات جذابة في البناء والعرض.

ويأتي دور الوعاء أو القناة أو الإطار ليشكل حاضنة أو مدرسة للدُعاة – إن سلمنا إن كل المنتمين كذلك أو مدرسة للأعضاء إن كان لهم أدوار أخرى مطلوبة.

دور الوعاء في الإعداد يعني التربية والتثقيف ، إذ إنه في ظل سيل المعلومات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة قد يفقد الإطار بريقه التربوي ما يحتاج من الداعية أو المنظر في كل إطار الى جهد مضاعف ليقدم الفكرة أو النشاط أو المهمة بشكل ابداعي أو متجدد أو ملهم يستطيع أن يحقق الجذب للأعضاء .

ولكن لا يقتصر دوره على (الإعداد) والتثقيف على أهميته، وإنما أيضا على اعتباره مساحة متاحة للحوار والتخطيط والنقاش كما هولتلقي الرسمي من الوضع السياسي وبوابة الاطلاع على حقيقة الأخبار التنظيمية، كما أن الإطار يحتاج لبناء علاقات أخوية تأخذ بالاعتبار القيم الخلقية من محبة واحترام وتواصل يشمل أعضاء الإطار ليمتد الى الأطر الأخرى والى الجماهير.

 

مَنْ الأهم ،العضو أم المؤتمر؟

إن كان المؤتمر -أي مؤتمر قيادي-هدف كل الكوادر (في المساحة الجغرافية أو ضمن معطيات الحضور) بمعنى الحضور جسديا فكأننا نحصُر الفكرة وتجلياتها بإطار محدد يتم تحميله أكثر مما يحتمل في حقيقة الواقع المتطور

بينما ما يجب أن ندعو له هو تعزيز فكرة الحضور للكادر بالرأي والمشاركة والتواصل سواء أكان جسديا حاضرا أم لا  (جنبا إلى جنب مع التثقيف الذاتي والجماعي ضمن الإطار وخارجه دوريا)

 

لماذا نقول ذلك؟

لأن الفكرة أو الرأي أو الفعل في ظل وسائل التواصل اليوم قابلة للوصول والتبني من عدمه، بقدرتها على النفاذ شاء الشخص في الموقع المتقدم أم رفض، وتؤثر فيه أصرّح بذلك أم رفض

 إنما السؤال الآخر هو: ما إمكانية أن نصل إلى مرحلة نستطيع بها أن نحول الفكرة -أي فكرة صالحة- لدى الكادر لتصبح تسير على الأرض؟ إن لم نكرسها أولا!

الفكرة تتفاعل مع غيرها، فتزيد وتنقص وتتعدل، لكنه في ظل هيمنة فكرة "التقليص" لا "التوسيع" في عدد الحضور المشارك في  المؤتمرات القيادية في التنظيم-أي تنظيم، فإن علينا أن نجد حلا؟

لأنه تطغى اليوم "الفرضية القديمة" التي تقول أن الحوار والثقافة والقرار لا يتخذ إلا بالإطار فقط (المؤتمر/اللجنة العليا/القيادة أو الإدارة العليا/الإطار)؟!

 بينما في حقيقة الأمر إن هذا الشكل القديم لاتخاذ القرار، أي أنه يتخذ فقط باللجنة (الإطار) قد تجاوزته التِقانة الحديثة ، كما تجاوزته قدرات الإبداع والتغيير، وتأثيرات المحيط في الحركات الشبابية والمبادرات الكادرية في التنظيم السياسي والمجتمعي التي فرضت نفسها على طاولة صاحب القرار أو فرضت نفسها على جدول أعمال أي مؤتمر

 المعنى أننا يجب أن نفكر معا كيف نوصل فكرنا ورأينا عبر العمل على الأرض، ما هو أولى من أن نغرق في قصة هل لنا مكان في مؤتمر الإقليم أو المنطقة أو المؤتمر العام.

