انفتحت شهية المنجمين بالسياسة , فبعضهم يقرأ فناجين اللقاءات ,وآخرون يضربون الودع , فيما يجتهد الشاطرون منهم بقراءة لغة الرصاص المذوب ( المصبوب ) ن لكن الملفت أن جميعهم متفقون على أن الرئيس ابو مازن مقدم على اتخاذ قرارات تاريخية وهنا بيت القصيد والعجب ، فالقيادة مسئولية تاريخية وأمانة ، وهذا يعني أن كل مايقرره قائد أو زعيم او رئيس هو تاريخي بامتياز حتى لو تعلق الأمر بقرار او مرسوم بتعيين مستشار .

 

يحفل سجل حياة الرؤساء الناجحين بمهماتهم بالقرارات الصائبة، لكنه قد لايخلو من قرارات خاطئة، فالأمر متعلق بالنسبة اذا, ويتعلق ايضا بنتائج القرارات وانعكاسها على حياة الناس، فقرار خاطىء واحد من بين الف قرار صائب سيدون في سجل التاريخ بأنه جلب مصائبا وآلاما ومشاكلا على الأمة تحتاج لتاريخ حتى تتخلص أو تتحرر منها او تحلها. وهنا يحق وصف هكذا قرارات بالتاريخية تماما كوصفنا القرارات التي تجني منها الأمة سلاما واستقرارا وامنا وتقدما وبناءا وازدهارا ورفاهية وبحبوحة وآمالا اضافية بحياة عزيزة كريمة .

 

نؤمن بأن حكمة الرئيس راشدة، فهو على حد علمنا يسترشد ويستنير بالأفكار المخلصة المجردة من المصلحة الذاتية, ويستزيد باستخلاصات وعبر اصحاب التجارب، فأبو مازن يستلهم قراراته بحكم مسئوليته الأولى في موقع ثلاثي الأبعاد، فالقائد العام رئيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينة لابد أن تكون قراراته بحجم تاريخ وعطاء الأطر القيادية الممثلة لارادة الأغلبية الشعبية في الصروح الثلاث .

 

ظن أحد المنجمين السياسيين أن الرئيس سيخطب خطبة الوداع، ثم يقدم استقالته!! وظن آخر أن الرئيس قد يذهب الى غزة في ظل سيطرة الانقلابيين عليه ، لكن هل يعقل أن يهبط معنى القرار التاريخي في التفسير الى هذا المستوى؟! فالرئيس ابو مازن ليس رئيس شركة، ولا هو مدير عام في وكالة اسرائيلية - اميركية حتى يقدم استقالته ردا على خداع نتنياهو ومراوغات الادارة ألأميركية, واحتجاجا على ضعف المجتمع الدولي في فرض ارادته على حكومة اسرائيل، فالكل يعلم أن ابو مازن كان مرشح حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح في انتخابات رئاسة السلطة ، وان الحركة ستكون صاحبة القرار في موضوع استقالة ابو مازن – رغم انا لانراها مطروحة فعلا في هذه المرحلة ، فأطرالحركة القيادية التي كانت صاحبة القرار التاريخي في انتخابه رئيسا وقائدا عاما للحركة، ستكون هي الكلمة الفصل في موضوع الاستقالة التي يتنبأ بها بعض المتمنين ان تحصل اليوم قبل الغد .

 

لن يغادر ابو مازن موقعه لأنه يمثل ارادة حركة وطنية لم تقرر الانسحاب من معركة اشتباك سياسي مع اسرائيل والادارة الأميركية في احرج مراحلها واصعبها، فالمسئولية التاريخية تقضي بأن تكون قرارات رئيس الحركة الوطنية الفلسطينية بمستوى طموحات وآمال مناضليها، وتطلعات جماهير الشعب الفلسطيني .

 

لم نعهد انسحاب قيادات وطنية فلسطينية في عز الأزمات، فكيف وألأمر يتعلق بقائد كان لأفكاره ورؤاه تأثيرا عظيما في صنع تحولات تاريخية لصالح نصرة عدالة القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني .

 

ذهاب ابومازن الى غزة في هذا الوقت سيكون قرارا تاريخيا، لكنه من النوع الكارثي، فالانسحاب من المفاوضات مع حكومة الاحتلال والاستيطان لايعني السقوط والانقلاب نحو "حفرة الاخوان"، فالانقلاب والاستيطان لايشرعنهما قائد حرص ان تكون قيمة الانسان الفلسطيني فوق كل اعتبار .

 

لايحتاج ابو مازن لهوبرة تاريخية حتى يذهب الى غزة ، فهو يعلم ويدرك أن استعادة السلطة الوطنية لمؤسساتها وهيبتها وقانونها في غزة يجب أن يكون مقدمة لمزاولة رئيسها مهام عمله فيها، فالقرارات التاريخية لا تعني في قاموس رجال الدولة "تبويس اللحى" وعفا الله عما مضى. فعندما تعود قيادات حماس عن انقلابها وتتصالح مع القيم الوطنية ومبادىء السلم الأهلي، وتشر ايمانها بالشراكة الوطنية, وتتراجع عن مفهوم الاستعلاء والاستيلاء على السلطة بقوة السلاح ,وتعتنق الديمقراطية منهجا قويما للحياة، فانه من البديهي أن يتوجه ابو مازن الى غزة من الغد ليزاول عمله في المنتدى مقر الرئاسة على شاطىء غزة، فالأمر لايحتاج من حماس لأكثر من قرار بديهي ايضا ان ارادت للشعب وللوطن خيرا ومكانة في سجل التاريخ .