إن الحلول التي طـُرحت لحل أزمة مخيمات سوريا وخاصة اليرموك تشبه فك أول العقدة المربوطة بين ملايين العقد في حبل ٍعصيٍّ على الانفكاك والطريق طويلة على ما يبدو.

فكل الاتفاقات السابقة بشأن التهدئة في مخيم اليرموك تتصف بالهشاشة لأنها عموماً اتفاقات صورية أو بالونات تجريبية ولحسابات سياسية وعسكرية لطرفي الصراع السوري حسب مراقبين، ولا يؤخذ بعين الاعتبار الوضع الإنساني هناك؛ وبالتالي لا يوجد تطبيق حقيقي أو منطقي على الأرض؛ وهناك من يرى أن هذه الاتفاقات كلها مسكنات والتقاط صور لمواقف هشة لا تريد الحل ، إنما هي دراسة مواقف لطرفي الصراع وما يتبعها من جهات كالقيادة العامة (أحمد جبريل) وحماس بما تمثله من مجموعات مسلحة وبقايا جبهة النصرة من المتورطين الفلسطينيين .

ويبقى تأخر تطبيق بنود المبادرة غير واضح بسبب تبادل الاتهامات بين الأطراف بالمماطلة بتنفيذ عدد من بنود اتفاق تحييد المخيم الذي تم التوصل إليه مؤخراً.

ولقد نص الاتفاق على وضع نقاط تمركز حول حدود المخيم الإدارية لضمان عدم دخول أي مسلح من خارج المخيم، كما  تضمن تشكيل لجنة عسكرية مشتركة متفق عليها، وقوة أمنية لحفظ الأمن داخل المخيم، وكانت هناك ردود فعل لأهالي المخيم وحتى المهجرون منه سواء إلى داخل سوريا أو خارجها - والذين يتابعون بفارغ الصبر والأمل - تتلخص بعدم الرضى عن هذين البندين ، خاصة أن القوة المشتركة ستضم أتباع طرفي الصراع السوري من الفلسطينيين وبما يعنيه الكلام في هذا المجال ،وما سيجر من تداعيات خطيرة على اللاجئين الفلسطينيين في اليرموك ؛ بدءاً من شعور القاطن في المخيم بعدم الأمان تحت سيطرة قوة عسكرية مشتركة ساهمت فيما آل إليه المخيم وصولاً إلى الشرخ الاجتماعي الذي بدأت جذوره تضرب القاع في حالة الانقسام منذ انجرار المخيم نحو حصار ومجاعة قاتلة وظروف إنسانية وصحية واجتماعية مزرية؛ حيث اتُخـِذت مواقف من الأزمة السورية وكيلت اتهامات وتوعّدات من قبل الذين هجروا منه والذين بقوا فيه ، على إثر توريطه ، وعمليات السرقة والنهب التي ارتكبت وعمقت نوعاً من الحقد للأسف بين أبناء اللاجئين الفلسطينيين ؛ وذلك في حال العودة للمخيم .

وإن تساؤل اللاجئ الفلسطيني المهجر من اليرموك أو الذي بقي فيه هو مشروع وبامتياز، فكيف ينص الاتفاق على إخلاء المخيم من السلاح والمسلحين ، وفي الوقت نفسه ستتشكل القوة الأمنية داخل المخيم وستكون مسلحة ،وما هو الضامن ، فقد تم تجريب كل  ما يمكن تجريبه في هذا التجمع الفلسطيني الذي يبدو أن بعض الإرادات لا تريد له الحل .

وإذا ما طبق هذا الاتفاق بهذه الصيغة، فسيجر تداعيات خطيرة خلفه وهذا ما لم يشعر اللاجئ الفلسطيني السوري - المعني بعودة المخيم كما كان - بالرضا إطلاقاً، وخاصة أنه سيشبـّه وضع مخيم اليرموك القادم بحالة مخيم اللاجئين الفلسطينيين-  عين الحلوة في لبنان  في هيأته الأخيرة والوضع الأمني المهلهل فيه . وهذا من المآخذ على الاتفاق الذي تشبَّع بالتناقض الواضح في معظم بنوده ، هذا بالإضافة إلى البنية التحتية المدمرة في المخيم والتي أعلنت عنها الأونروا في مطلع عام 2014، والتي لم يوضع برامج حقيقية ومنطقية لإعادة إعمارها، إضافة إلى  الأمراض المنتشرة كاليرقان والتيفوئيد وفقر الدم وغيره والذي يتهدد المحاصرين هناك وخاصة الأطفال؛ حيث لايـُـنظـَر إليها كحالة طارئة يجب حلها سريعاً من قبل المعنيين على الأرض.

وأعتقد أنه لا يمكن حل أزمة المخيم وعودة الأهالي له من لاجئين فلسطينيين إلا بإلغاء حالة الاشتباك الحاصلة بين وضع المخيم والوضع العام في سوريا ، أي بحل الأزمة والمواضيع المتعلقة في سلة واحدة ومن ضمنها اليرموك وبقية المخيمات .

والسؤال المـُلح هو حول تعدد أطراف الاتفاق ، فالأجدر أن يشمل فقط طرفي الصراع، لا أن يكون مهرجاناً لتوقيع بقية الهيئات مثل المجلس المدني والمجلس المحلي في المخيم ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( الاونروا ) وعن الحراك الشعبي والعسكري و منظمة التحرير الفلسطينية وهي التي لم يكن لها يد بتردي أوضاع المخيم .

