لقد أصبح أقسى ما يتعرض له اللاجئ الفلسطيني من سوريا هو التفكير بمصيره في ظل الضباب الذي يلف مستقبله وكل اللاجئين.
 فأمام ضغوطات ما يسمى بحملات الدعوة للهجرة الجماعية إلى الدول الأجنبية والتي يروج لها بائعي الوطن، والذين تحركهم جهات لها أهداف سياسية بحتة فحواها حرق آخر أوراق حق العودة إلى فلسطين التاريخية، نجد أن هناك عوامل تساعد على دفع ذلك اللاجئ للقبول مرغماً بالهجرة إلى الخارج. بدل أن تقوي مقومات صموده أمام ظروفه غير المعقولة في زمن فرض وقائع الشرق الأوسط الجديد.
فمنذ إغلاق الحدود اللبنانية السورية في وجه اللاجئ الفلسطيني من سوريا في أيار 2014 تقلص مدى  تجوال المهجر بسبب إمكانية اعتقاله، لعدم تسوية وضعه بالنسبة لإقامته في لبنان ، كل ذلك  لأنه لم تتم معاملته على أنه لاجئ ومهجر في ظروف قسرية وصعبة،  بالإضافة إلى تعرضه كمهجر  لبعض أشكال المعاملة العنصرية واللا قانونية الفردية التي ترتدي ثوب الرسمية، مما يؤدي لاعتقاله فورا على الحواجز، أو المعاملة غير الرسمية ضمن أماكن سكناه المؤقت .
 وفي جهة مقابلة يتعرض هذا اللاجئ الفلسطيني المهجر من سوريا إلى تلك النظرة القاصرة والتي بدأت تنتشر بحجة خشية البعض على مستقبلهم، الذي يرون فيه أن هذا المهجر يزاحمهم في لقمة عيشهم، رغم أن سوق العمل معدوم في لبنان إلا ما ندر لهم، وقبل وصوله هذا البلد، فلقد وجد نفسه أمام جشع أرباب عمل بعض الشركات والمعامل، التي أنهت خدمة العمال المقيمين في لبنان واستخدمته كعامل بائس ٍ بأجرٍ زهيد، وهو يتساءل لماذا لا يتم تحويل هذا التحامل ضد أرباب العمل ، فاللاجئ المهجر لا حول له ولا قوة، هذا بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية المتردية في لبنان والأوضاع الأمنية المتهاوية نحو فوضى غير محمودٍ عقباها.
ويرزح أكثر من 45 ألف لاجئ فلسطيني مهجر تحت هذه الظروف، كما  ذكرت مصادر الأونروا، رغم وجود أكثر من هذا العدد بكثير لم يسجلوا في ملفات الأونروا في لبنان لأسباب عدة.
كل هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين المهجرين قسرا ً من سوريا، يعبرون عن خوفهم من الترحيل في ظل كل المؤشرات لذلك وبأشكال متعددة، أو إعادتهم إلى سوريا قبل إنهاء الأزمة واستتباب الأمن والاستقرار.
صحيح أن هذه المرحلة تبدو أنها الأصعب لكنها الأقرب إلى النهاية، فالإسرائيليون يسارعون لرمي كل الكتل الإسمنتية أمام مرور الموكب الفلسطيني الذي يحث الخطا نحو الاستقلال،
 لا بل ويدمرون كل البنى التحتية من أجل تأخير إقامة كل ما يجب ترسيخه فلسطينياً على الأرض ، كي ينفذوا المشروع الصهيوني ولم ينفكوا عن ذلك.
الهجرة الجماعية، ذلك الشر الذي لابد منه كما يراه هؤلاء المتعبون من الحرب والتشرد والإهمال لقضيتهم، تتقاذفهم أمواج الغربة في بلاد ذوي القربى، فيحرقون أنفسهم بأيديهم راضين ومجبرين في آنٍ معاً، ورافضين في ذات الوقت مجرد فكرة اتهامهم ببيع وطنهم فلسطين، معللين هجرتهم للدول الأجنبية أنها الأسهل لعودتهم إليه، والطامة الكبرى أنهم يجهلون بالأخطر المحدق، وهو أن كل لاجئ ٍ يصبح خارج مناطق خدمات الأونروا المسؤول الأول عنهم، سيكون أول حجة للأونروا لتقليص خدماتها المتقلصة أصلاً، لأنها غير معنية بلاجئ أصبح خارج مناطق خدماتها قانوناً، وبالتالي إنهاء هذه الخدمات ، والأشد خطورة أيضاً ما يأتينا من أخبار وشكاوى يقدمها اللاجئون الفلسطينيون الذين وصلوا بالفعل إلى بعض دول المهجر ، وهي مصادرة كل أوراقهم الثبوتية وإتلافها مقابل إعطائهم الإقامة هناك، فلا يتم تخييرهم، أو إبقاء أوراقهم الثبوتية معهم، التي وصلوا بها إلى هناك ،والتي تقول بأنهم لاجئون فلسطينيون .
