خاص مجلة القدس- حوار / عبد الله خليل

في ظل اتّساع الفجوة ما بين الجانبَين الفلسطيني والإسرائيلي، وغياب أي أمل في أن يطرحَ وزير الخارجية الأمريكي جون كيري اتفاقًا يلبي طموح الشعب الفلسطيني الذي تعيش سلطته أزمة اقتصادية خانقة بسبب ممارسات الاحتلال التعسفية، يحضر بديل واحدٌ على الساحة وهو التوجُّه للمؤسسات الدولية كبديل عن المفاوضات في حال فشلها وانتهاء المدة المحددة لها. حول هذه القضايا المتعددة إضافة لمعضلة المصالحة الفلسطينية وغيرها، كان لنا هذا اللقاء مع عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" محمد اشتية.

 

إلى أين وصلت المفاوضات الفلسطينية مع الجانب الإسرائيلي عبر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري؟

حتى هذه اللحظة لم يُقدِّم لنا كيري أي حل نهائي، ولكن الخلاف واسع بيننا وبين الجانب الإسرائيلي في مختلف القضايا المتفاوَض عليها. فنحن من جهة متمسّكون بتنفيذ الشرعية الدولية وكل قراراتها وخصوصًا القرار 194 المتعلّق بعودة وتعويض اللاجئين الفلسطينيين، وبكون إسرائيل هي الجهة المسؤولة بشكل كامل عن هذه المعاناة، ولكن إسرائيل من جانبها لا تعترف بهذا الأمر ولا بمسؤوليتها السياسية عنه، وهي تكتفي بالقول بأنها تتفهّم المعاناة الإنسانية لهؤلاء اللاجئين وتؤكّد أنها ليست مسؤولة سياسيًا عمّا جرى وترفض بذلك حق العودة. كذلك، فإن مسألة الوجود العسكري الإسرائيلي في غور الأردن محط خلاف بيننا، حيثُ إننا نرفض رفضًا قاطعًا وجود أي طرف ثالث أو أي مستوطن أو جندي إسرائيلي على أرضنا بعد انتهاء الفترة الزمنية الـمُتّفق عليها، وكذلك الأمر بالنسبة لقضية مدينة القدس التي تريد لها إسرائيل أن تكون مدينة موحّدة تحت السيادة الإسرائيلية، في حين أننا متمسّكون بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية.

ومن هنا، فإن الخوف يكمن في أن ما سيأتي به كيري من اتفاقية إطار ستصبح بالمجمل العام مرجعًا للعملية التفاوضية، ولذلك نحن نصّر على أن مرجعية العملية التفاوضية هي الشرعية الدولية والقانون الدولي، ولا نريد أن تُمدَّد المفاوضات بعد التاسع والعشرين من نيسان القادم، وأنا شخصيًا لا أعتقد أن ما سيقدمه كيري سيصل إلى الحد الأدنى من المطالب العادلة للشعب الفلسطيني، لذا برأيي فإن عدم الاتفاق خير ألف مرة من اتفاق هزيل، ونحن هنا لا نبحث عن اتفاق انتقالي جديد ولا عن تمديد للمفاوضات، فإسرائيل خلال العملية التفاوضية قامت بعمليات إجرام بحق شعبنا، إذ إنها قتلت 33 شهيدًا من أبنائنا منذ بداية المفاوضات، وهدمَت 216 بيتًا، وأعلنت عن 7622 وحدة استيطانية منذ بداية التفاوض، ومن هنا فإن الجانب الإسرائيلي جاء إلى طاولة التفاوض كتكتيك وبقيت إستراتيجيته التدميرية على الأرض كما هي، ونحن ذهبنا لطاولة المفاوضات لئلا يلام الشعب الفلسطيني بأنه يُضيع الفرص السانحة له.