 لأنه دون تكريس عمل على الأرض: مبادرة وعطاء وعمل يومي، وإنجاز، فإن الفكرة المهيمنة ستظل فكرة الحصر للقرار(والنفوذ) في نطاقه الضيق ما هو معاكسة للعصر والتقدم الحاصل، ما يقابله فكرة المظلومية والإنحسار والابتعاد والسوداوية لمن لا يضُمه إطار محدد خاصة إطار علوي وبالأخص في المؤتمرات (أي في قمة الهرم التنظيمي)

إن الأصل في الثقافة الحركية يجب أن تكون ممثلة في: بناء العضو من حيث هو عضو،إنسان، والاهتمام بأن يقوم بواجباته أولا ليصبح عضوا نشطا فاعلا وليتحمل مسؤولية مطالبته بحق إسماع رأيه بعد أن يكون قد استطاع المرور بمرحلة بناء الذات -التي لا تنتهي- فبناء الذات مسيرة متصلة يتعاضد فيها دور العضو مع التنظيم ويتكامل

إن أهمية العضو لا تأتي من وجوده في قمة الهرم التنظيمي إطلاقا ولا يجب أن تأتي من حضوره في مؤتمر أو عدم حضوره له، كما لا يجب أن تأتي من مقدار نفوذه داخل الإطار المعنى مطلقا؟

فالكثير ممن هم بالأطر ومن النافذين لا يزعجون عضوا أو بشرا ولا بمقدار جناح بعوضة لأن ما يفعلونه أويقولونه هراء، وإن أثر في جماعة وقرار ما

إن العمل الباقي في الأرض وفي فلسطين وفي حركة فتح هو العمل النافع لفلسطين أولا ما نحتاج منها هي أولا وسام البطولة أو وسام التحدي أو وسام المحبة.

ثم إننا نحتاج العمل لتسليك القنوات التنظيمية لتصبح مفتوحة بمقدار طلب إسماع الرأي وبمقدار ضرورة التثقيف وبمقدار الفعل اليومي الذي يجب أن نقوم به بلا كلل، وبمقدار تواصلنا اليومي والأسبوعي في اجتماع يضمنا ويقرب أفكارنا.

إن العضو بأهمية ما يفعل، ويقدم لله ما هو لسعادته في الدنيا والآخرة، والعضو بمقدار ما يقدم لفلسطين وحركة فتح وإرضاء لضميره الحي، لا يهمه فساد الفاسدين-الذين يقاومهم ويصارعهم حتما- ويسير واثق الخطوة أبدا.

 

العضو الجندي والعضو الملك

هل يأتي على التنظيم السياسي يوم من الدهر يتعامل فيه مع العضو على أنه (القيمة) الحقيقية وأنه (رأس المال) الحقيقي للتنظيم وأنه (المُكرّم) و(المستخلف)؟

وهل يأتي على التنظيم يوم من الدهر  يتمكن فيه العضو العادي أن يفتخر أن "لصوته" دوراً في تقرير السياسات وأن "لرأيه" اعتباراً وأن "لنشاطه" تقديراً ، وأنه يستطيع أن يحقق في إطاره "المكانة" التي يبتغيها من خلال قيامه "بالدور" الذي يرتئيه والمتوافق مع ذاك الدور؟

نكاد نجزم أن الفترات التي كان يعتبر بها التنظيم "وقود" الثورة بمعنى "المجاميع" التي يتم تحريكها دون إرادة منها أو مشاركة، قد ولّى؟.

ونكاد نقرر أن العصر الذي كان يتم النظر فيه الى العضو أو الفرد في الجمهور باعتباره "مادة" الثورة قد ولّى؟ فالمادة والمجاميع والوقود تُعامل مع جُموع كأنها واحد وتعامل مع حشود لا جماهير تفكر ولها مطالب وآراء من الضروري أن توضع في الميزان.

إن العصر الذي كانت فيه الفكرة تلتمع برأس "المفكر" أو "القائد" أو "الملهم" أو المدير الجهبذ لم تعد قادرة على الصمود لتمثل معنى الإبداع الحصري، فكل شخص يمتلك الامكانيات والقدرات ويتعب في بناء ذاته من الممكن أن يصبح مفكرا أو مبدعا أو إيجابيا أو منفّذا أمينا أو مُلهما في أعماله وأفكاره لذاته، وملهما لغيره،. أي أن اقتصار الفكر والإبداع والإلهام على فئة محددة تشير الى المجاميع/ الجماهير بما هم  كتلة صماء هو عصر قد ولّى.

