نحن في حركة فتح من حيث المبدأ نرفض التدخل في شؤون الآخرين، كما أننا لا نقبل من أحد أن يتدخل في شؤوننا، بمعنى أن يفرض رؤيته علينا. لكن عندما يتعلق الامر بالقضية الفلسطينية، ولأنها القضية المركزية للامة بكاملها فإن الأمر يختلف، فكيف إذا كان لبنان توْأم فلسطين في محنة؟!.
وعندما نتجرأ بالحديث عن لبنان ومواجع لبنان فلأننا عشنا وما زلنا نعيش حالة شراكة متقدمة، شراكة الخندق الواحد، والدم الواحد، والمصير الوحيد، والسلم الأهلي الواحد، فكما أن الشباب اللبناني من نسيج شهدائنا، كذلك فإنَّ شعبنا الفلسطيني في لبنان أصبح جزءاً لا يتجزأ من نسيج المجتمع اللبناني، واقعاً معاشاً، أمناً وأماناً، بناءً وعطاءً.
وكما نقول بأن فلسطين ليست لنا وحدنا، كذلك لبنان ليس للبنانيين وحدهم فالشعب الفلسطيني الذي مضى على وجوده في لبنان ستة وستون عاماً هو معني بأن يكون لبنان مستقراً وموحّداً ومتآخياً، تحكمه الوحدة الوطنية، والديموقراطية، والحريات على اختلافها، نحن معنيون أن يعمَّ لبنانَ التعايشُ والوئامُ واللا مذهبية، واللاطائفية، لأنّ هذه هي صورةُ لبنان الحقيقية، وهذه هي صورة الشعب اللبناني الذي غزا العالم بحضارته ورقيه، وعلَّم الشعوب كيف يكون الانفتاح، والحوار الديموقراطي، والخروج من الازمات.
هذه الصورة التي نتمناها للبنان هي التي نعشقها، ونضحي مع لبنان من أجلها، ونأمل أن يعود الوعيُ إليها، وأن ينتصر العقلُ على العنفِ والدم.
عندما يكون لبنان التوأمُ في صورته المعهودة عبر التاريخ تنتعشُ القضية الفلسطينية، وتستعيد جزءاً مهماً من حيويتها وبريقها وحضورها لأن لبنان وبكل صراحة هو الذي شكّل متنفِّساً قومياً لفلسطين وشعبها، ومنْبراً حراً معبِّراً في الأزمات والتعقيدات وعند التحديات.
أعذرونا إذا ناشدناكم أن تصونوا مؤسسة الجيش، وان تحافظوا عليها قويةً لأنِّ في ذلك قوةً لكل اللبنانيين، فهي السياج الذي يحمي الوطن، وحدة لبنان واستقلاله، واذا انهار السياجُ لا سمح الله ستدخلُ الذئابُ والثعالبُ والضباعُ وتتجرأ عليكم وعلينا، وعلينا أن لا ننسى بأن الحركة الصهيونية التي صنعت الكيان الاسرائيلي هي الموجودة على الحدود، واصبحت تتحكم وترسم في مختلف العواصم، وهي تنتشي لرؤية دمائنا تنزف، وأجسادنا تتمزَّق، ومدننا تحترق.
يا أهلنا في لبنان لماذا لا ينتصر العقلُ على العاطفة؟ ولماذا لا يتغلَّب المنطق على العشوائية؟ ولماذا نستسلمُ للشارع المضطرب ونترك الحكماءَ والعقلاء؟ نحن الفلسطينيين تتفطِّر قلوبنا وتنزف ألماً ودماً ونحن نرى أبناء لبنان تتمزقُ أجسادُهم برصاصٍ لبناني، نحن خائفون على لبنان وفلسطين وهي صرخةٌ نطلقها مدويَّةً لأننا لا نجد مبرراً لما يجري من قتل وتدمير، فالمنتصر الوحيد هو العدو الاسرائيلي ولا أحد غيره لأنه هو الذي يعيش ويقتات من الفتن المذهبية والطائفية، وتحريك النعرات والخلافات واستعارها.
