بقلم: رفعت شناعة

الانقسام حصل بعد الانقلاب الذي حدث في القطاع على شرعية الرئيس أبو مازن الذي أعطى الثقة لحكومة اسماعيل هنية على مرأى ومسمع الجميع، فلماذا الانقلاب؟ ولماذا الانقسام؟ فهل كان الانقلاب حدثاً عابراً؟ وهل كان الانقسام طفرةً سياسية؟ لكن ألا يعني إستمرار الانقسام لفترة تسع سنوات بأنه أصبحَ متجذراً؟ وأنه أصبح يتحكم بمفاصل العمل الوطني الفلسطيني؟ ألا يشعر الجميع بأنّ هناك شللاً واضحاً في الحراك الفلسطيني المجتمعي؟ أليس من حق كل فلسطيني أن يتساءل وبجرأة: هل قدرنا أن نبقى تحت كابوس الانقسام المدمِّر؟ هل افتقدنا القدرة على النهوض، واستعادة الوعي الوطني، والخروج من حقل الألغام؟
والأخطر من كل ذلك هو هل أصبح الانقسام يتحكم بواقعنا، ومستقبلنا، وهل أصبح منهجَ حياةٍ لنا في واقعنا، وحياتنا، وخياراتنا على اختلافها؟ واذا كان الجوابُ بالنفي  فلماذا إذاً نحن أسرى له ولتداعياته ولماذا نختار العيش في جحيمة؟ ونرضى العيش في أقفاصٍ مُحكمة صنعها الاحتلال الإسرائيلي لتدجيننا؟ وتدجين قضيتنا، وتيئيس شعبنا.
لا نستطيع أن نتهم الكيان الصهيوني المُحتل بأنه مسؤول عن الانقسام علماً أنه هو الوحيد المستفيد من هذا الانقسام، والوحيد الذي يستثمره بنجاحٍ باهر سواء في تعميق الشرخ الوطني، وتأجيج الصراع الفلسطيني الداخلي، أو في تقسيم الوطن وجغرافيته، والأدهى من ذلك أنه يستثمر الانقسام من أجل رسم خارطة جديدة سياسية لمستقبل القضية الفلسطينية، بما يضمن نجاح الاستراتيجية الاسرائيلية القائمة على إلغاء حل الدولتين، وتكريس دولة إسرائيل اليهودية، وطمس حق العودة للاجئين، وممارسة التطهير العرقي في القدس الشرقية لجعلها عاصمة للكيان الصهيوني. وهذا كله يُمارس على ارض الواقع بجدية وفعالية عالية جداً.
لاشك أنه أمام المآزق السياسية والوطنية، وانشغال العالم بالحروب والنزاعات الإقليمية ليس أمامنا كفلسطينيين سوى خيار واحد وهو الالتفاف حول المشروع الوطني الذي يؤمن بوحدة الجغرافيا، والشعب والأهداف السياسية، خاصة أننا جميعاً نعلم بأن ما يُريده الاحتلال الصهيوني هو دويلة في قطاع غزة مفصولة عن الضفة الغربية، وأن ما ينتظر الضفة الغربية كانتونات منفصلة بدون أية سيادة تحت اسم وهمي وهو " دولة ذات حدود مؤقتة". وهذه المخططات الصهيونية رفضتها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بالمطلق.
وللأسف بإن هناك قوى دولية على رأسها الولايات المتحدة، وأيضاً قوى إقليمية بدأت تتعامل بجدية مع الطروحات الصهيونية، وتتجاهل قرارات الشرعية الدولية.
ونحن نؤكد في هذا الصدد مجموعة من القضايا الجوهرية التي لابد من أخذها بعين الاعتبار في معالجة الموضوع المطروح:
أولاً: لا بد من حسم الخيارات الوطنية الفلسطينية في تعزيز المصالحة، وطي صفحة الانقسام، خاصة أن العدوّ الإسرائيلي قد حسم خياراته، وهو ينفّذ مشروعه بقوة الأمر الواقع دون تردد. وعلينا كفلسطينيين أن ننفّذ ما اتفقنا عليه سابقاً وفاءً منا لفلسطين، وللشهداء ، وللقدس، وللمعتقلين، وللتراب المخضّب بالدماء، ولمستقبل الشعب الفلسطيني.