إن أهمية المجموع الواعي بمعنى الهيئة العامة للتنظيم أو بمعنى الجماهير لحزب أو مؤسسة مفهوم قابل للحياة في إطار احترام الحزب بقوانينه وتياراته وهياكله ونشاطاته ديمقراطيته للعضو ، وللشخص، وهي أهمية تقتضي إعادة النظر في التعامل مع أعضاء الحزب من أنهم كتلة صماء أو مجاميع أو حشد أو مادة إلى التعامل مع كل منهم كإنسان ذي قيمة يشكل رأسمال التنظيم أو الحزب وهو المكرّم لأنه المستخلف على أمانة التنظيم بعدنا.

أما أهمية العضو التي يجب أن تُصاحب الهيكل/ الإطار التنظيمي من أسفل إلى أعلى أي من النواة الأولى بمعنى الخلية أو الشعبة فتبرز من خلال طريقة النظر للعضو ثم طريقة التعامل معه فلا يعاني من الارتباك أو الخشية أو الإهمال أوالتجاهل كما لا يجب أن يعاني من الظلم والاستبداد والإقصاء.

 

آليات تمكين العضو

إن النظرة الصحيحة للعضو تأتي من خلال تمكينه عبر سلسلة من الخطوات كالتالي:

1. أن يمتلك المعلومات عن الوضع السياسي بشكل دوري، من إطاره.

2. أن يُنمّي ذاته ويطور قدراته بنفسه: بالتجربة والقراءة والتطبيق، وبالحث والمتابعة وذلك من إطاره.

3. أن يمارس حقه بإبداء الرأي بحرية تامة داخل إطاره.

4. أن تُسند له الأعمال والنشاطات والمُهمات التي تتناسب مع قدراته ويقتضيها الحدث.

5. أن تتم مساعدته بأن يُقدم من وقته ومن جهده ومن ماله اشتراكه الدوري في سبيل التنظيم والعمل.

6. أن يطرح أفكاره ومشاريع عمله ويشارك في صنع الخطط والقيام بالنشاطات في إطاره-خليته/شعبته/لجنته.

7. أن يقدم المقترحات والتوصيات ومشاريع العمل عبر إطاره للأطر الأعلى ويتلقى الرد أن سلبا أو إيجابا دون إهمال أو تقصير أو استهتار.

8. أن يتعلم كيف يفكر بمنهجية التنظيم وأسلوب عمله، بان تصقل شخصيته بالندوات والدورات والتدريب والتكليفات.

9. أن يحس بأنه ثمين، وأنه محترم وأنه يكافأ إن أحسن ، ويجازى بالقانون إن أساء.

10. إن الحد الأدنى لممارسة العضو الفاعل التي تستجلب رضاه الذاتي ورضا التنظيم، ورضا الله سبحانه قبل ذلك، أن يعبر عن فكر التنظيم وقراراته بلا مواربة، بل ويفتخر بذلك.وان ينتقد في الإطار، وفي المقابل أن يُصان رأيه فلا يُسفّه، وأن يتم إشراكه في القرارات المصيرية داخل شعبته أوإقليمه أو في الحركة عامة، ويتم ذلك وحسب النظام بواحد من طرق ثلاثة: إما عبر صوته في الانتخابات أو عبر تنفيذه للقرارات وقيامه بالنشاطات التي يُثاب عليها، أو بالاحترام والاعتبار لرأيه مهما كان مخالفا ما دام ملتزما بآداب الحوار والحديث وفي إطاره لا على صفحات "الفيسبوك" وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي عبر الشابكة، أو في الشارع.

