يصح القول، إن بعض الإعلام، وبخاصة المتلفز منه، هو إحدى محن المحروسة مصر التي يعرف الأبعدون والأقربون، من العرب والمسلمين، روحها وجمالها وقيمتها الرفيعة. وللأسف، يقوم على بعض الإعلام، سطحيون وعديمو ثقافة بالتاريخ بالاجتماع في بلدهم، وفي الجوار الشقيق المحب لمصر ولشعبها. وهؤلاء يستثمرون الأحداث التي تؤلمنا جميعاً، لإخراج ما في نفوسهم، وهم أصلاً من الوسط الإعلامي المدلل نفسه، الذي أسهم في تردي الأحوال وإطالة أمد الحكم الذي شطب الطبقة الوسطى، ورمى الناس في قاع التهميش لتعاني شظف العيش. فكلما ضرب الإرهاب الحقير في سيناء، يعود هؤلاء الى التعليل السخيف ويهجمون على فلسطين والفلسطينيين، علماً بأن الإرهابيين في اليمن وسيناء وسوريا والعراق وغيرها عابرون للجنسيات. وفي سيناء هناك إرهابيون من 42 جنسية حسب تصريح لمسؤول في مؤسسة سيادية. وسجلت مراكز البحوث والدراسات، من بين ما سجلت، ظاهرة في إهاب المفارقة، وهي أن العنصر الفلسطيني نادر في مجموعات "السلفية الجهادية" البغيضة في أماكن حضورها، وهذا صحيح لأن الوجع الفلسطيني كان وما زال وسيبقى من الاحتلال الصهيوني حصراً. ومن هو ذلك الفلسطيني المخبول الذي سيموت منتحراً لكي ينتعش إرهابي يتلطى بأحد أسماء الصحابة أو بالصفات والألقاب النورانية كالبراء وحفص ومصعب وسواها؟. فالعنصر الفلسطيني عند هذه الجماعات أقل من عدد حسناوات المناكحة الأوروبيات مليحات الخلقة ملطوشات العقول، اللاتي يلتحقن بالقطار المجنون، ناهيك عن أعداد الرجال من ذوي الرطانة بكل لغات العالم. ومن هو الفلسطيني الذي ستكون ثرثرات المعتوهين الإرهابيين، قادرة على شطب وعيه بمآثر مصر وشعبها وبأهمية الأواصر الكثيرة معها؟
ولنفرض أن هناك من الفلسطينيين حفنة فقدت عقلها، فهل يكون الشعب الفلسطيني مشمولاً كله بردود الأفعال؟ إن كان الأمر كذلك، فماذا نقول عن رأس الأفعى أيمن الظواهري المصري وشقيقه "محمد" الذي يقال إنه في سيناء يشرف على تنفيذ الأعمال الإجرامية؟. هل نقول إن مصر والمصريين، هجموا على مصر والمصريين؟ وهل نقول إن مصر والمصريين هجموا على سوريا والعراق، بجريرة وجود مصريين ضمن مجموعات الإرهابيين فيها؟
لأن البعض السطحي الذي ابتليت به مصر في إعلامها، تعجز ثقافته عن التعليل؛ فإنه يتذاكى ويهذر ضد الفلسطينيين وكأنه انتشل الزير من البير. وشاءت المصادفات أن تكون "حماس" هي التي أمسكت بمقاليد الأمور في غزة. والمصادفة بطبيعتها، تتشكل من اجتماع بعض المعطيات. لدينا أيضاً مُعطيان آخران يدخلان على خط مصر، الأول هو وجود مشكلة لجماعة "الإخوان" المصرية مع الدولة، والثاني أن "حماس" تعاطفت مع الطرف "الإخواني" بحكم انتمائها للجماعة. نصحناها أن تركز على فلسطين، وأن تتقدم بالتماس لمشيخاتها العربية لكي تعفيها من هذا الموقف، لأننا الحلقة الضعيفة في صراع الجبابرة، ولدينا مصالح ذات علاقة بالحياة والموت والمصير مع الدولة في مصر. لكن هذه هي علة الأحزاب الأيديولوجية، التي تأسرها مراكز التوجيه. وعلى الرغم من ذلك كله، نكرر القول إن العنصر الفلسطيني مجبول على محبة مصر، ولا تقوى روحه ولا نفسيته، على قتل جندي من جيش له شهداؤه في فلسطين. لو اختارت "حماس" بشجاعة الموقف الوطني الصحيح، إعلامياً وسياسياً، ومارسته وأظهرت براهين التزامها به؛ لما كانت في مرمى سهام البعض السطحي في الإعلام المصري.