برأيك ما هي الرمزية والمكانة التي احتلَّها الرئيس الشهيد ياسر عرفات عبر مسيرته الوطنية والنضالية؟
من رَحِم التضحيات وُلِد الزعيمُ الكبير.. حملَ فلسطين في قلبه وعقله، فحملَتهُ فلسطينُ في ذاكرتها التي لا تموت. أبو عمّار قائدٌ عظيمٌ استوطن القلوب.. حفرَ على كفّيهِ خارطة الوطن.. وكان بذكائه وحِنكته وصبره أيقونةً. لم يعرف التاريخ قائداً بفرادتِهِ، ولا معلّماً في قامته، ولا زعيماً في صلابته وحكمته وصبره وعلوّ همّته وكبريائه.
كان السائدَ بكلامه، والزاهدَ بصمتِه، والراهبَ بوقاره، وبفكره.. كان موهوباً وواهباً.
من خلف الحصار أثار الزوابع... رفع راية الشهادة، وأبى أن يستسلم أو يساوم!
استمعَ للضعفاء وحاورَ الأقوياء... لم يُوقفهُ التهميشُ ولم تثنهِ رماحُ الغدر عن مواصلة الرحلة.. رحلةٌ عنوانُها حياةُ الكرامة وكرامةُ الحياة.
قالوا إنه يغرّد خارجَ السرب، ووجّهوا إليه الدعواتِ ليتركَ هذا الصمودَ ويأتي ليغرّدَ مع الباقين.
عرضوا عليه الكثير، لكنه أصرَّ أن يعزفَ لحنَ الوفاء لقضية وطنٍ كبير.. اسمُهُ فلسطين.

بماذا تتوجهين للرئيس الشهيد في ذكرى استشهاده العاشرة؟
قلوبنا موجوعةٌ على فراقك يا زعيمَنا الأغرّ.. وقلوبُنا مُدماة، وما زلنا عاجزين عن إيجاد عباراتٍ تعكسُ ألـَمَنا وتُصوّرُ مشاعرنا المبعثرة على امتداد عمر عشناه دفاعاً عن فلسطين.
يغيب الجسد ويبقى "الختيار" حاضراً في القلب والروح.. في همة شبابه الرجال... في خطوات الأطفال... في أجراس كنيسة المهد وعنفوان المسجد الأقصى.. في شوارع أريحا وتضحيات غزّة الأبيّة.. وفي غصن الزيتون.
رئيسنا الشهيد.. نراك كل يوم في عيون شعبك التي زادها الدمع على فراقك بريقاً.. نراك في عيون أطفال فلسطين الذين علَّموا العالم أبجدية الشهادة من دون أن يتعلّموا في مدارسهم أبجدية الحروف... نراك في عيون النساء والكهَلة الذين يرون أمام أعينهم قصورَ العرب، ويحملون على ظهورهم تقصيرَ العرب.
أينما نذهب، نسمعُ صوتك المحبَّب وكلماتك النابضة بروح الحكمة والحب والنصيحة والإرشاد.
بكَ شمخَت نفوسُنا، وعلَت هممُنا، ورفعَت فلسطين اسمها عالياً في مشارق الأرض ومغاربها.. فكيف لا نفتخر بك وأنت العربي الخالص العروبة، والزعيم الصادق الرسالة، والرمز الخالد، والسياسي المحنّك الذي ربط السياسة بالمبادئ والأحلام، فأبى أن يستسلم أو ينهار.
عزاؤنا في غيابك أنك باقٍ فينا.. باقٍ في قلوب أبنائك ورجالك الرجال.. باقٍ في وجدان الوطن.
نحن باقون هُنا.. في الأرض وعليها.. بلا استسلام ولا اندحار. مزروعون في أرضنا كأشجار الزيتون الأبيّة.. ملتصقون بها كحجر تاريخي لا تأكلُ منهُ قساوةُ الظروف.. نتنقّل بين مشارق الأرض ومغاربها، نُسافر من غربة إلى غربة، ونبقى نرددُ اسمَ فلسطين عالياً على مسامع البشر.
اليوم نعاهدُك بأننا سنبقى أوفياء لنَهجكَ حتى يتحقّق النصر.. حتى يرفعَ شبلٌ أو زهرةٌ من أطفالنا علمَ فلسطين على أسوار القدس ومآذنها وكنائسها.
لن ننسى ولن نسامح.. ولن نغيرَ جِلدَنَا المصبوغ بالحقد على من اغتصب وقتل وتناسى ولعب بنار الذاكرة.