صدِّقونا بأنّ وحدتكم قوة لنا، وانتصارٌ لقضيتنا، وسلاحٌ مهمٌّ في معركة عودتنا.

الصراع مع الاحتلال وصل إلى النقطة الساخنة:
القضية الفلسطينية اليوم أمام تحديات خطيرة ومصيرية وتستدعي من الشعب الفلسطيني أولاً والامتين العربية والاسلامية وقفةً جادة ومسؤولة حتى لا تتكرَّس التحوُّلات الجديدة التي رسمتها القيادة الاسرائيلية بالتعاون مع الولايات المتحدة واقعاً كاملاً يصعبُ تغييره.
لا شك أنَّ المشروع الإسرائيلي الذي يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي قد قطع شوطاً، والعنصر الوحيد الذي يواجه اليوم المخططات الاسرائيلية هو العنصر الفلسطيني وهو المستعد للتضحية بدمه وأبنائه، لكنه يفتقد لطاقات وقدرات الأمة العربية أولاً فالإمكانيات المادية معدومة، والدعم السياسي شبه غائب ومغيَّب، والمساندة الإعلامية خجولة، والعسكرية لا مجال للتحدث عنها لأنه لا أساس لها.
يأتي تنفيذ المخططِ التصفوي الإسرائيلي للقضية الفلسطينية في أجواء عسكرية وأمنية وسياسية مدمّرة للوطن العربية بتخطيط أميركي تحت شعارات وعناوين مختلفة أبرزها الحرب على داعش لأنها إرهابية، بينما العدو الاسرائيلي الذي دمَّر قطاع غزة وقتل وجرح ما يزيد على أربعة عشر ألفاً من الفلسطينيين لم يحرِّك له العالمُ المتحالف اليوم ساكناً، إنه العهرُ السياسي بل الخداع السياسي، واكثر من ذلك فإن ما يجري اليوم من حروب مفتعلة ومُخطط لها انما تتم وتستمر حتى يُنهي العدو الاسرائيلي الاجراءات المطلوبة في الاراضي الفلسطينية من حيث السيطرة الامنية والعسكرية الكاملة، ومن حيث الاستيطان المتواصل المتفاقم، وأيضاً من حيث تهويد المقدسات الاسلامية والمسيحية، وبالتالي إعلان الدفن الرسمي لاتفاق أوسلو الذي نص على إقامة الدولة الفلسطينية في العام 1999، وهذا يعني الانتهاء من مقولة حل الدولتين، أي لا مكان في الاراضي الفلسطينية لشيء اسمه دولة فلسطينية مستقلة، ولا وجود لعاصمة اسمها القدس، باعتبار القدس الموحدة عاصمة الكيان الاسرائيلي حسب اعتقاد حكومة نتنياهو، وهي المصرَّة على تجاهل أي نداء دولي، وعدم الالتزام بأي قرار صادر عن الشرعية الدولية، في إطار المخططات الإسرائيلية التصفوية هناك نقطتان بارزتان:

تهديد القدس ومقدساتها:
الاستيطان إلتهمَ القدسَ وبشكل مدروس لتقسيم أحيائها، وعزل القدس عن المحافظات المجاورة، والاحياء العربية في المدينة تشهد حالة اختناق، فالبناء ممنوع، وتدمير البيوت بشكل يومي، ومصادرة الاراضي عملية لا تتوقف، ونشر حالة الرعب بين الاهالي، وخطف الاطفال، واعتقالهم وتعذيبهم، وتعقُّب البعض لقتلهم بطرق بشعة كما حدث للطفل محمد حسين أبو خضير، والطفل عروة حماد، وعبد الرحمن أبو شلودي، ويأتي ذلك في إطار نشر حالة الرعب والاحباط ودفع الأهالي للانتقال إلى محافظات أخرى، وترك بيوتهم، أو الهجرة خارج فلسطين، والفلسطيني يصارع كل هذه المخططات والتحديات باللحم الحي، ويقف وحيداً في ساحة التحدي.