ولا شك أن فشل القيادات الفلسطينية في التوصل إلى اتفاقات نهائية يشكل صدمةً للإنسان الفلسطيني، ويُقفل أمامه باب الأمل والانطلاق.
ثانياً: ما نريده في هذه الجزئية التالية بالغ الأهمية في معالجة الموضوع المطروح:
نحن نسلّم بأنّ الاعلام هو نصف المعركة إذا عرفنا كيف نستخدمه وكيف نوجهه، ولذلك علينا أن نقيّم أداءَنا الاعلامي من منطلق أنه إعلام وطني هادف مطلوب منه حماية المشروع الوطني الفلسطيني، وحماية البيئة الفلسطينية، وتحصين الوحدة الوطنية الداخلية.
واذا كان هذا الكلام منطقياً، ومقبولاً لدى الجميع فمن حقنا أن نسأل وبكل وضوح، ونريد أجوبة دقيقة أيضاً على الأسئلة التالية لأن الوضع في قمة الخطورة.
أ- ما هو الأفضل هل أن نوجّه سهامنا إلى صدر الكيان الإسرائيلي المحتل والغاصب لأرضنا، والقاتل لأبنائنا، والذي يستهدف أحلامنا وآمالنا وأجيالنا، وترابنا وتراثنا ومقدساتنا، أو أن نوجّه السهامَ إلى صدر السلطة الوطنية الفلسطينية وتخوينها وتعهيرها، علماً أن تأسيسها كان بقرار من "م.ت.ف"، والمنظمة بلجنتها التنفيذية هي مرجعيتها، ولها الفضل بتأسيس المؤسسات والوزارات الفلسطينية، واجراء الانتخابات العامة أكثر من مرة، وهذا التقصير تعاني منه كل حكومات العالم، وبالتالي السلطة هي وسيلة لبلوغ الغاية وهي الدولة الفلسطينية المستقلة، ونحن اللآن تحت الاحتلال، والاحتلال يستفيد من كل التصريحات، ويستثمرها سياسياً، وأمنياً، واجتماعياً من أجل زرع الخلافات والشقاق والتناحر الداخلي الفلسطيني، وبالتالي  إستثمار حالة العداء والكراهية فبدلاً من أن تكون موجهة ضد الاحتلال وسياساته العنصرية الاجرامية تصبح موجهة ضد السلطة الوطنية ورجالاتها ومؤسساتها، وهذا إنتصار للعدو الصهيوني.
ب- التباين في وجهات النظر السياسية أمرٌ طبيعي في الساحة الفلسطينية لأنّ هناك تأثيرات دائمة إقليمية ودولية على الوضع الفلسطيني، وهناك أيضاً ضربات قاصمة تعرضت لها "م.ت.ف" جعلتها تعيش حالة من الارتباك والضعف لكنها رغم ذلك كله إستطاعت "م.ت.ف" أن تحافظ على استقلاليتها، وشخصيتها الوطنية، وتمكنت قيادتها ابتداء من الرئيس الرمز ياسر عرفات، ومروراً بالرئيس أبو مازن محمود عباس بأن تبقى متماسكة. لكنّ السؤال الجوهري الذي نطرحه في حركة فتح على الآخرين هو: لماذا تصريحاتكم دائماً تستهدف سيادة الرئيس أبو مازن فتارة تتهمونه بالتنازل، وطوراً تتهمونه بالخيانة العظمى، وفي معظم الأحيان وفي قنوات كقناة الأقصى مثلاً يُقال كلامٌ عنه وعن أعضاء اللجنة المركزية لا يُطاق، ولا يُسمع، وهو كلامٌ منفّر، وكله نابع من حقد شخصي أو حزبي، ولا ننسى أنه في بعض الأحيان كانت توضع لوحات جلد مكبّرة يتم إعطاء التعليمات لبعض النسوة والأطفال برجم صورة الرئيس بالأحذية علناً وأمام كميرات الاعلام.
