تحقيق حسن بكير

أصبحَت مشكلة البيوت الآيلة للسقوط، التي تُهدِّد قاطنيها في المخيمات الفلسطينية، قضيةً أخرى تُضاف لمعاناة اللاجئين الفلسطينيين اليومية. ولا يخفى أن المشكلة قد تفاقمت منذ عدة سنوات، خصوصًا في مخيم برج البراجنة، إثرَ القصف الإسرائيلي الذي تعرَّضت له ضاحية بيروت الجنوبية في العام 2006 خاصةً أن معظم المنازل لم تُشيَّد وفق أُسُس سليمة تراعي السلامة العامة، ودون استشارة مهندسين.

منذ ذاك الوقت منازل عدّة تعرَّضت للانهيار، تفسُّخات وتشققات في الأسقف والأعمدة وحتى جدران البيوت التي ما زالت قائمة أخذت بالظهور، وأدراج تصعد عليها وأنت تتوقّع بين اللحظة والأخرى أن تنهار بك، علاوةً على الرطوبة في الجدران والأسقف التي تتأكسَد مع الحديد مكوِّنة طبقة فاصلة بينه وبين الباطون، فتنعدم معها فاعلية الحديد ويبدأ الباطون مع الوقت بالتساقط حاصداً معه الأرواح والإصابات.

أصبحَت مشكلة البيوت الآيلة للسقوط، التي تُهدِّد قاطنيها في المخيمات الفلسطينية، قضيةً أخرى تُضاف لمعاناة اللاجئين الفلسطينيين اليومية. ولا يخفى أن المشكلة قد تفاقمت منذ عدة سنوات، خصوصًا في مخيم برج البراجنة، إثرَ القصف الإسرائيلي الذي تعرَّضت له ضاحية بيروت الجنوبية في العام 2006 خاصةً أن معظم المنازل لم تُشيَّد وفق أُسُس سليمة تراعي السلامة العامة، ودون استشارة مهندسين.

منذ ذاك الوقت منازل عدّة تعرَّضت للانهيار، تفسُّخات وتشققات في الأسقف والأعمدة وحتى جدران البيوت التي ما زالت قائمة أخذت بالظهور، وأدراج تصعد عليها وأنت تتوقّع بين اللحظة والأخرى أن تنهار بك، علاوةً على الرطوبة في الجدران والأسقف التي تتأكسَد مع الحديد مكوِّنة طبقة فاصلة بينه وبين الباطون، فتنعدم معها فاعلية الحديد ويبدأ الباطون مع الوقت بالتساقط حاصداً معه الأرواح والإصابات.

 

أصل المشكلة

أحمد إبراهيم الجشي، فلسطيني من مواليد العام 1968، يقطن مخيم برج البراجنة الواقع في الضاحية الجنوبية. متزوِّج وله ولدان وبنت، ويعمل بالتمديدات الكهربائية. ويعاني أحمد مرض السكري وارتفاع ضغط الدم وتضخّمًا بعضلة القلب، في حين أن مدخوله بالكاد يغطي المستلزمات الحياتية لعائلته وأدويته الدائمة، مثله مثل معظم الفلسطينيين.

يقيم أحمد وعائلته في بناء يتكون من طابق أرضي يسكنه والده، وطابق أول يقيم هو وأسرته فيه. أمَّا الطابق الثاني، فيشغله شقيقه راني وعائلته.

وعن معاناته مع منزله يقول أحمد: "المشكلة بدأت في العام 2007 حين بدأت تظهر تشققات في سقف منزل أخي راني، فتم الكشف على المنزل من قِبَل مهندس مشاريع وتأهيل المنازل في الأونروا يحيى عكاوي، بعد أن قدَّمنا طلباً للأونروا لإدراج المنزل ضمن لائحة المنازل المتضرِّرة، وجاءت الموافقة عليه من قِبَل رئيس قسم الهندسة في الأونروا داوود قرمان. وقتها أفاد المهندس عكاوي أن سقف منزل راني لا زال يتحمّل، ورأى أن التشققات التي ظهرت على سقف منزلي يمكن معالجتها بكيسين من الإسمنت، رافعاً صفة الخطر عن المنزلين. طبعًا هذا التقرير بعث حالة من الاطمئنان في نفوسنا، ولكن سرعان ما تبدَّد هذا الاطمئنان عندما بدأت تتساقط قطع من باطون سقف منزل أخي راني، مما استدعى العائلة إخلاء المنزل".

