بقلم: زهران معالي

بينما كان الفتى بشار نهاد حنني (17 عامًا) يسهر فجر الخميس برفقة أقرانه بالقرب من منزله في بلدة بيت فوريك شرق نابلس، تفاجأ بمجموعة من جنود الاحتلال المشاة يقتربون منهم، حاول وأصدقائه الفرار، إلا أن رصاص الاحتلال كان أسرع، فخطفت رصاصتان حياته إلى الأبد.

في الضفة الغربية المحتلة، الموت يحيط بالمواطنين على مدار الساعة، خوف من الحركة والتنقل، هلع من السفر والخروج من المنزل، رعب على الحواجز العسكرية التي تخنق مدن وبلدات وقرى ومخيمات الوطن، فلا تدري متى تحين ساعتك أو تفارق من تحب، إنه الموت في كل لحظة.

ويروي مدير مركز الصداقة الطبي الدكتور محمود حنني حيثيات ما حصل، بأن قوات الاحتلال اقتحمت بثلاثة جيبات عسكرية البلدة قرابة الساعة الـ 12:30 فجرًا من منطقة الشارع الرئيس على مدخل البلدة، حيث تقع عدة محلات تجارية ومطعم، ونقطة تجمع لشبان البلدة.

ويشير إلى أن مواجهات اندلعت بين الشبان وقوات الاحتلال، وبعد قرابة عشرة دقائق اقتحمت مجموعة من جنود المشاة الشارع الرئيس حيث يتواجد المركز، سمع صوت رصاصتين قرابة الساعة 12:55 بعد منتصف الليل، فخرج أحد الممرضين إلى شرفة المركز لاستطلاع ما جرى، ليتفاجأ بحركة عشوائية لشخص ملقى على الأرض وأصوات أنفاسه تتسارع.

سارع الطبيب حنني للطلب من سائق سيارة الإسعاف بالمركز لتشغيلها وإحداث ضجة والمناداة عليه حتى يتمكن من الخروج من المركز الذي أحيط بمجموعة من الجنود المشاة، وانطلقا للبحث عن المصاب، واهتدوا إليه بعد أن مروا عنه مرتين، إثر عتمة المكان.

ويضيف: الطفل بشار كان قرب مدخل كراج العمارة التي يتواجد فيها المركز برفقة عدد من الفتية، وتفاجأ بوجود جنود مشاة يبعدون عنهم ما بين 20-30 مترًا، هرب الفتية خوفًا على حياتهم لكن مباشرة أطلق الجنود الرصاص الحي باتجاههم، أصابت رصاصتان الطفل بشار إحداها في بطنه واستقرت فيه، وعندما حاول الاستدارة للهرب أطلق الجنود رصاصة أخرى عليه أصابته في أسفل ظهره وخرجت من خاصرته.

ويتابع، عندما وصلتنا الإصابة كان الجنود في محيطنا، طبيعة الإصابة تظهر أن الاحتلال تعمد إطلاق النار من مسافة قريبة على الطفل حنني، ونقلنا الطفل مباشرة إلى داخل المركز وبدأنا بالإسعافات الأولية حيث تم تركيب محاليل إثر فقدانه كمية كبيرة من الدماء، فيما بدت عليه علامات الموت الدماغي.

ويشير إلى أنه طلب من سائق الإسعاف إحضار جهاز التنفس الاصطناعي من المركبة المتوقفة في ساحة المركز، وأنه عندما حاول إحضارها تفاجأ بقرابة عشرة جنود، أحدهم صوب السلاح نحوه فيما كان الآخر يصوره بالهاتف، وبدأ ثالثهم باستجوابه، بعد تفتيشهم لمركبة الإسعاف.

ويضيف حنني، أن الاستجواب كان حول حالة الفتى المصاب، وعندما رد المسعف بأن الطفل سقط عن الحائط، رد عليه الجنود بأنه يكذب وأنهم أطلقوا عليه رصاصتين، وعندما سألوه عن وضعه الصحي وأخبرهم بأنه صعب وفي حالة موت سريري، تساءلوا هل سيموت؟ قبل أن يغادروا المكان.

