بعد أن أقلقنا التجاهل الأميركي اللافت، لتطرف حكومة نتنياهو، ولانسداد أفق التسوية المتوازنة للقضية العربية المركزية، اثناء التحرك لحشد التحالف ضد «داعش»؛ رَشَحَت أنباء من الجلسة الأخيرة للجنة الحوار الاستراتيجي الأميركي الاسرائيلي حول خطر «داعش» وفيها ما يؤشر الى أن إسرائيل التي شنت حرباً إجرامية على غزة، واقترفت جرائم حرب، ستكون حاضرة فعلياً بدون اسمها الظاهر، ضمن التحالف لشن حرب عالمية على التنظيم الإرهابي. وفي هذا السياق، لا يُخفي المحتلون رغبتهم في «تدعيش» حركة «حماس» والتنبيه الى كون ما يسمونه «الخطر الإيراني» سيزداد ويتفاقم بعد إبادة الهدف المُعلن وهو تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام»!
من هنا، نلاحظ أن إسرائيل في هذا السياق، تعتمد منحى لا يقل في قبحه المضمر وفي مقاصده، عن قبح «داعش» ومقاصدها، وبالتالي إن الحرب على هذا الفئة باتت مسبقاً، فاقدة لعنصر التوازن والعدالة، طالما أن إسرائيل تنصّب نفسها طرفاً معنياً بمحاربة الإرهاب، بينما هي تمارس إرهاب دولة أفظع وتتعمد إدامة الصراع والتوتر في المنطقة، وباتت جرائمها أحد عناصر الغضب الذي يستغله متطرفون جهلة ويصنعون منه تنظيمات إرهابية.
الصحافة الإسرائيلية نقلت أمس على لسان ضابط إسرائيلي كبير، قوله:«لن أسقط مغشيّاً عليَّ، إذا ما علمنا بعد ستة أشهر، عن إنشاء فرع لداعش في طوباس، أو سمعنا أن شاباً من يافا، سافر للقتال في سوريا». ففي مثل هذه التصريحات، يتعمد المحتلون إقناع الولايات المتحدة والغرب، أن البيئة العربية هي الفضاء المعادي لهم، وأنها بيئة منتجة للإرهاب المجاني الذي بلا قضية، وأن الشعب الفلسطيني حتى في الأراضي المحتلة عام 48 هو جزء من هذه البيئة التي لا علاج لها ولا كبح لجماحها بغير بقاء الاحتلال. كأنهم يقولون إن للاحتلال نتائج حميدة، وأنه ضمانة القضاء على الإرهاب وليس سببه أو أحد أسبابه المهمة التي أشاعت جو الإحباط في أوساط الشباب العربي.
وفي الحقيقة، لا يجد المحتلون من يزجرهم ويركز على دورهم التدميري في المنطقة، ويحملهم مسؤولية رفع منسوب الاحتجاج على الأنظمة والحكومات والعلاقات الذيلية مع الأميركيين، وهذا ما استغلته مجموعات ذات جذر ذي صناعة أميركية، وصنعت منه سحراً ينقلب على الساحر.
إن محاولة نتنياهو ربط الحرب العالمية على إرهاب «داعش» بما يسميه الإرهاب الفلسطيني، مع بقاء الموقف الأميركي على انحيازه لإسرائيل والإصرار على تعطيل أي قرار أممي عبر مجلس الأمن، لإنهاء الاحتلال ومعاقبة إسرائيل على جرائمها؛ يجعل المسعى الأميركي فاقداً للصدقية الأخلاقية. وكنا نطمح الى أن تستغل الدبلوماسية العربية، حاجة الأميركيين لعمل عسكري يشارك فيه العرب ضد «داعش»، لوضع كل النقاط على كل الحروف، وتفنيد السياسة الأميركية كلمة كلمة، لكي يضطر الأميركيون الى الاقتراب من موقف متوازن. فإن لم يشمل العمل الأميركي رؤية وعملاً ضد الاحتلال الإسرائيلي، أو إن ظل الأميركيون يؤيدون ويدعمون إسرائيل في ذروة العدوان، فإن البيئة المحبطة التي انتجت «داعش» ستظل تنتج المزيد من هذه الأنماط. فإسرائيل هي أسُّ البلاء وأصل الشر!