 

لماذا تصرُّ إسرائيل على أن يتم الاعتراف بها كدولة يهودية من قِبَلنا وأين تكمن الخطورة في ذلك؟

بدايةً يجب أن أؤكّد استحالة قُبولنا بإسرائيل كدولة يهودية لعدة أسباب، أولها أننا ومن خلال الرئيس الشهيد أبو عمار كنا قد تبادلنا رسائل الاعتراف ببعضنا في 9/9/1993، فلا يُعقل أن تطلب منا إسرائيل في كل يوم اعترافًا جديدًا. والسبب الثاني هو أن إسرائيل قد وقَّعت اتفاقات مع الجانب المصري والجانب الأردني دون أن تطلب من أي منهما اعترافًا بها كدولة يهودية. والسبب الثالث هو أن إسرائيل تستطيع أن تُرسِل رسالة للأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون وتقول له بأنهم غيَّروا اسمهم من إسرائيل إلى دولة اليهود. وعلاوة على ذلك، فما الذي قد يدفعنا للاعتراف بيهودية الدولة؟! غير أن إسرائيل ترغب في أن تسدُّد معنا فواتير الماضي والحاضر والمستقبل. فنحن نعي أنه في حال القبول بها كدولة يهودية، فإنها ستمنع حق العودة للاجئين إلى أراضيهم وبيوتهم التي هُجّروا منها بالقوة في العام 1948 بناءً على أنها أصبحت أراضٍ لدولة اليهود في العالم. وبالنسبة للـ1.7 مليون فلسطينيًا الذين يعيشون في الداخل، فستقول لهم إسرائيل إذا اعتبرتم أنفسكم فلسطينيين اذهبوا إلى أراضي الدولة الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة عند الرئيس أبو مازن، وإلى جانب ذلك، فإسرائيل تريد منا أن نعترف بالرواية التوراتية عن فلسطين عوضًا عن الرواية المسيحية والإسلامية عن فلسطين، ليصبح النضال الفلسطيني غير شرعي، أي وكأننا نقاتل أناسًا عائدين لبلدهم. وفوق هذه الأسباب مجتمعة، فإن أي اعتراف من هذا الشكل، قد يوّلد موجة لا سامية ضد اليهود في أوروبا وسيطالب الأوروبيين اليهود عندها بالعودة "للدولة اليهودية".

 

في حال فشلت الجهود السياسية من خلال التفاوض الحالي،فما البديل لدى القيادة الفلسطينية؟

إذا ما أخفقت العملية التفاوضية، فسنذهب إلى تدويل الموضوع الفلسطيني، وإلى المؤسسات الدولية وسنوقّع الاتفاقيات الدولية، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة والثالثة والثانية والأولى المتعلّقة بحقوق وبحماية المدنيين تحت الاحتلال، هذا من جانب. ومن الجانب الآخر، سنذهب إلى جميع المؤسسات الدولية، وسنطالب المجتمع الدولي بأن يُجّسد اعترافه بنا باتفاقات ثنائية أيضًا، لأنه قد اتضح تمامًا أن الجانب الإسرائيلي حتى هذه اللحظة يُعطّل المسار السياسي، والائتلاف الحاكم الاستيطاني في إسرائيل لا يؤمن بحل الدولتين، وبعض وزراء إسرائيل يقولون يوميًا أنه لا مكان للدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وأن هذه الأراضي هي أراضي "اليهودا" و"السامرة"، وأن الاستيطان سيستمر وغير ذلك، مما يكشف أن إسرائيل ليس لديها نوايا حقيقية لتحقيق السلام.

 

كيف تقيِّمون الاستقرار السياسي الفلسطيني، وكيف ستؤثّر المساعدات الدولية المشروطة على التنمية الاقتصادية للدولة الفلسطينية؟

أرى أن الشعب الفلسطيني أينما وجد يكون عامل الاستقرار في المنطقة. وأؤكّد أننا اليوم عنصر استقرار رئيس في لبنان وفي الأردن وفي المنطقة العربية، وعلينا أن نكافأ على هذا بدولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس.