 

رحلة العذاب والمراجعات

يشير أحمد إلى أن السقوط المتكرر لقطع من باطون سقف منزل راني أدّى لازدياد التشققات في سقف وجدران منزله، ويضيف "هنا بدأت رحلة العذاب والمراجعات التي تخلَّلها توجيه رسائل متكررة من طرفي، وردود وتبريرات من قسم الهندسة في الأونروا، تارة بدعوى دراسة الطلب، وتارة أخرى بإرسال مهندس للكشف، وتارة بعدم وجود طلب أو وجود أولويات، أو بذريعة كون الوقت لم يحن بعد".

ويتابع "خمس سنوات مضت حتى العام 2012 دون جدوى، قضيتُها بين تقديم طلبات، ومراجعات، ولجان كشف، وتقارير مهندسين متناقضة بين من يرى أنه ليس هناك من خطر وأن المسألة لا تتعدى كيسين إسمنت -(تقرير المهندس يحيى عكاوي)- وتنتهي المشكلة، وبين تقارير تُفيد أن المنزل بحالة خطر بنسبة 100% ( تقرير مهندسَين اثنين أوفدهما السيد روجر ديفيس). ونتيجة هذه المماطلات ما كان مني إلاّ أن توجّهت مخاطباً عبر البريد الالكتروني كُلاً من المدير العام لومباردو، والسيد روجر ديفيس، والسيدة سفاريني، والسيدة مارينا سكوريك برودانوفك، وكانت المخاطبات بعض الأحيان من طرف واحد، وأحياناً كانت متبادَلَة ولكنها لم تكن مُثمِرة. وأثناء ذلك كانت مشكلة منزلي ومنزل أخي تتفاقم وتزداد خطراً، وما كان يمكن إصلاحه بتكاليف أقل منذ سبع سنوات، أصبح الآن يستدعي هدم البناء بأكمله وبتكاليف باهظة، علاوةً على الخطر الذي يهدّدنا".

 

وقوع الكارثة

يصف أحمد ما جرى معه ليلة انهيار سقف منزله، فيقول: "ليل السبت 31/5/2014، أصرت ابنتي شهد ذات الأعوام الستة على النوم في غرفتي المنهار جزء من سقفها، ولكني أخرجتها للنوم في الغرفة المخصّصة لها. وقرابة الساعة الثالثة من فجر الأحد 1/6/2014، استيقظنا مذهولين على صوت أشبه بزلزال ضرب المنزل، وزاد ذهولي حين رأيت كُتلاً من الباطون تغطي زوجتي، والدماء تسيل من رأسها ومن أنحاء في جسمها.. لقد كان مشهدًا لن أنساه ما دمت حياً، وسيبقى في ذاكرة أولادي الى الأبد، خاصةً أن الحادث تسبَّب لزوجتي بإصابة بالغة في الرأس، احتاجت إثرها لـ25 قطبة (غرزة)".

 

الخطر ما زال قائماً

يوم الأربعاء في 4/6/2014 توجهتُ وأمين سر اللجنة الشعبية في مخيم برج البراجنة حسني أبو طاقة، وأحمد الجشي إلى منزل الأخير، وما إن همَمْنا بالصعود الى سطح المنزل، حتى استقبلتنا كتل متساقطة من الدرج العلوي المؤدي الى السطح لتظهرَ أيضًا تشققات على "شاحط" الدرج - طولاً وعرضًا – الأمر الذي أنذرنا بأن انهيار الدرج بات وشيكًا، ولم يكد يمضي يومان حتى أبلغني أمين سر اللجنة الشعبية في المخيم بوجود كتل متساقطة من منزل راني، فأخبرته بوجوب خروج العائلة من الطابق الأرضي وإخلاء المبنى وقطع الطريق المؤدي إليه إذا أمكن.

