لم يكن موته مفاجئاً ولا مباغتاً، ولكن ما سوف يكون مفاجئاً هو غياب الاصوات الشامخة، المدافعة عن الحق والارض، والمعبّرة عن طموحات الشعب الفلسطيني، وغياب المشاعر الصادقة في تدبيج أروع القصائد. فغياب توفيق زياد ومحمود درويش والآن سميح القاسم، وقبلهم راشد حسين وميب بسيسو عن المشهد الشعري المدافع عن الحقوق الوطنية في وجه العدو الغاصب بالتأكيد سيكون له أثر كبير على التيار الشعري الثوري. فالقصائد التي كتبها قادة الحركة – الشعرية الفلسطينية امتدت جذورها الى الوطن العربي ووصلت الى مستوى الشعر العالمي الخالد. وستبقى هذه الحركة الرائدة رمزاً لكل الحركات الشعرية النضالية العربية والأممية في هذا العالم. اليوم برحيل سميح القاسم سقط الضلع الثالث من السوناتا الفسلطينية، وفقد الشعر الفلسطيني أقوى القامات على مستوى الفكر المقاوم والنهج الشعري الصادم لسياسات اسرائيل العنصرية والفاشية. فسميح القاسم وقف بصلابة ضد الخدمة العسكرية وتجنيد ابناء الطائفة الدرزية الكريمة بجيش العدو. فاعتُقل أكثر من مرة وفُرضت عليه الاقامة الجبرية بسبب مواقفه المناهضة للاحتلال، والداعمة للوحدة الوطنية ونبذ التفرقة والطائفية. لسميح القاسم أكثر من سبعين مؤلفاً معظمها دواوين شعرية كما وتوزعت اعماله الاخرى على الكتابات النثرية والمسرحيات والروايات. حاز على العديد من جوائز التكريم تقديراً لكتاباته وتُرجمت اعماله الى العديد من اللغات العالمية كالانجليزية والفرنسية والاسبانية والايطالية وغيرها. انتسب في مطلع شبابه الى الحزب الشيوعي مع توفيق زياد ومحمود درويش ليشكل الثالوث الفلسطيني الارضية التي يرتكزون عليها لمقارعة العدو في عقر كيانه. قصائد سميح القاسم راسخة في الوجدان الفلسطيني والعربي وستبقى كذلك. اشهر قصائده تلك التي غناها مرسيل خليفة: " منتصب القامة أمشي ... مرفوع الهامة أمشي.. في كفي قصفة زيتون .. وعلى كتفي نعشي وأنا أمشي وأنا أمشي". لشعر القاسم دور تحريضي ضد الغزاة الصهاينة، فهو يمزج بين الجمالية الفنية والنبرة الغنائية المقاومة. يقول في قصيدة " يا عدو الشمس".  "ربما تسلبني آخر شبر من ترابي/ ربما تطعم للسجن شبابي/ ربما تسطو على ميراث جدي/ من أثاث وأوانٍ وخوابٍ/ ربما تحرق اشعاري وكتبي/ ربما تطعم لحمي للكلاب/ ربما تبقى على قريتنا كابوس رعب/ يا عدو الشمس لكن لن أساوم/ والى آخر نبض في عروقي سأقاوم".
ستفتقد الحركات الوطنية الفلسطينية واحرار العالم شاعراً شامخاً كرّس فكره ونضاله وحياته وشعره من اجل القضية الوطنية الأم قضية فلسطين من اجل ان تبقى هذه القضية هي العنوان الأوحد في مختلف الميادين. يقول متحدياً العدو: "تقدموا تقدموا..كل سماء فوقكم جهنم...وكل أرض تحتكم جهنم.. تقدموا.. يموت منا الطفل والشيخ ولا يستسلم..  وتسقط الأم على أبنائها القتلى..ولا تستسلم.. تقدموا..بناقلات جندكم وراجمات حقدكم..وهددّوا.. وشرّدوا.. ويتمّوا.. وهدّموا.. لن تكسروا اعماقنا.. لن تهزموا اشواقنا.. نحن القضاء المبرم".
كان يحس في أيامه الأخيرة بدنو الأجل فخاطب الموت قائلاً: "يا ايها الموتى بلا موت، تعبت من الحياة بلا حياة، وتعبت من صمتي ومن صوتي".
سميح القاسم من ابرز شعراء فلسطين الذين عبروا بشعرهم عن معاناة الفلسطينيين فكانت حياته حافلة بالنضال والابداع ويعتبر رمزاً شعرياً خالداً في ضمير أمته العربية التي دافع عن قضاياها مستميتاً من أجلها، وحين استشعر موته سخر من الموت قائلاً له: "انا لا احبك يا موت.. لكني لا أخافك.. واعلم أني تضيق عليّ ضفافك.. واعلم ان سريرك جسمي.. وروحي لحافك.." كيف يخشى الموت وهو القائل لمرضه: "اشرب فنجان القهوة يا مرض السرطان كي اقرأ بختك بالفنجان". وهو يشعر باقترابه من الموت شيئاً فشيئاً منذ أن خاطب درويش في وداعه قائلاً له "خذني معك" كيف يخشاه وهو الذي سخر من الحياة واعتبر سيرة حياته "مجرّد منفضة". حقاً أنه شاعر الضمير والانتماء والعروبة والصمود والمدافع الأول عن قضايا الانسان والامة بالموقف والكلمة الجريئة، وهو الذي رأى في شجر الزيتون امتداداً لوالده ووالدته، ومن خلال أبنائه رأى الارض التي تشبث بها. سميح القاسم صاحب مدرسة شعرية "المباشرة الخلاقة" آثر الالتحام بالارض والوطن ولم يترك قريته الرامة، وهو مؤمن بأن قدر الانسان أن يعيش بأرضه ويدفن فيها، وها هو سيبقى فيها وتحت ترابها كسنبلة
 القمح ستولد منها سنابل.