بدأت إسرائيل حربها على المحافظات الجنوبية في قطاع غزة بهجمة مبيّتة على المحافظات الشمالية في الضفة بأكملها منتهزة خطف وقتـل ثلاثـة مستوطنين في منطقـة الخليـل. تشن عدواناً وحشياً على مختلـف محافظات الضفـة بدعـوى اجتثاث حماس في الضفة.. وهـذا بالنسبة للاحتلال غير ممكن دون إضعاف الحركة في غزة.
إذاً فالعدوان جرى التخطيط والتحضير له مسبقاً بعد إعلان حكومة الوفاق الوطني وإنجاز الوحدة والمصالحة الوطنية وكذلك بعد توقف المفاوضات وتحميل العالم مسؤولية فشلها لحكومة تل أبيب، وجاء العدوان في محاولة بائسة لكسر إرادة الشعب الفلسطيني وقيادته الحكيمة ومقاومته الباسلة ومحاولة لنزع القرار المستقل الذي تمثل بالمصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام. ولإفشال حكومة الوفاق بعدما اقتربت حماس من السلطة. لكن ردّ شعبنا وصموده الأسطوري كان رداً أذهل المحتلين كما أذهل العالم، من خلال مقاومته الباسلة بكل فصائلها وأجنحتها والتطور النوعي لوسائل المقاومة والدفاع عن النفس عن طريق بناء ستراتيجية ردع فلسطينية.
لقد سعى الاحتلال طوال الوقت لخلق وتأجيج التناقضات بين أطراف الوفد الفلسطيني الموحد، وبين الوفد ومصر ذلك أن الاحتلال الاسرائيلي كان يفضل التعامل مع حماس وحدها لإبقاء الانقسام وتدمير المصالحة. لكن الوفد الفلسطيني حافظ على وحدته وتماسكه وتمسكه بالمطالب الفلسطينية. وكان ذلك هو الانجاز السياسي الأهم خلال مرحلة التفاوض، وهو أمر يعّزز مصداقية توجه كافة الفصائل نحو تحقيق المصالحة.
لم تكن الحرب ضد غزة وحدها.. ولا ضد القدس والأقصى الأسير الجريح أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، الحرب على كل الرؤوس أينما كانت. فشعبنا الفلسطيني هناك هو الدرع الحامي للمقدسات الاسلامية والمسيحية، وهو المرابط في الثغور دفاعاً عن امتنا كلها وعن كرامتنا وحقنا في الحياة كباقي الأمة. تلاحظون أيها الإخوة، استهداف العدو لأطفالنا فغالبية الشهداء هم من الأطفال، إضافة إلى النساء والشيوخ والمقعدين. هذه همجية الاحتلال التي بزت النازية في إجرامها. أتدرون لماذا استهدافهم أطفالنا ؟!
أنا أقول لكم.
لقـد كان الرئيس الراحل الرمز أبو عمار يعلــن دائماً ان شبــلاً أو زهـرة مـن أشبـال وزهـرات فلسطـين سيرفـع العلـم الفلسطيني فـوق أسوار القدس ومآذنها وكنائسها..، لذلك هـم يخافون الأطفال الأشبال والزهرات.. وجربوهم في معركة قلعة الشقيف في جنوب لبنان في العام 1982.. يقتلونهم كما رأينا في الشجاعية وخزاعة وبيت حانون وجباليا وبيت لاهيا وغيرها حتى فاق عدد الشهداء الأطفال الـ(500) شهيد. وهم أيضاً يعتقلونهم وهناك الآن أكثر من (400) طفل في المعتقلات الاسرائيلية.. وما جريمة الطفل محمد أبو خضير وحرقه وهو حيّ الاّ خير شاهد على حقدهم الأعمى هذا على الأطفال.
إن غزة والقدس لا تنتظران منكم كيساً من الدقيق أو حبّة دواء. إنهما خارج الشفقة، فالقلب ينبض والشرايين دافقة. المطلوب ان تحموا جرحاً في الخاصرة فإذا ما سقطت غزة وهوّدت القدس سقط الجميع من عرب وعجم.. مسلمين ومسيحيين وأحرار العالم.
المحتلون عرفوا معنى الخوف والرعب..عرفوه في معركة الكرامة الخالدة في العام 1968 عندما تصدى الفدائيون الفلسطينيون بقيادة حركة فتح والجيش العربي الأردني لجحافل الجنرال موشي دايان في ذلك الوقت، ودمروا مقولة الجيش الذي لا يقهر.
وعرفوه في صمود بيروت في العام 1982 عندما تصدت قوات الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية لجحافل الجنرال شارون مدة 88 يوماً.. وعرفوه في العام 2006 عندما لقنتهم المقاومة اللبنانية درساً عظيماً وطردتهم من أرض لبنان الاشم.
وعرفوه اليوم في غزة الشموخ عندما تصدت المقاومة الفلسطينية بكل أجنحتها العسكرية من حماس وفتح والجهاد وغيرها لجحافل وطائرات نتنياهو طيلة واحد وخمسين يوماً.
لذلك انتصرت إرادة شعبنا الموّحد ورُّسخت وحدتُنا فوق أرض المعركة. وسنعاود البناء وبلسمة الجراح. فمن حّقنا ان نعيش كباقي الشعوب وننهي الاحتلال البغيض. لا تكفينا قرارات الشجب والإدانة والكلام المعسول الذي نطرب له..نعم هذا جيد ولكن قليلاً من الزيت نسرج به أقصانا.. أضغطوا على حكوماتكم للمساهمة في إعادة البناء وإعادة الأمل إلى أطفال وأرامل وشيوخ غزة التي تخرج من تحت الأنقاض شامخة عزيزة، ولا تنتظروا الدول المانحة ووعودها، وليكن هناك مشروع من كل برلمان يقضي باقتطاع مبلغ بسيط من كل مواطن لإعمار غزة.