وعلى ضوء هذه المنهجية الظالمة والقاسية، والخارجة عن كل الأصول الوطنية ما الذي ننتظره من الاجيال الصاعدة التي ترى وتسمع مثل هذا الكلام المُغرض؟! بالتأكيد هذا الجيل الصغير والصاعد سيرى نتيجة هذه التعبئة الحاقدة أن الرئيس أبو مازن هو الأشد خيانة من نتنياهو، وأن عدوه التاريخي هو الرئيس الفلسطيني، وليس الصهيوني، وبالتالي أصبح مقتنعاً بأن زوال وقتل الرئيس الفلسطيني، هو الطريق للنصر لأنه هو العقبة الأساسية بنظرهم وعندما تجد نفسَك أنت وعدوك في مربَّع واحد عليك أن تعييد حساباتك.
هذه التعبئة السامة والخطيرة، والمدعومة بإعلام حاقد يعيش على إشعال الفتنة، وتغييب الحقائق، وتدميرها، وتأجيج الصراع الداخلي الفلسطيني سيقود إلى مجتمع فلسطيني تسوده الكراهية، والأحقاد، والاستعداد للتقاتل اكثر من الاستعداد لقتال الاعداء. لذلك نحن نقرعُ ناقوس الخطر أمام الجميع، وآن الأوان أن نُحكّم فلسطين في إعلامنا، وسلوكنا، ومواقفنا، وإلاً فنحن متهمون مسبقاً بأننا نقف خلف مؤامرة تستهدف هذا الجيل الصاعد الذي يتغذى عبر الإعلام بمواقف سياسية مسمومة، ومواقف إعلامية تشكل تدميراً ذاتياً.
ج- ما يجب أن نعلّمه للأجيال هو أنَّ لنا عدواً واحداً هو العدو الصهيوني، والاحتلال الإجرامي العنصري الذي يقوده الآن المجرم نتنياهو وعصابته. وأنّ الوحدة الوطنية هي ضمانة النصر لشعبنا وقضيتنا، وانه لا نصر مع وجود التقسيم.
وأن تقول للأجيال الصاعدة، والشرائح الشبابية والطلابية بأنكم أبناء قيادات تاريخية شقّت أمامكم الطريق، وأشعلت الشعلة، ورسّخت الحقائق القائمة على المحبة والاحترام والوحدة الوطنية، فالمرحوم الرمز ياسر عرفات كان أول ما يفعله صباح يوم العيد هو زيارة المرحوم الشيخ أحمد ياسين وتقبيل جبينه، وإلى جانبه الشهيد عبدالعزيز الرنتيسي، ولا شك أنَّ الذي قتل الشيخ احمد ياسين هو نفسه الذي قتل الرمز ياسر عرفات.
والذي خطط لاغتيال الشهداء عبدالعزيز الرنتيسي، واسماعيل أبو شنب، وأبو علي مصطفى، والشقاقي، هو نفسه الذي يخطط اليوم لاغتيال وقتل الرئيس محمود عباس أبو مازن رئيس اللجنة التنفيذية، ورئيس دولة فلسطين المنتخب من شعبه. لأن الرئيس أبو مازن هو العقبة بوجه المشروع الاميركي الصهيوني. وهو الذي رفض كلّ الضغوطات من كافة الأطراف، وما زال يصرُّ على إنهاء الانقسام لأنّ لمنظمة التحرير مصلحة في ذلك وطنياً، ودولياً، وسياسياً. وهو ضمانة الوحدة الوطنية، والحفاظ على القرار الفلسطيني المستقل.
فمتى سنحدد خياراتنا الوطنية والسياسية من منطلق انتمائنا الفلسطيني وليس من منطلقات أُخرى؟؟