 

ماذا يقول أحمد بعد الحادثة

يرى أحمد أن الأونروا لم تضع في أجندتها وفي أولويات عملها عامل الخطر، ويضيف "هذا الانهيار الثاني الذي يتعرَّض له منزلي. الانهيار الأول حصل بتاريخ 25/5/2013، حيثُ نجَت زوجتي وابنتي بأعجوبة من تساقط قطع من سقف الغرفة التي كانتا فيها، ووقتها وجّهت رسالة الى السيد روجر حمّلته فيها هو والأونروا مسؤولية أي أذى قد يصيب عائلتي".

ويضيف "صحيح أن هناك تدرجًا بتقديم الطلبات، ولكن هناك منازل رُمِّمت رغم أنها غير معرَّضة لخطر الانهيار، لذا عليهم إعطاء الأولوية للمنازل الآيلة للسقوط لرفع الخطر عن قاطنيها. وأنا أتساءل هل من المعقول أنه منذ سبع سنوات لم يحن دوري بترميم منزلي؟!".

 

 

موقف اللجنة الشعبية

من جهته أشار حسني أبو طاقة إلى وجود خلل بآلية العمل معزياً ذلك الى الروتين القاتل الذي تتَّبعه الأونروا، ولعملها حسب أجندات الدفعات من الدول المانحة لمشروع ترميم المنازل، وأوضح "إنَّ ما حدث لمنزل أحمد الجشي مرجّح حصوله مع العديد من المنازل الأخرى، وعلى الأونروا إعطاء الأولوية لتلك المنازل التي تشكّل خطراً على ساكنيها". ولفت إلى أن الأونروا ومنذ خمسة شهور وقّعت على دفعة جديدة لـ60 منزلاً من أصل 700 منزل.

وأردف أبو طاقة "كلجنة شعبية نطالب الأونروا بالإسراع بوتيرة الترميم وتجاوز الروتين المتَّبع  وإعلان حالة الطوارئ. كما نطالب المعنيين بالضغط على الدول المانحة لترميم المنازل في المخيمات، وزيادة المبالغ المخصصة للمشروع".

ولم يستثنِ أبو طاقة الدولة اللبنانية من مسؤولية تأخير ترميم المنازل وذلك لعرقلتها إدخال مواد البناء للمخيم.

 

موقف الأونروا

بشفافية وحرص ملموس على أبناء شعبه، أوضح مدير خدمات الأونروا في مخيم برج البراجنة بهاء حسّون حيثيات المشكلة وآلية عمل المشروع، حيثُ قال: "بعد حرب تموز العام 2006 والهجمة الشرسة على الضاحية الجنوبية، تضرَّرت الكثير من المنازل في مخيم برج البراجنة، وحينها رصدت الدانمرك واليابان مبلغ أربع مئة ألف دولار لترميم منازل المخيّمات في كل لبنان، وطبعاً هذا المبلغ بكامله لم يكن كافيًا لترميم منازل مخيم برج البراجنة، لأن المخيم كان أكثر المخيمات تضرراً نظراً لوقوعه في الضاحية، وقد استخدم المبلغ بأكمله في مخيم برج البراجنة.

ومع بداية العمل في العام 2007 قسّمنا العمل الى أربع فئات:

- فئة سُجِّلت وتم الكشف على منازلها واستفادت

- فئة سُجِّلت وتم الكشف على منازلها ولم تستفِد بسبب عدم توفّر التمويل

- فئة سُجِّلت ولم يُكشَف عليها

- فئة لم تكن على علم -حسب ادعائها- وجاءت للتسجيل

وفي الدفعة الأولى انجزنا 110 منازل، اعتمدنا خلال تنفيذها على طريقة الكشف وإعطاء الأولوية للمنازل الأكثر تضرُّراً، وتعاقدَ قسم الهندسة في الأونروا مع متعهدين لترميم المنازل حسب المواصفات الفنية المطلوبة، ثمَّ بدأنا العمل بالمرحلة الثانية بعد ان رصدَ الاتحاد الأوروبي مبلغاً يكفي لترميم (736) منزلاً في كل مخيمات لبنان، علمًا أنه لدى إجراء مسح وإحصاء تبيَّن أن أكثر من 5000 منزل بحاجة للترميم في المخيمات.