 

عدد أم دور ومكانة

إن قيمة العضو ضمن (المجاميع أو الحشد أو الكتلة الصماء) هي احتسابه عددا يُضاف للأعداد الأخرى، أما أهميته ضمن التنظيم أو في إطار الجماهير فتتجلى بأن له دوراً محدداً (كعمل ومهمة وتكليف)... وله مكانة وله رأي محترم والفرق بين منهجي التفكير كبير، كالفرق بين الخادم المملوك الذي ليس له من أمره شيئا وبين السيد الحر المالك لأمره فالأول عبارة عن منفذ أمين بلا عقل ولا روح والثاني هو المنفذ الأمين ولكن بعقل وإيمان وروح. ولسنا في هذا الزمان ممن يقبلون لأنفسهم أو لغيرهم التسيّد على أحد وكما قال الله تعالى (وجعلناكم ملوكا-المائدة20) بمعنى جعلناكم أحراراً كما جاء في الآية الكريمة.

 إن الفكرة العظيمة تظل حبيسة العقل إن لم تجد لها قنوات أو دعاة مبشرين يستطيعون أن يحملوا عبء هذه الفكرة. وهنا يأتي دور العضو الأساسي، فهو إن كان مؤمنا ايمانا يقينيا بالفكرة والهدف بذل في سبيل تحقيقها الكثير من عقله وجهده وإمكانياته ووقته بل ومن ماله، ولكي تستطيع أن تمتلك عقول وقلوب الناس والأعضاء فعلينا أن نحقق معادلة الحرية والاحترام والدور.

إن الحرية للعضو تتجلى في إتاحة المساحة الكاملة له في إطاره التنظيمي "الذي يجب أن يكون موجودا و إلا أصبح العضو يصرخ خارجه وحينها يصبح اللوم موجها ليس له وإنما للمسؤولين" ليقول ويصول ويجول في إطار التزامه الكامل بالفكرة والقانون والقرار، وفي إطار سعيه لخدمة الفكرة والقرار والقانون.

 

الاحترام الواجب للدور

أما الاحترام الواجب فهو بان يكون "الدور" معبّرا عنه بالمهمة (العمل أوالنشاط أو التكليف الموكل به) الذي يتعاطى مع قدراته وإمكانياته ورغباته بما لا يتعارض مع برنامج الإطار وقرارات الحركة، وكما يكون الاحترام للدور بالعمل والنشاط المقياس الحقيقي لالتزام العضو فإنه أيضا يُعبر عنه بمقدار تحليه بالقيم السامية والأخلاق الحسنة فكيف استطيع أن أطلب من الجماهير أو الأعضاء أن يحترموا عضوا شغولا نشيطا قد لا يباريه احد في نشاطه ولكنه سيئ الخلق جافي الطباع شتّام لعّان وربما كذاب (حديث الرسول عليه السلام).

 ومن هنا يصبح الاحترام مرتبطا بالعمل نعم وبالأخلاق ثانيا لا انفصام بينهما، اذ إنني لا أتعامل مع جهاز الحاسوب الذي لا يمتلك قيما أو أخلاقا فهو يقوم بالعمل بدقة وأمانة ربما أفضل من كثيرين ولكنه مادة أو أداة، وما العضو في التنظيم بأداة أو مادة إنه إنسان يُحترم لإنسانيته ولعمله ولأخلاقه ولمدى التزامه في قياس واجب الوجود يضعه الشخص لنفسه ويضعه التنظيم لكل عضو لديه ليتحقق ماذا فعل في يومه وفي أسبوعه وفي شهره فيحاسب نفسه  يوميا على العمل الخيّر وعلى الاخلاق فلا يخرج من يومه إلا وكفّر عن سيئاته وعدّل من مسلكه ومساره ، وأعاد نفسه بثوب جديد.

قلنا أن معادلة العضو واحتسابه فاعلا في إطار التنظيم تتحقق بمقدار الحرية الممنوحة حسب النظام وبالاحترام الذي يجب أن يحظى به، وبالدور الذي يجب أن يسند إليه في رداء الأخلاق الثورية الكريمة.

 

 حُسن الاتصالات

إن الاحترام وحُسن الاتصالات بين الأعضاء في الإطار وعبر الأطر أفقيا وعموديا في الهرم التنظيمي تجعل العضو يحس أنه محترم أمام نفسه ومحيطه وفي التنظيم، وأن ما يقوم به له التقدير، وبما يجعله يشعر بالثقة والاهتمام فلا يضطر لأن يخرق انضباط العمل التنظيمي فيجد نفسه يغني خارج السرب ولا يتأتى ذلك إلا بأن يصبح التنظيم بحق راعيا للمبادرات وحفزا للنشاطات ومشجعا للطاقات.

