بدل أن يضغط الأشقاء العرب على الأميركيين، لحملهم على قليل من الموازنة بين طلب العدالة لأنفسهم ولغيرهم في موضوع داعش، والحد الأدنى من العدالة للشعب الفلسطيني ولغيره من شعوب العرب والمسلمين؛ نجد الأميركيين هم الذين يضغطون، ليس منعاً لاحقاق الحق وحسب، وانما كذلك منعاً لمجرد أن يتدرج أصحاب الحق على سلم الشرعية الدولية، لكي يصلوا الى وضعية الطرح الجدي لقضية فلسطين، على قاعدة قرارات المنظمة الأممية نفسها!
معنى ذلك أن الأشقاء العرب، ماضون على طريق الخروج من التاريخ، ولن يكونوا بادئين في الضغط على الأميركيين، حتى وان كان العرب أعانوهم ويعينونهم في كل حروبهم. ومعنى ذلك أيضاً، أن الأميركيين مصرون على تجاهل كل منطق، وعلى مساندة الظلم وحماية الظالمين، والابقاء على بلاء المتطرفين الظلاميين كالدواعش. فقد خابت توقعاتنا بأن يغير الأميركيون هذه المرة تغييراً طفيفاً وأن يبدلوا. لكن أنباءً رشحت من داخل فريق الوزير جون كيري، قبل أن يصل الى روما للاجتماع بنتنياهو؛ أفادت أن الولايات المتحدة، لن تتردد في استعمال حق النقض «الفيتو» في حال عرض موضوع الاحتلال على مجلس الأمن.
الضغوط الأميركية لم تقتصر علينا وعلى الحكومات العربية. فقد انطلقت حملة ضغط أميركية على الأقطار الأوروبية. ولأن الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن، سيتغيرون في شهر كانون الثاني المقبل؛ استهلت واشنطن ضغوطاً عاجلة وحثيثة على الدول التي ستدخل. وأمام الحراك البرلماني الأوروبي، اعتمدت الولايات المتحدة أسلوب الخديعة والتشاطر، ففتحت المجال لصيغ معدلة لمشروع القرار المتعلق بالاحتلال، في حال طرحه للتصويت في مجلس الأمن. وكل ما تريده واشنطن، هو شطب أية فقرة تتعلق بالسقف الزمني لانهاء الاحتلال، وكأنها تفاهمت مع متطرفي مجلس المستوطنات، على رفع عنصر الوقت عن قلوبهم، لكي يأخذوا راحتهم وصولاً الى أقصى التفشي الاستيطاني السرطاني، وهو ما يشجع على القول بعدئذٍ، ان مشروع الدولة الفلسطينية غير واقعي وغير عملي. 
في هذه الأثناء، يهدد نتنياهو وسلفان شالوم وغيرهما، بردود أفعال لم يوضحوا طبيعتها في حال مرّ أي مشروع في مجلس الأمن، يحدد سقفاً زمنياً لانهاء الاحتلال. ما صرحوا به، أن كل الاتفاقات السابقة ستكون لاغية وأن لا مرجعية لشيء في حال مر أي مشروع في مجلس الأمن. فهؤلاء يتحدون العالم كله، ولا يقتصر تهديدهم على المشروع العربي، بل يشمل المشروع الفرنسي وأي مشروع معدّل. وللأسف، نسمع الأميركيين، في هذه اللُجة، يهددون بعظائم الأمور. فبقدر ما كانت الادارة الأميركية مهانة وفي موضع السخرية من قبل حكومة المستوطنين؛ جاءت ردود أفعالها التي هي في الاتجاه المعاكس، أشبه بالتوحش ضدنا. ربما تكون الخُلاصة الموضوعية من هكذا سياق، هي أن أقصر الطرق، لتخليق سياسة أميركية أفضل؛ تكمن في مجافاة الادارة الأميركية والسخرية منها وتجاهل نداءاتها والاستنكاف عن خوض حروبها، والخروج من استراتيجيتها، والسلبية معها في الاقتصاد والأمن والسياسة وعلى كل صعيد. فبدون ذلك، ستظل واشنطن تحتقر المنطق السوي، وتضغط على العرب، لكي تأخذ كل شيء، ولا تفكر في تسجيل أي موقف محترم، سيكون لصالح دورها الدولي قبل أن يكون لصالح العدالة والحقيقة!
لنمض في مسعانا الى مجلس الأمن، ولنقل «لا» لأميركا، مع برقية الى الظلاميين المحتلين الأوغاد، تقول لهم اركبوا أعلى ما في خيولكم!