وهنا اعتمدنا في عملية الترميم على الدراسة التي أجرتها الجامعة الأمريكية حول معدل الفقر في المخيمات الفلسطينية، التي بلغَت 66%، آخذين بعين الاعتبار الوضع الاجتماعي والصحي والاقتصادي للعائلة، والوضع الفني للمنزل. وفي هذا السياق اعتمد قسم الهندسة استمارةً ترتكز على المعايير التي ذكرناها وإعطاء نقاط للمعايير، وتم ادخال المعلومات في الكمبيوتر، وبدوره قام الكمبيوتر بفرز الأولويات. أضف إلى ذلك أننا ألغينا آلية العمل عن طريق المتعهّدين، ولجأنا الى إشراك صاحب المنزل ليقوم هو بالترميم، ودور الأونروا كان الإشراف ومتابعة العمل وتأمين التمويل. وتخفيفاً للتكاليف عن كاهل صاحب المنزل، اشترت الأونروا "بيك آب" لنقل مواد البناء، وخفَّضت نصف التكاليف التي كان يدفعها صاحب المنزل.

وقد أتممنا في هذه المرحلة ترميم (130) منزلاً تلاها (15) منزلاً، وقد أطلعنا اللجنة الشعبية على الأسماء وتمَّت الموافقة عليها.

والآن هناك دفعة جديدة، تم التوقيع عليها وبموافقة اللجنة الشعبية، قوامها (60) منزلاً سيتم العمل على ترميمها فور إدخال مواد البناء، مع العلم أن قسم الهندسة كان قد أحصى(950) منزلاً  بحاجة للترميم، ولكن للأسف لا يوجد تمويل كافٍ.

ولدى سؤاله عن العقبات التي تواجه سير العمل، أجاب حسون:

1- صعوبة إدخال مواد الترميم، وهذا الأمر منوط بمديرية قوى الأمن الداخلي، علمًا أننا نزوِّدهم بقائمة أسماء أصحاب المنازل مع كميات مواد البناء المطلوبة. وهنا أنوّه إلى أن الأونروا تعمل على أراضي دولة مضيفة، وهي تتقيد بنظام وقوانين هذا البلد. وتسهيلاً للعمل تم التنسيق مع قوى الأمن الداخلي على آلية عمل تقوم على إدخال المواد بسيارات تابعة للأونروا، وهذه الإجراءات اتُخِذت بسبب طفرة البناء العشوائي التي يشهدها المخيم.

2- شح موارد التمويل، ما تسبَّب لنا بإرباكات ومشكلات مع الأهالي

3- وجود منازل غير مُدرَجة على سلم الأولويات، ولكن بسبب سوء وضعها اضطررنا الى ترميمها قبل غيرها، مما سبب لنا إرباكاً مع الأهالي الذين اتهموننا بعدم المصداقية والتلاعب بالكشوفات

4- منازل متضررة من العمل أُجِبرنا على ترميمها رغم انها لم تكن ضمن الأولويات

أمَّا عن قضية منزل الجشي والتقارير الهندسية المتناقضة حوله، قال حسون: "المشكلة أنه في العام 2007 لم يكن منزلا "أحمد وراني الجشي" على سلم الأولويات، وكان منزل راني أكثر تضرُّراً من منزل أخيه أحمد، حيثُ حصل منزل أحمد آنذاك على (132 نقطة) مقابل (140 نقطة) لمنزل راني، بينما نرى اليوم ان الخطر الأكبر حاصل في منزل أحمد، وهذا ما يفسر وجود تقريرين هندسيين، تقرير أعد في العام 2007، وآخر في العام 2012، والآن منزل أحمد أصبح على سلم الأولويات، وهو مُدرَج ومنزل أخيه ضمن قائمة المنازل الـ60 التي سيتم المباشرة بترميمها فور دخول مواد البناء. ويبقى أن أنوِّه إلى أن ميزانية الأونروا لا تتضمّن بناء منازل، إنما هذا الموضوع يتم عبر مشاريع للدول المانحة".