 إن الحرية والاحترام والمكانة للعضو في التنظيم مع كل ما سبق لا تتعارض مع العمل الموحد أو العمل المشترك أو العمل التعاوني الذي يجب أن يكون بين أعضاء الفريق الواحد (في أي إطار أو لجنة) ولأن الناس خلقوا مختلفين وتتعدد بيئات نشأتهم لزمت عملية البناء الذاتي والتنظيمي والسياسي والفكري والقيمي-الاخلاقي التي تجعل من الأعضاء بقناعة تامة صوتا واحدا، ويدا واحدة وجسدا واحدا في مواجهة العدو، وفي مواجهة الأخطار، وفي مواجهة الخصوم مع الفوارق في توقيت وشدة المواجهة فقط.

 

جنديّ وملك

إن معادلة (أشداء على الكفار رحماء بينهم) تستدعي أن ينسى الشخص أمام المخاطر تحفظاته أو انتقاداته أو انتكاساته ويضع يده بيد من اختلف معه لإزالة الغُمّة وتجاوز المشكلة، وهنا يصبح العضو عبارة عن جندي في سرية أو كتيبة من كتائب الحق التي ليس للعضو فيها إلا السمع والطاعة والانضباط والالتزام.

إن تبادل الادوار للعضو بين أنه (ملك-حر) وأنه (جندي-ملتزم) في ذات الوقت يحتاج لحسّ كبير بالمسؤولية قد لا يستطيع أن يدركه ويعرفه ثم يطبقه إلا صاحب الإيمان الساطع والثقة الكبرى وحامل الأمانة المكرم الذي  يستشعر أنه وأي كان داخل الإطار مهما علا أو تساوى أو كان في إطار أدنى منه هو يضع على كتفيه ثقلا كبيرا يجب أن يقوم به ولا يقصر أطلب منه ذلك أو لم يطلب.

نعم إن على التنظيم السياسي في هذا الدهر أن يتعامل مع العضو على أنه (القيمة) الحقيقية وأنه (رأس المال) الحقيقي للتنظيم وأنه (المُكرّم) و(المستخلف)؟

وعلى التنظيم يوم في هذا الدهر أن يتيح فيه للعضو العادي أن يفتخر أن "لصوته" دوراً في تقرير السياسات وأن "لرأيه" اعتباراً وأن "لنشاطه" "تقديراً" ، وأنه يستطيع أن يحقق في إطاره "المكانة" التي يبتغيها من خلال قيامه "بالدور" الذي يرتئيه والمتوافق مع ذاك الدور؟

لدى السياسي تصبح الثقافة فعلا ضروريا لأنه معني بمخاطبة مساحات واسعة ونماذج متنوعة وجماهير ذات اهتمامات وتطلعات متعددة. مهما كان جامعها (قضية) موحدة فإن احتياجاتها لا تشكل عندها أمرا ثانويا وإنما مترافقا مع نداء الواجب.

ولكل شعب أو تنظيم أو جماعة ثقافتها التي من المحقق امتلاكها لعدد من المقومات هي: التعدد والتنوع، الانفتاح والاستفادة من الآخر، العراقة والتجذر والتراكم، والأهم من ذلك كما يسترسل الخويلدي الرباط الجامع وتأسيس المشترك، والتقريب بين وجهات النظر المتباينة، وأيضا تحقيق التواصل ومد الجسور بين الأجيال، والتجاوز والتسامي عن الخلافات والأمور الجانبية.

إن ابن التنظيم الحق هو جنديٌ وملكٌ حر ومنضبط. (وجعلناكم ملوكا-المائدة٢٠) أي أحرارا، وكونه جنديا (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ-الفتح٤) وجنود الأرض هم المؤمنون، أي أن العضو الحق يمتلك الحرية (بالحوار والتعبير والنقد) في إطاره، وهو مؤمن بالفكرة ملتزم بعمله ينفذه بمحبة وحماسة.

بكر أبو بكر

خاص مجلة "القدس"/  العدد السنوي