حوار/  وسام خليفة

مع بدء العدوان الاسرائيلي الثالث على قطاع غزة في شهر تموز المنصرِم تعالَت الأصوات للتوجُّه لمحكمة الجنايات الدولية وللانضمام للمعاهدات والمواثيق الدولية لملاحقة اسرائيل وإدانتها على جرائمها، ولكن القيادة الفلسطينية تأخّرت في المثول للمطالب الشعبية والحزبية التي طالبت بذلك لعدم وضوح الصورة كاملة ودراستها لتبعات التقدم بهذه الخطوة. وفي حوار مع مستشار الرئيس للشؤون القانونية الوزير حسن العوري أطلعنا على تلك الاسباب والآفاق القانونية الـمُـتاحة امام الفلسطينيين كدولة بصفة عضو مراقب في هيئة الأمم المتحدة.

 

ما الذي منعَ السُّلطة الفلسطينية من التوجُّه لمحكمة الجنايات الدولية مع أن سيادة الرئيس محمود عباس كان قد وقّع في وقت سابق على 19 اتفاقية ومعاهدة قانونية دولية تختص بذلك؟

النية والإرادة الفلسطينية موجودة للانضمام لكل المعاهدات والاتفاقيات الدولية، ولكن السياسة تتدخّل بعض الشيء. وكان سيادة الرئيس قد بدأ بالتدرُّج للانضمام تدريجيّا للمعاهدات مُعطِيًا الولايات المتحدة فرصةً بناءً على طلبها للتريث قليلاً على أمل حدوث أي تغيير. وموضوع المحكمة الدولية كان مطروحًا منذُ البداية ولكنه سلاح ذو حدين، اي لك ما لك في المحكمة وعليك ما عليك، والحكمة احيانًا تقضي بعدم التصرف "بسلوك دول" لأننا لسنا دولة بعد، وبالتالي كانت السُّلطة تدرس كل المحاذير لنستفيد من تجارب الآخرين، خصوصًا أن معظم الدول العربية لم تنضم لهذه المعاهدات وبالأخص لبنان على الرغم من معاناته من الكثير من الاعتداءات الإسرائيلية، ولكن نتيجةً للعدوان الأخير وصَلنا الى قناعة بوجوب الانضمام لهذه المحكمة لكونها وسيلة دفاع تضاف للوسائل المتاحة لدى الشعب الفلسطيني، فنحن لا نملك الطائرات ولا الصواريخ والدبابات وما يحدث في غزة حرب غير متكافئة، وبالتالي لا يوجد لدينا وسائل للدفاع عن أنفسنا من اعتداءات اسرائيل، فكان لنا الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية، ولذلك طلب سيادة الرئيس من كافة الفصائل التوقيع على ورقة توافق فيها على التوجه للمحكمة، لا سيما أن الأمر ذو صلة بعملية المقاومة ومن المعلوم ان الفصائل الفلسطينية وقعّت كلها عدا حركتَي الجهاد الاسلامي وحماس، وفي مرحلة متأخرة أخبرتنا حماس بأنها غير معنية بالتوجه لمحكمة الجنايات الدولية لتعود بالفترة الاخيرة وتقول انها وافقت على ذلك، وقد تأخّر الرئيس بحسم هذه الخطوة كي لا تُستخدَم ورقةً للهجوم عليه من قِبَل بعض الجهات، ونحن الآن بصدد إعداد الطلب وبانتظار امر من القيادة بتقديمه لمحكمة الجنايات الدولية.

 

ما هي مفاعيل تقديم الطلب؟

عند تقديم الطلب سنكون تحت ولاية المحكمة الدولية على الاراضي الفلسطينية، وبالتالي سنلتزم بالتعاون معها، بمعنى ان المحكمة اذا طلبت منا كسلطة توقيف اي شخص في الاراضي الفلسطينية يجب علينا ان نقوم بتسليمه للمحكمة، وللعلم فإنَّ اسرائيل لم ولن توقّع للانضمام، لكن هذا لا يعفيها من الملاحقة القانونية، لأن هذه المحكمة دولية وشرط قبول الدعوى ان تكون الدولة صاحبة الشكوى عضوًا وتوافق على ولاية المحكمة على اراضيها، ومن هنا فإن اي جريمة تُرتَكَب على الاراضي الفلسطينية، سواء أكانت من قِبَل اسرائيل او غير اسرائيل، لن يُعفى مرتكبوها من الملاحقة الجنائية الدولية.