ويؤكد حنني أن "تواجد جيش الاحتلال بالمنطقة القريبة من المركز ودخولهم إلى ساحته وتفتيش مركبة الإسعاف، يشير إلى أنهم كانوا يريدون التأكد ما إذا تم إعدام الفتى أم لا".

ويشير إلى أنه جرى نقل الفتى عبر مركبة إسعاف إلى مستشفى رفيديا الحكومي بمدينة نابلس، حيث أعلن الأطباء عن استشهاده قرابة الساعة الواحدة والنصف فجرًا.

والشهيد بشار حنني ولد عام 2006، بعد عام واحد من اغتيال قوات الاحتلال عمه الشهيد بشار حنني عام 2005 بعد خمسة أعوام من المطاردة، وسمي على اسمه، وكان من المفترض أن يقدم امتحانات الثانوية العامة بالفرع الأدبي هذا العام، وله أخ وشقيقتين، ومحبوب بين أقرانه وأهل بلدته، وفق ما يؤكد الطبيب حنني.

وتشهد القرى والبلدات الفلسطينية اقتحامات شبه يومية لقوات الاحتلال والمستعمرين، وعادة ما يطلق الجيش الرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز والصوت اتجاه المواطنين والأهالي، والتي أدت لإصابة واستشهاد عشرات الفلسطينيين بالضفة الغربية، منذ الحرب على غزة.

ويؤكد مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال عايد أبو قطيش: "أن الأطفال الفلسطينيين مثل بشار يعيشون في مجتمعات شديدة العسكرة تدخلها القوات الإسرائيلية في منتصف الليل؛ لإيذاء وترويع الأطفال الفلسطينيين وعائلاتهم، نظرًا لأن الأطفال الفلسطينيين أصبحوا أهدافًا بشكل متزايد في الضفة الغربية، ويبدو أن قواعد الاشتباك التي تطبقها القوات الإسرائيلية تسمح بالاستهداف المباشر للأطفال الفلسطينيين حيث لا يوجد أي تهديد لتبرير استخدام القوة المميتة المتعمدة".

ومنذ السابع من أكتوبر الماضي والتي بدأ فيه الاحتلال الإسرائيلي العدوان على قطاع غزة، قتل 103 أطفال فلسطينيين في الضفة، وفقاً للوثائق التي جمعتها الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال.

وقتلت القوات الإسرائيلية والمستوطنون 22 طفلاً فلسطينيًا في الضفة الغربية المحتلة عام 2024، من بينهم مواطنان أمريكيان، وفقا لوثائق جمعتها الحركة أيضًا.

وفي عام 2023، قتلت القوات الإسرائيلية والمستوطنون ما لا يقل عن 121 طفلاً فلسطينيًا في الضفة، وفقًا للحركة، حيث أطلقوا النار على 103 أطفال فلسطينيين بالذخيرة الحية وقتلوهم، وقُتل 13 طفلاً فلسطينيًا في غارات بطائرات بدون طيار، وقُتل أربعة أطفال فلسطينيين بصواريخ أطلقتها مروحية هجومية من طراز أباتشي أميركية المصدر، وقُتل طفل في غارة جوية لطائرة حربية إسرائيلية.

وبموجب القانون الدولي، لا يمكن تبرير استخدام القوة المميتة عمداً إلا في الظروف التي يوجد فيها تهديد مباشر للحياة أو لإصابة خطيرة، ومع ذلك، فإن التحقيقات والأدلة التي جمعتها الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال تشير بانتظام إلى أن القوات الإسرائيلية تستخدم القوة المميتة ضد الأطفال الفلسطينيين في ظروف قد ترقى إلى مستوى القتل خارج نطاق القضاء أو القتل العمد.