ولا شك أن الصورة الأخطر هي عملية العدوان اليومي على المسجد الأقصى وتدنيس باحاته وترابه من قبل المستوطنين بدعم كامل من جيش الاحتلال الذي يؤمّن لهم الحماية الكاملة، وفي الوقت نفسه يقوم بالإعتداء على المرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى المدافعين عن مقدساتهم، ويستخدم الجنودُ العنف والارهاب ضد النساء خاصة كما حدث مع الدكتورة عبير زيَّاد وهي من دائرة الاوقاف في المسجد الأقصى. هذا المشهد العدواني الخطير أصبح يومياً وليس في المناسبات، وكافة الترتيبات الاسرائيلية تتعمَّد إنجاز التقسيم المكاني والزماني للمسجد الأقصى، أضف إلى ذلك مشروع القرار الذي سيناقشه الكنيست بسحب الوصاية الاردنية في المسجد الأقصى، وتكريس الوصاية الإسرائيلية الكاملة عليه، ولا ننسى عشرات الكُنس التي تم بناؤها حول السور المحيط بالأقصى، والحفريات الخطيرة التي تتم تحت المسجد الأقصى بشكل متواصل والتي باتت تهدد المسجد الأقصى بالسقوط تمهيداً لبناء هيكل سليمان كما يدَّعون ويخططون، علماً أنه حتى الآن لم يؤكد أي مؤرخ أو عالم آثار وجود أي أثر لهيكل سليمان في هذا المكان.

الحل التصفوي يطالب بدولة فلسطينية خارج الأراضي الفلسطينية:
إنّ أخطر ما تواجهه القيادة الفلسطينية هو الاصرار الاسرائيلي الأميركي على أن الدولة الفلسطينية الممكنة يجب أن تقوم على أرض سيناء وقطاع غزة، وهذا هو المشروع القديم المتجدد، والذي بشِّر به مجدداً عوزي أراد في مؤتمر هرتسيليا العام 2004 وان الدولة الفلسطينية إن لم تكن في الاردن، فستكون على أراضي غزة الكبرى أي قطاع غزة الممتد إلى سيناء، وهذا ما كرَّسة شارون عندما سحب جيشه والمستوطنين من قطاع غزة ونقلهم إلى الضفة الغربية، ولهذا السبب فإن الرئيس أبو مازن ومعه القيادة الفلسطينية قاتلت بجهد متواصل من أجل إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة لضرب هذا المشروع الاسرائيلي الاميركي البديل عن الدولة الفلسطينية المستقلة على الاراضي المحتلة في 4 حزيران 1967، وما زالت المعركة السياسية والجغرافية محتدمة من أجل ربط قطاع غزة بالضفة الغربية وليس بسيناء.
واذا ما عدنا إلى تصريح رئيس الكنيست موشي فيغلن الذي نادى بإلقاء أهل غزة في سيناء لإقامة الدولة الفلسطينية هناك حيث يتم الضغط على المصريين لتقديم المساحة الكافية من سيناء لاستيعاب اللاجئين الفلسطينيين هناك والتخلص من موضوع عودة اللاجئين، فالعودة تكون إلى سيناء وليس إلى الاراضي المحتلة العام 1948 التي شُرِّد منها الفلسطينيون.
ومن حقنا هنا أن ندعو الجميع وخاصة في لبنان إلى الحؤول دون تدهور الاوضاع فيه، وان يكون القرار السياسي واضحاً بتقديم الغطاء الكامل لمؤسسة الجيش للحفاظ على وحدة لبنان وأهله، ومخيماته، ونحن نخشى إن تدهورت الاوضاع لا سمح الله أن يُشرِّد الفلسطينيون تحت كابوس الحرب وفتح الطريق أمامهم إلى سيناء لإتمام الخطة الاميركية الاسرائيلية. الوضع جدًّ خطير، ونحن لنا نستسلم وسنقاوم، والثورة مستمرة حتى النصر.