 

كيف استعدّت السُّلطة الفلسطينية للمعركة القانونية خاصة انها تتعامل مع عدو يجيد المماطلة وهو يستعد لهذه الخطوة منذ زمن وقد درس خياراته؟

في الضفة الغربية كل شيء موثَّق وهناك امور لا يمكن اخفاؤها كمواصلة الاستيطان او كجريمة الشهيد محمد أبو خضير علمًا أن من قام بالجريمة اشخاص عاديون ولكن إن ثَبُت تورط اي مسؤولين اسرائيليين فسيتم ملاحقتهم قضائيًا. اما بالنسبة للحرب على غزة فالأمور تُدار من خلال سُلطة الامر الواقع، وهي سلطة حماس، ونحن نأمل بأن تسمح حماس للمؤسسات الحقوقية بممارسة دورها بالتوثيق، وان تتعاون معنا لأننا نمثّل الشرعية الفلسطينية، وأيضًا ان تتعاون مع لجان التحقيق، فنتيجة التحقيق كافية لإدانة اسرائيل على جرائمها، ولذلك نتمنى من كل الجهات التوثيق بطريقة قانونية تقبل بها المحكمة، او نظام روما، كأدلة تُدين اسرائيل، واعتقد بأن مصلحة حماس تتمثّل بالوصول لأدلة تدين اسرائيل

.

ما هي سلبيات التقدُّم لمحكمة الجنايات الدولية؟

لا بد لنا من الحديث الواقعي والبعيد عن العواطف فالأسطوانة الفلسطينية معروفة وهي اننا على حق، لكن هذا لا يكفي،  فقتل 500 طفل فلسطيني جريمة، وفي الوقت ذاته فإن محاولة قتل طفل اسرائيلي واحد تعدُّ ايضًا جريمة بنظر القانون الدولي، فهي محكمة محايدة لكنها بالفطرة تميل الى اسرائيل خاصةُ أن معظم القضاة فيها من دول متعاطفة مع اسرائيل نتيجة التضليل الاسرائيلي لها، إذ إن هناك دولاً تظن ان اسرائيل هي الطرف المظلوم، وهنا تكمن المخاوف، حيثُ أن توجيه النار لأهداف مدنية فلسطينية او اسرائيلية هو سيان بالنسبة للمحكمة الدولية حتى لو كنا الطرف الاضعف، ومن الممكن ان تبدر امور عنا كفلسطينيين قد تصنّف كجريمة، وبالتالي تصدر مذكرة توقيف بحق احد ثم يُطلَب منا تسليمه للمحكمة، وهنا نحن مجبرون كحكومة على فعل ذلك بما اننا وقّعنا، كما ان لدينا تخوفًا من لجوء اسرائيل لرفع شكوى بحقنا وتدعيمها بالإثباتات والبراهين مما سيُدينُنا، فقرارات المحكمة مرتكزة على الدلائل، ومن يقدّم الدلائل والمستندات يفوز، وليس الضحية بالضرورة، والمثل يقول (ياما بالسجن مظاليم)، لذلك علينا ان نوثّق كل شيء بالمنطق وليس بالعاطفة ويجب ان نبتعد عن الشبهات التي قد تُستَغل ضدنا كاستهداف المدنيين

.

اسرائيل ترتكب جرائم بحق الفلسطينيين منذ نشأتها، فأي الفترات الزمنية التي يحق للفلسطينيين محاسبة اسرائيل عليها؟

تبدأ المحكمة بالعمل بعد 60 يومًا من تاريخ الانضمام إليها، ويحق للفلسطينيين استغلال مادة تسمى (اعلان القبول) بمعنى ان نقبل بمد ولاية المحكمة (صلاحية المحكمة) للفترة السابقة على الاراضي الفلسطينية بما لا يتجاوز العام 2002، وهو تاريخ سريان عمل محكمة الجنايات الدولية فلا ولاية لها قبل ذلك.

ولكنني أود أن أنوّه لأمر في غاية الأهمية وهو ان المجتمع الفلسطيني منقسم والخبراء في القانون الدولي ايضا منقسمون، فهناك قسم مع التوجه للمحكمة، وهناك قسم ضد التوجه لأننا لسنا دولة كاملة ونعيش حركة التحرر الوطني، وبالتالي لماذا نقيّد أنفسنا بسلوك الدول حيث يضربون المثل بلبنان؟. فلبنان بلد عريق بالعلم والقانون وبالرغم من كل الجرائم التي ارتُكِبت بحقه ولكنّه لم يلجأ للمحكمة فلماذا نلجأ نحن؟. ولكن أود ان اشير اننا كدولة عضو علينا ان نستغل هذه الصفة لمواجهة اسرائيل بوسيلتين؛ وتكمن الأولى بالمقاومة وهذا ما حدث في غزة كردع لإسرائيل، والثانية بالتحرك القانوني كالتوجه الى محكمة الجنايات الدولية وهي وسيلة مهمة لنا، فنحن نقول اننا لا نريد اللجوء للعنف، فلماذا إذًا نخاف هذا التوجُّه القانوني؟!.