مجلة القدس-  تحقيق: مصطفى ابو حرب

للعام الثاني على التوالي يحل شهر رمضان ثقيلاً على النازحين الفلسطينيين من مخيمات سوريا . في السنة الماضية قالوا هي فترة صعبة تمر ونعود لبيوتنا ومخيماتنا في سوريا، ولكن السنة انتهت وعاد إليهم رمضان مرة اخرى ليلقيَ بأثقاله التي تبدأ من تأمين إيجار البيت وكلفة الطعام ولا تنتهي عند شراء الثياب الجديدة للأطفال.

 

 لا قوتَ يكفينا فكيف بعيد يأتينا

يعيش السيد خالد نصار، وهو رب أُسرة مؤلّفة من سبعة أفراد، حياة صعبة للغاية، إذ ان حياته انقلبت بعد نزوحه من اليرموك بشكل كلي، حيثُ يشرح "كنا نتصدّق على الفقراء طيلة ايام شهر رمضان، ولكن للأسف جارَ علينا الزمن، وصرنا محلَّ عطف وصدقات الآخرين.. سبحان مغيّر الأحوال"، ويضيف "الأزمة قد طالَت ولا أحد ينظرُ إلينا نحن الفلسطينيين، وكأنهم قد أخرجونا من قاموس العمل الانساني أو كأننا لا نعاني مثل بقية النازحين، وهنا لابد من السؤال: لماذا تفرِض علينا الدولة اللبنانية القوانين ولا تعطينا الحقوق التي تُعطَى للنازحين السوريين؟!". ويكمل بمرارة "نحن محتجزون في المخيّمات بسبب موضوع الإقامة بينما اللاجئ السوري ينافس ابن البلد نفسها في مجالات عديدة في العمل ونحن (قاعدين نركي حيطان، ومش لاقيين ناكل)، والجميع صار يفكر بالهجرة كملاذ ومخرج من حالة المهانة التي نعيشها".

أمّا السيدة فاطمة الحسين، من الحجر الاسود، فتقول: "(نحنا مش وجه بهدلة)، فبعد حياة رغيدة أصبحنا الآن نعتمد على ما تدفعه الأونروا كبدل للإيواء لعلّنا نوفر منه ما نقتات به، ولكننا نصطدم بواقع مرير وهو اننا لسنا قادرين على العمل لأن الفلسطيني المقيم في لبنان لا يجد من يشغّله فكيف بالفلسطيني من مخيمات سوريا، وظروفنا صعبة للغاية لدرجة أنك قد لا تجد في بيت أحدنا ربطة خبز"، وتردف بغُصة "اليوم نحنا على ابواب عيد الفطر، وعندي ولاد صغار وكلهم صاروا يسألوا عن ثياب العيد وأنا اتحجّج وأقول لهم يا ماما شوفوا الاطفال بغزة كيف عمّا يموتوا، وصرت افرجيهم المشاهد القاسية للشهداء يلي ممنوع يشوفوها لعلّهم ينسوا ويبطلوا يسألوا عن ثياب للعيد!".

كذلك ابو محمد رب الأسرة المكوّنة من خمسة اشخاص لم يسلم من وطأة المعاناة، إذ يقول: "في الأيام الأربعة الأولى عشتُ على الماء والتمر لأنه لم يكن في بيتي ما يكفيني وعائلتي. وهناك فاعل خير قدّم لخمسين شخص وجبات غذائية مُعَدَّة في البيت لمدة تسعة ايام، وأنا قسّمت الوجبات التسع على مدى الشهر".

ويردف "سابقًا كنت أعيش حياة كريمةً، دون أن أفكر في الغد، بل اني حتى كنتُ ادعو الناس لتناول الطعام لدي، أما اليوم فقوتي لا يكفي عائلتي، وما تقدّمه لي الاونروا لا يتجاوز 330,000 ل.ل، في حين أن ايجار "الكراج" الذي نقطنه يبلغ 275,000 ل.ل، أي انه لا يبقى لدينا سوى 55,000 ل.ل كمصروف لشهر، علمًا أنني بحاجةٍ لدواء دائم تبلغ كُلفته 120,000 ل.ل، ولكني لم اتناول الدواء منذُ 20 يومًا لأنني لا املك ثمنه، والآن ها نحن مقبلون على عيد ولا نعرف ما نفعل والمؤسسات موجودة ولا تقدم اي شيء".

معاناة متعددة الأوجه

توضح عضو لجنة النازحين الفلسطينيين السيدة ألاء حمد بأن "الأونروا تُقدّم للنازحين بدل الايواء فقط ولا يوجد اي اعانات او مساعدات تقدَّم لهم من أيٍّ من الهيئات التي تُعنَى بالإغاثة، وهناك غياب كامل لدور مؤسسات الـ(NGO’s) التي لا يعنيها النازح الفلسطيني من سوريا، وهناك ايضا معاناة الشبان الذين لا يستطيعون الخروج من المخيمات بسبب انتهاء صلاحية إقاماتهم، فتراهم يجلسون في المقاهي وهم من خيرة الخبرات والعمال المهَرة. وإلى جانب ذلك برزت مؤخّرًا مشكلة الاستحصال على شهادات البكالوريا للطلاب الذين نجحوا هذا العام ويريدون الانتساب الى الجامعات، ولكنهم لا يستطيعون الذهاب والعودة الى لبنان لجلبها، خاصةً أنها لا تُسلَّم إلا باليد للطالب المعني أو أحد ذويه، لذلك نحن نناشد سفارة دولة فلسطين في لبنان والـمُلحَق الثقافي الاستاذ ماهر مشيعل تحديدًا بأن يقوم بما في وسعه لتأمين ذهاب الطلاب الى سوريا لجلب شهاداتهم وضمان عودتهم الى ذويهم في لبنان من خلال السفارة".

