بقلم: بكر أبو بكر

لست متفقا مع العبث والتخريب الذي يحصل من القلة في بعض أطر حركة فتح خاصة في غزة، وفي أماكن أخرى سواء في الضفة أو الخارج ، وقد أكون مختلفا سواء من زاوية رسم السياسات أو تمثّل الافكار أو طريقة التعبير أو منهاج العمل أو الرأي مع عدد من الكوادر في الحركة، ولكن أن يتم التعامل مع أبناء الحركة (كقطيع) يُساق الى مصيره دون إرادة منه فهذا مما لا يتفق لا مع النظام الداخلي ولا مع الأعراف الحركية، ولا مع سياسة الرئيس أبو مازن التي تتميز بالاستيعاب والصدر الواسع وتقبل الرأي الآخر.

إن عدم اتفاقي أو اختلافي مع عدد من الكوادر في حركة فتح لا يجعلني أسعى لإقصائهم أبدا، كما لا يجعلني أن أرحب بإخراجهم من أطر الحركة بالتجميد أو الفصل بشكل فردي أوجماعي، وذلك ما أراه يحتاج لكثير من التأني ولكثير من الحرص ولإشعال أوار المحبة والتقارب لا تكريس التباغض والتنابذ والإقصاء.

إن مسلسل الفصل للأعضاء والقيادات في حركة فتح في جزء منه قد اتخذ منحى غير نظامي أبدا، أي أنه بعيد عن النظام الداخلي وقوانين الحركة وأعرافها ، وفي جزئه الآخر كان مرتبطا بحسابات تسبق المؤتمر العام لحركة فتح، وفي جزئه الثالث نتيجة استبداد الموقع واستغلال النفوذ الذي طغى لدى البعض في الحركة (والبعض من هوامشها) الذين يصورون للرئيس (رئيس حركة فتح) -وللجنة المركزية فيها- أن في ذلك مصلحته ومصلحة الحركة ومصلحة فلسطين.

لا نقبل مطلقا الاساءة لفلسطين أولا، ولا للأخ الرئيس أبو مازن، ولا لحركة فتح أو أي من قادتها بأي شكل كان، سواء من أي كان داخلها أو خارجها ، ولكننا في نفس الوقت نرى أن اتساع مساحة الحرية والديمقراطية، واتساع مساحة النقد والنقد الذاتي، واتساع حالة الرحابة والاستيعاب تمثل حقيقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح التي لم تكن يوما تنظيما فكرانيا (أيديولوجيا) مستبدا برأي واحد، أو مرتبطا بالزعيم فقط، أو منصاعا لإرادة الفرد الواحد الأحد، أو بطانته بالأحرى .

في ذات الوقت لا نقبل أن تستغل حركة فتح منصة للاحتراب والتخريب والتكتيل والتحريض ضد سياسة وفكر ورموز الحركة كما يحصل من القلّة الانتهازية، وبين هذا وذاك تظهر معادلة القدرة على الحزم والرحابة والتوازن، ويبرز دور النظام.

وقف الشامخ خالد الحسن في مؤتمر حركة فتح الخامس في تونس عام 1989 ليرفض إعادة التصويت على قرار سبق التصويت عليه، بإرادة الرئيس أبو عمار، وأوضح بجلاء رفضه لذلك قائلا: أن هذا (الأسلوب) هو الاستبداد بعينه بغطاء ديمقراطي.

بلا شك أن حركة فتح تعاني من مجموعة من الاشكالات والأزمات وهذا أمر طبيعي في ظل التنوع الذي تتميز به لأنها تنظيم الكل الوطني الفلسطيني، وتنظيم تحرير فلسطين، الذي يضم الرأي والرأي الآخر ، ونتبادل التعددية في الرأي في إطار فهم معنى الالتزام والانتماء، في سياق تخير الأفضل أو الأصوب أو الاحوط أو الأيسر.

أمسك أعرابي بتلابيب أبوبكر الصديق (صاحب الخطبة الشهيرة: أطيعوني ما أطعت الله فيكم...)، وهو خليفة حتى آذاه وشتمه ، فرفع صحابته عليه السيف، فقال لهم أبو بكر رضي الله عنه وهو المحب الواثق المتسامح: دعوه إن هذا لا يصح إلا لصاحب هذا القبر(أي الرسول صلى الله عليه وسلم)، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لصحبه يحثهم على النقد والمساءلة : "لا خير فيكم إن لم تقولوها ، ولا خير فيّ إن لم أسمعها '' ، وقيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه عن شخص قال له بجلافة وحنق وقصد: "لا أصلي خلفك ولا أطيعك"، لم لا تسجنه؟ قال علي: أنسجن كل من يخالفنا الرأي!

إن قرارات الفصل للأعضاء والكوادر -تلك القرارات المتتابعة والمتواترة- في حركة فتح، عدا عن عدم نظامية بعضها، وتسرع وتحامل البعض الآخر، فإنها تفتقد للروية وللرؤية الجامعة المرحابة، وتزيد من الشرخ ، وقد تفقد بها الحركة أحد أهم سماتها التي تميزت بها لخمسين عاما حتى وهي: الرحابة والاتساع للكل، والتقبل والتفهم والتجاور للآراء في ظل وحدة الهدف، وحسن ادارة الاختلاف.

نرى أن هناك ضرورة للترتيب وإعادة النظر في مختلف القرارات الصادرة مؤخرا، لأن في هذا وعي وإدراك ورؤية واجبة ، والرجوع عن الخطأ فضيلة والانصياع للنظام واجب ، فاستبداد القوة لا يفيد مطلقا فكما تدين تدان.

ان حركة فتح لن تنزع ثوبها الفضفاض برحابته وشموليته الطاغية، ولن تفقد الوفاء المربوط بلواء الالتزام للفكر والقيم والنظام والتاريخ والأهداف والرواد، فهي كانت ومازالت ذات صدر واسع "ألم نشرح لك صدرك" فلا تضيق بأصوات اعتراض أو نقد ، أو حتى أصوات نشاز هنا أو هناك.