ذلك يكشف بشكل ٍ واضحٍ وفاضح، الابتزاز السياسي والإنساني لقضية اللاجئين، واشتراك تلك الدول في جريمة وأد حق العودة، تحت عنوان قانون الدولة التي استقبلته؛ فلن يستطيع ذلك اللاجئ بعد هذه الإجراءات أن يرفع أي قضية في المحاكم الدولية من أجل عودته لفلسطين التاريخية ، أو حتى أن تكون أوراقه التي تثبت أنه كان لاجئاً فلسطينياً في إحدى الدول العربية وثيقة تاريخية تدين وتجرِّم  كل من سماه لاجئاً هائماً في بلاد الغربة دونما هوية.
إذن إتلاف هذه الوثائق هو الإسفين الأخير الذي يـُدَقُ في نعش جنسيته الفلسطينية، وبالتالي لن يعود إلى فلسطين إلا غريباً حاملاً جواز سفرٍ أجنبي، يعترف بدولةٍ كانت ستمثله يوما، لو أن طرقاته أخّـرت مواعيد رحيلها في الربع الساعة الأخير، وبذلك هو لن يعود لها فلسطينياً أبداً.
هذا الممر القذر الذي يـُدفـَع له الفلسطيني مجبراً، لا يجد من يعبِّد طرقاً لبدائل تحميه وحقه وجنسيته ، في ظل تكالب الأمم على وطنه الممزق والذي يستشرس فيه الأخ للإجهاز على أخيه، وضمن أجندات إقليمية ودولية وعميلة للإحتلال الصهيوني الإسرائيلي.
و تستجد مشاكل يقع فيها اللاجئ كل لحظةٍ تحت سياط التعامل السلبي من قبل الأونروا والدولة اللبنانية والمؤسسات المعنية؛ لتتراكم وتتعاظم المشاكل ، كلما ازدادت مدة اللجوء وعدم الحل لمشكلة هؤلاء اللاجئين، مثل مشكلة انتهاء مدة صلاحية وثيقة السفر المؤقتة للاجئين وعدم القدرة على تجديدها سواء مادياً، عن طريق السفارة السورية، أو عبور الحدود رجوعاً إلى سوريا لتجديدها، حيث أقفال الحدود تزيد صلابتها لتمنعهم من الرجوع، وكذلك الشباب الذين يخشون وضعهم تحت المراسيم الجديدة الصادرة في سوريا، ويرفضون أن يحسبوا على أحد أطراف الصراع السوري حيث الموت وضياع مستقبلهم، خاصةً أنهم اختاروا الحياد كفلسطينيين منذ بداية الأزمة السورية. أو اعتقالهم في سجون دول عربية تطبق قوانينها ضد الهجرة غير الشرعية، بينما تسمح لعتاولة المافيات فوق أرضها، بأن تتاجر بدمائهم وإنسانيتهم.
إن اللاجئ الفلسطيني يدور في متاهة حقيقية وتتلاعب به كل الأطراف كريشة في مهب الريح
رغم أنه يعرف عنوانه الافتراضي، فلسطين، لكن ثمة من يغيـِّر الخارطة، ويحاول سحب الذرائع بمزيد من إيجاد ظروف تخنق ذلك اللاجئ وتعمق هوة التيه، بمزيدٍ من الجرائم المرتكبة بحقه.
ورغم كل هذا الظلام، يبقى مصدر قوة الشعب الفلسطيني هو حقه المشروع، وكذلك السياسة الفلسطينية المتبعة في السنوات الأخيرة دولياً، خاصة الساحة الدبلوماسية التي حصد فيها نتائج مبهرة أحرجت الإسرائيليين وحشرتهم في الزاوية، ولا تزال القيادة الفلسطينية تواصل في هذا المجال.
 وما يدعم مسيرتهم الآن هو بداية تخلخل الجبهة الدبلوماسية  للسياسة الإسرائيلية، وتخلخل الانحياز المفرط سابقاً لهم، والذي تجسد بالاعترافات المتوالية بالدولة الفلسطينية من قبل دول لها مكانتها الدولية، وأيضاً انجرار دول كان لها الدور الأساسي في جريمة احتلال فلسطين، وذلك عبر وضع موضوع الاعتراف بالدولة الفلسطينية على أجندة برلماناتها؛ ناهيك عن أن الفلسطينيين يراهنون على التغيير الإداري في مجلس الأمن الذي سيلحق الخسارة بإسرائيل على جبهتها الدبلوماسية مع مطلع العام القادم.
لذلك نقول أن إيقاد النار تحت طبخة مشروع التهجير للاجئين الفلسطينيين، وتسريعه، بالإضافة لما يمارس على الأرض الفلسطينية، من تهويد للقدس والضفة، وإجراءات تعسفية تفرض وقائع معينة، هو اعتراف رسمي بأن الدولة الفلسطينية قادمة.
هذا الاعتراف الذي يريدونه بقالب يناسب أهدافهم الإحتلالية والاستعمارية، والحرب سجال لشعب كتب عليه الجهاد حتى يوم القيامة.
 لذلك أرى أنه بقدر ما يتحمل الشعب الفلسطيني شدة القيد على المعصم وممارسة سياسة العض على الأصابع  بقدر ما سيتمتع اللاجئ الفلسطيني بتنسم هواء  الحرية في ربوع وطن تعلو فيه رايته شامخة ً في دولة فلسطينية هي أحق به مواطناً يمارس مواطنته وكرامته التي هدرت على حدود بلدان القريب قبل الصديق.