أمَّا السلطة الوطنية الفلسطينية، فهي غير مستقرة بل وتعيش عدة أزمات. وأنا هنا أميّـز بين الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية لأن السلطة تعني الضفة وغزة، ولكن الذي يمثّـل أهلنا في لبنان والأردن والشتات هو منظمة التحرير الفلسطينية، لذلك علينا أن نبقيَ المنظمة مظلةً للشرعية الفلسطينية، لأن شرعية السلطة الوطنية الفلسطينية الأساسية مستمدة من كونها الذراع القانوني للمنظمة. غير أن السلطة حاليًا تتعرَّض إلى مجموعة هزات، أولها عدم وضوح ما ستؤول إليه جهود كيري، وبقراءتي الشخصية أرى أنه لن يتمكّن من التّوصل لاتفاق بسبب عدم قدرة الولايات المتحدة على توظيف ضغط حقيقي على نتنياهو لينهي احتلاله للأراضي الفلسطينية، وذلك مردُّه العلاقة الإستراتيجية بين الحكومة الإسرائيلية والولايات المتحدة الأمريكية. ومن جانب آخر فالسلطة أيضًا غير مستقرة اقتصاديًا لأن هناك أزمة اقتصادية حقيقية تعيشها أراضي السلطة والأزمة كثيرة الملامح. فنسبة البطالة في قطاع غزة بلغت أكثر من 40%، ونسبة الفقر بلغت حوالي 50%، أي أن نصف الشعب الفلسطيني في قطاع غزة تحت خط الفقر. أمَّا في الضفة الغربية، فبلغت نسبة البطالة 26%، كما أن نسبة الفقر أيضًا مرتفعة، علمًا أن نسبة الفقر ترتفع بين الشباب الفلسطيني من عمر 24-32 سنة، والسلطة الوطنية الفلسطينية تعاني عجزًا في موازنتها سيصل في العام 2014 إلى 1.6 مليار دولار أي ما نسبته 38% من الموازنة العامة، وهذا الأمر يعني أن السلطة تعيش أزمة اقتصادية متراكمة بسبب إجراءات الاحتلال التعسُّفية. فغزة تحت الحصار ومعزولة عن بقية المناطق الفلسطينية، والضفة الغربية منزوع منها حوالي 61% من مساحتها الكلية المسماة بالمناطق "ج"، ومعزولة عن بقية عناصر التنمية، لذا فإن الأزمة الاقتصادية القادمة ستزداد عمقًا في حال انسداد الأفق السياسي، لأن المانحين الأوروبيين والولايات المتحدة يقدمون المساعدات للشعب الفلسطيني من أجل تقدُّم المسار السياسي، وإذا تعثَّر هذا المسار السياسي فحتمًا ستتعثر هذه المساعدات، لكننا نأمل أن تستمر المساعدات العربية بحيث تسد العجز الذي نعيشه بشكل أو بآخر.

 

كيف يمكن أن توثّر المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل على إسرائيل وعلى بقية المسارات؟

يجب أن يكون هناك مقاطعة للبضائع الاستيطانية ولا يعقل أن نطالب الاتحاد الأوروبي بمقاطعة البضائع القادمة من المستوطنات في حين نقوم نحن باستهلاك بضائع المستوطنات، ويجب أن ننزع الشرعية عن الاحتلال وبكل الأشكال سواء أكانت قانونية أم سياسية أم اقتصادية أم غيرها. وعلينا أن نجعل هذا الاحتلال مُكلِفًا في الدوائر الفلسطينية والإسرائيلية والدولية، وإلّا فما الذي سيدفع الاحتلال لإنهاء سيطرته على الأراضي الفلسطينية إذا لم نكلفّه غاليًا ثمن احتلاله لنا وللأراضي الفلسطينية.

 

ما حقيقة مطلب نائب للرئيس الفلسطيني؟ وهل هو جواب للأزمة السياسية التي تشهدها الساحة السياسية في أراضي السلطة؟

 برأيي هذا المطلب ليس ضرورة أو حاجة فلسطينية، ولا داعيَ له أصلاً، لأن القانون الفلسطيني الأساسي ينص على أن رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني هو من سيحل محل الرئيس سواء أوجد هناك نائب للرئيس أم لا، وهناك لجنة قانونية فلسطينية تدرس هذا الأمر، ولكني شخصيًا أرى أن ما تحتاجه الساحة الفلسطينية هو انتخابات شاملة من أجل تجديد الشرعية في المؤسسات الفلسطينية في المجلس التشريعي وفي الرئاسة وفي غيرها من المؤسسات.