بل كان يجب توقيعه من طرفي الصراع ثم  يتبعه العمل المؤسساتي الذي يتحمل فيه المعنيون عودة اليرموك كسابق عهده قبل الأزمة

ونذكر أن بياناً قد صدر لحركة  فتح في سوريا وهي عماد منظمة التحرير الفلسطينية، تعلن فيه أنها لم تكن طرفاً في الاتفاق الأخير رغم أنها تبارك أي حل يعود بالامن والأمان على المخيمات الفلسطينية في سوريا وإعادة إعمار المخيم وعودة اللاجئين الذين هجروا منه؛ وهذه إشارة أخرى لعدم الرضى العام عن ذاك الاتفاق.

أيضا من الملاحظ تراجع الأوضاع الإنسانية في مخيم اليرموك ضمن تقليص تقديم المساعدات الشحيحة بالأصل بعد تدفقها الذي يفترض حسب اتفاقات سابقة فمنذ بداية شهر رمضان عاد المخيم ليقع تحت فكي تجار الحرب الذين احتكروا كل البضائع هناك مما أعاد الذاكرة التي لم تغب بعد إلى بداية المجاعة التي حصلت هناك قبل بضعة شهور والتي لا تزال آثارها المخيفة تخيم في كل أرجائه.

هذا المخيم الذي عانى الحصار مدةً تجاوزت الأربعة عشر شهراً ، وأكثر من 150 شهيد جوع؛ ووصول عدد مرضى التيفوئيد إلى 105 حسب الهلال الأحمر الفلسطيني في المخيم، ووفاة 147شخصاً من أبناء المخيم إثر النقص الحاد للتغذية والعناية الطبية ، وتوقف العمل في المشافي والمستوصفات ، وتدمير 60 % من البنية التحتية ومعظم سكانه مهجرون للآن ويعانون الأمرين .

صحيح أن الحواجز قد سحبت من وسط مدينة دمشق لكن ذلك كان على حساب إعادة إغلاق البوابات الجنوبية للمخيم، وعسكرياً تم تأمين هذه الجبهة بالنسبة للحكومة السورية  لذلك تم تقليص عدد الحواجز في وسط المدينة مما يوحي للمواطن أن الحياة بدأت تأخذ مجراها الطبيعي وهذا ما يأمله الجميع، وبخاصة اللاجئون الفلسطينييون ، لكن ليس على حساب أمنهم ومعيشتهم

وإن الإمعان في حالة إبقاء المخيم رهينة الأطراف المتصارعة لهو جد خطير، خاصة بعد عودة الاشتباكات ومحاولات دخول داعش إلى المخيم، بحركات شطرنجية مباغتة تنقل داعش من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب في المنطقة لتمرير أجندات مرسومة تريد إنهاء مراحلها بنتائج سياسية وطريقة مليشياتية عسكرية للوصول إلى نهائيات تفتيت المنطقة العربية.

والثمن يدفعه السكان السوريون واللاجئون الفلسطينيون كافة هناك، فالأوضاع في بقية المخيمات الفلسطينية في سوريا ليست بأفضل من اليرموك ، فهي تشهد أزمات معيشية حادة نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية الناتجة عن الأزمة السورية؛ فمخيم خان الشيح يشهد نقصاً كبيراً في الخدمات الصحية والمعيشية نتيجة الانقطاع المتواصل للطرق ، أما مخيم خان دنون فيشكو الأهالي من ضعف في الخدمات الأساسية والضرورية للحياة كالمياه ، هذان المخيمان اللذان يستقبلان مئات العائلات الفلسطينية والسورية النازحة عن مخيماتها ومدنها بسبب الحصار والقصف، وكذلك استمرار تعرض مخيما درعا وحندرات للقصف وكذلك مخيم خان الشيح وخان دنون للاشتباكات والقصف الذي يؤثر سلباً على الحياة اليومية للاجئين الفلسطينيين في تلك المناطق . ومنع أهالي مخيمي الحسينية والسبينة من العودة إلى مخيماتهم .

ويبقى المهجرون خارج سوريا أيضاً يفتقدون تطبيق أدنى حقوق اللاجئين في حالات النزاع والحروب، فها هم اللاجئون الفلسطينيون المهجرون من سوريا إلى لبنان، يتم تقييدهم بقوانين متقلبة تمنع لم شمل عائلاتهم العالقين على الجانب السوري، والذين يعانون أيضاً من تهديد الترحيل والاعتقال وغيرها من إجراءات غير منصفة بحقهم.

كل ذلك يوجهنا إلى أن الوضع الفلسطيني في سوريا لا يمكن حله وعودته كسابق عهده إلا بحل الأزمة السورية كما أسلفنا . لذلك إن تأخر تطبيق مبادرات حل أزمة مخيم اليرموك وتأخر تحييد مخيمات اللجوء الفلسطيني في سوريا سيؤدي إلى تداعيات لا يحمد عقباها أبدا في ظل الهجمة على كل مفاصل القضية الفلسطينية في الوطن والشتات .

بقلم/ هيفاء داوود الاطرش