بدوره أشار عضو اللجنة الشعبية مسؤول ملف اللاجئين ابو رامي خطار إلى أن المساعدات والتقديمات الـمُخصّصة للنازحين كانت شحيحة في رمضان هذا العام، لافتًا أن أي مساعدةٍ لم تقدم لهم خلا  المساعدات الطبية التي قدَّمتها "م.ت.ف" وحركة "فتح".

وأضاف خطار "هناك ما بين 800 إلى 850 عائلة نازحة تسكن في البداوي والجوار، وقد كان العدد أكبر إلا ان بعض العائلات غادرت ولم تعد. وقد بدأ اليأس والإحباط يسيطر على العائلات النازحة التي تسعى بشتى الوسائل لتأمين كلفة الطعام وهي تعاني اصلاً من عدم حيازتها الاقامة الشرعية التي تخوّل ابناءها العمل بدون اي ملاحقة ومتابعة أمنية، وهناك اتصالات مع المرجعيات المختَصة في هذا الشأن من خلال المرجعيات الفلسطينية، وهنا تبرز مسؤولية الاطار السياسي لتسوية هذه الاشكالية مع الدولة اللبنانية".

أمّا عن اشكال المعاناة اليومية، فقال خطار: "هناك عائلات قسم منها في لبنان والآخر في سوريا ولا يسمح بدخوله إلى لبنان لِلَمّ شمل العائلة. ومن جهة ثانية، هناك قضية تسجيل المواليد الجدد وعدم معرفة الجهة المعنية بتوثيق الامور الرسمية الخاصة بهم، وأيضًا بطء المراسلات الطبية داخل الاونروا بين بيروت وسوريا مما يطيل مدة انتظار المرضى لتلقي العلاج".

من جهته رأى أمين سر حركة "فتح" في منطقة الشمال ابو جهاد فياض أن "معاناة أهلنا النازحين بازدياد لأن المؤسسات الدولية ادارت ظهرها لهم وما تقدمه غير كافٍ نتيجة اوضاعهم الصعبة، والجهة الوحيدة المتكفّلة بهم، لكونها المسؤولة عنهم؛ هي الأونروا ولكن المساعدة الشهرية التي تُقدّمها لهم لا تتجاوز قيمتها 100دولار للعائلة كبدل ايواء، و30دولار للفرد بدل غذاء، وهذا مبلغ غير كافٍ لحياة مقبولة لأي إنسان علماً ان الحد الادنى للأجور في لبنان هو 650 الف ل.ل".

وزاد فياض "في العام الماضي تكفَّلت بعض المؤسسات بتقديم مواد عينية في شهر رمضان بدل افطار، ولكن أحدًا لم يقدّم شيئًا هذا العام. وقد حاولنا كمنظمة تحرير فلسطينية وحركة "فتح" تقديم مساعدات خاصة بالعلاج والأدوية للحالات التي لجأت إلينا، ولكن وضع النازحين يحتاج إلى لفتة من مؤسسات المجتمع الدولي وتحديداً الاونروا لتقديم المساعدات الضرورية لهم الى حين عودتهم الى بيوتهم".

بدورها أشارت الناشطة الاجتماعية منال خليل إلى "أن إغلاق الحدود شكَّل جدار فصل للعائلات"، منوهةً إلى أن "الإقامة باتت سيفًا مُسلّطًا على رقاب العائلات الفلسطينية النازحة لأن مبلغ 350 المطلوب لتجديد الإقامة يُعدُّ هائلاً بالنسبة لعائلات تكاد لا تمتلك ما تعتاش منه، إلى جانب تكلفة الايجار وارتفاع الأسعار وقلة المساعدات".

وتتجلَّى أبعاد قضية إغلاق الحدود بوضوح في حالة أحمد ابراهيم، "أبو ربيع"، النازح من الغوطة إلى سجنه الكبير كما يصفه، ويوضح: "المشكلة أننا نعيش بدون إقامات شرعية، مما وضعَنا تحت الإقامة الجبرية. ومن كان يتعاطف معنا سابقًا من الفصائل والمؤسسات أدار ظهره لنا الآن، وقد كنا نلجأ لاستدانة ايجار البيت لنسدده لاحقًا بعد ان تعطينا الاونروا بدل الايجار، ولكن اليوم (ما حدا بديّن حدا) علمًا ان ايجار البيت يبلغ 250,000 ل.ل وكلنا نعمل لسداد الايجار. وفوق ذلك أصبحت عائلتي مشتتة بعد ان ذهبت زوجتي وعدد من أولادي إلى سوريا إثر حدوث حالة وفاة في العائلة، ولكنهم لم يتمكنوا من العودة، وبقيت انا وأولادي الذين لم يغادروا".

ويختم بالقول: "علمتُ ان بيوتنا في سوريا دُمّرت بالكامل، ولكنني ما زلتُ أتمنى العودة إلى مخيمات سوريا، وأُعارض هجرة العائلات الفلسطينية النازحة لأنها تُضيّع الهوية الوطنية".