تعثَّر الإطار القيادي لحركة "فتح" في قطاع غزة رغم تشكُّله لأكثر من مرة. فكيف يمكن التغلُّب على هذه العثرات؟ وهل ما زال المؤتمر العام للحركة قائمًا في الموعد الذي حُدِّد لانعقاده؟

نحن لا ننكر وجود تعثرات في هذا الإطار وقد تم تغييره وتعديله لأكثر من مرة، ولكن في جلسة اللجنة المركزية الأخيرة، تم تخصيص أربع ساعات لمناقشة موضوع الإطار القيادي لفتح في قطاع غزة، وتم تأكيد اعتماد الهيئة القيادية الحالية للإطار برئاسة الأخ زكريا الآغا ومعه العديد من الأخوة، واتفقنا على تعزيز دوره الهيئة، واستكمال الانتخابات في الأقاليم، وإذا ما اقتضت الحاجة ستكون هناك بعض الإضافات لهذا الإطار لمساعدة الأخوة في العمل.

أمَّا بخصوص المؤتمر العام، فقد أجمعنا في اللجنة المركزية على عقده في موعده المقرَّر في 4/8/2014، وهي انتهاء فترة الخمس سنوات للمؤتمر السابق، ونأمل أن تستكمل باقي الأقاليم انتخاباتها لنتمكن من انجاز المؤتمر في الوقت المقرر، فهذه هي رغبتنا كما هي رغبة الرئيس أبو مازن.

 

ما الذي يعطّل انجاز المصالحة الفلسطينية مع حركة حماس؟

 منذُ البداية حرصنا كحركة "فتح" على الوحدة الوطنية وقلنا دع ألف زهرة تتفتح ولكن في بستاننا. فنحن احتضنـّا جميع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية على مدار الـ49 عامًا الماضية، وعملنا كجبهة في منظمة التحرير، علمًا أن المفارقة تكمن في أن الإطار القيادي لمنظمة التحرير الفلسطينية يحتوي على ثلاثة مقاعد فقط لحركة "فتح" من أصل 15 مقعدًا وذلك في اللجنة التنفيذية للمنظمة. ورغم أننا العامود الرئيس للمنظمة، ولكن قلبنا وعقـلنا مفتوح لأي ائتلاف جبهوي من أجل ترسيخ الوحدة الوطنية الفلسطينية في الميدان وعلى طاولة القيادة. ولذلك وقعنا مع حركة حماس ثلاثة اتفاقات، اثنان منهما في القاهرة، والثالث في الدوحة حيثُ اجتمعت أنا ورئيس وفد المصالحة الأخ عزام الأحمد بالأخ خالد مشعل وبعض أعضاء المكتب السياسي لحماس لمدة أربع ساعات متواصلة، وتوصّلنا لتفاهمات حقيقية بيننا، ونحن ما زلنا ننتظر رسالة من حركة حماس تطلب إلينا البدء بتنفيذ الاتفاقات في اتجاهين؛ أولهما تشكيل حكومة وفاق وطني، وثانيهما الذهاب إلى انتخابات رئاسية وتشريعية. وقد كان الرئيس أبو مازن يطالب، حسب الاتفاق، بأن تُجرى الانتخابات بعد ثلاثة أشهر من تشكيل الحكومة، ولكن حماس عادت وطالبت بستة أشهر لإجراء الانتخابات من بعد تشكيل الحكومة، فقبِل الرئيس أبو مازن وقبِلنا كذلك في اللجنة المركزية، ولكن وحتى هذه اللحظة لم تصلنا أي ورقة منهم، لأن حركة حماس وللأسف الشديد لديها قراءة متغيرّة في الإقليم، وهناك تباينات كبيرة في داخل قيادة حركة حماس سواء أكان في الخط الإيراني للحركة أو في الخطوط الأخرى، لذا نأمل من حماس أن توحّد موقفها من المصالحة وتبدأ بتنفيذها وتلتزم ببنود الاتفاق، وأعد وأؤكّد بأننا لسنا إطارًا شوفينيًا متعصّبًا بل نحن إطار جبهوي حرصنا دائمًا ومنذ اليوم الأول على أن نكون في جبهة واحدة ضد الاحتلال ومن أجل تحرير وطننا، ولذلك فقلبنا وبابنا مفتوح لمن يريد أن يكون جزءًا من هذا الجهد، ولا أحد يستطيع أن يصنع السلام وحده كما أن لا أحد يستطيع أن يصنع الحرب وحده، ومن هنا فعلينا أن نكون موحّدي الهدف ونتّفق على توحيد أدوات تحقيق هذا الهدف، وإلا ستصبح حالة الشعب الفلسطيني مشرذمة كشرذمة جغرافيته.