كان تاريخ السابع من تشرين أول/ أكتوبر 2023 نقطة تحول استراتيجية في معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بغض النظر عن خلفيات واهداف القوى الفلسطينية التي لعبت دورًا أساسيًا فيها. لأن ما حدث كان انقلابًا دراماتيكيًا نجم عنه ضرب ركائز المشروع الصهيوني ودولته اللقيطة إسرائيل، وأسقط كليًا مرتكزات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عمومَا، وحكومات نتنياهو الست خصوصا، التي قامت على أسس عنوانها الأساس تصفية القضية الفلسطينية، وسحب البساط من تحت اقدام المشروع الوطني الفلسطيني، وتحويل السلطة الفلسطينية الى مجرد أداة في عجلة المشروع الصهيوني اسوة بدويلة سعد حداد وانطوان لحد في جنوب لبنان، التي غابت عن الوجود عام 2000 كليًا. 


وتلاشت محددات حكومة الترويكا الفاشية الثلاث التي تشكلت في نهاية العام 2022 إلى الأبد، وعبر عنها بشكل صارخ بتسليئل سموتريش، وهي أولاً على الفلسطينيين في أراضي دولة فلسطين المحتلة عام 1967 قبول خيار إسرائيل في التطهير العرقي والفصل العنصري، وعدم التفكير بإستقلال الدولة الفلسطينية، باعتبارهم سكان مقيمين، وليسوا أصحاب ارض ووطن فلسطيني؛ ثانيًا من لا يوافق ويقبل بخيار الدولة العبرية عليه الرحيل والهجرة إلى الدول العربية أو أوروبا، ومن لا يستطيع ذلك سنساعده، وفق ما ذكر وزير المالية؛ ثالثًا من يبقى ولا يوافق على الشرطين الاسرائيليين سيتولى الجيش الإسرائيلي امرهم بالقتل أو التهجير القسري "الترانسفير". 


وهذه المحددات ارتكزت على النواظم التي اعتمدها بنيامين نتنياهو منذ شكل حكومته الأولى عام 1996 كخطوط عريضة لحكوماته اللاحقة، والتي حددتها "مؤسسة بيرل كتسنلسون" و"مركز مولاد لتجديد الديمقراطية في إسرائيل" بالنقاط العشر التالية: أولاً إدارة الصراع إلى ما لا نهاية، وتصفية خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967؛ ثانيًا تقوية حركة حماس وانقلابها في محافظات قطاع غزة، لتعميق وادامة الانقسام الفلسطيني؛ ثالثًا الابتعاد عن واشنطن والغرب واستبدالهما بأصدقاء جدد تحت شعار "من بحاجة الى اميركا والغرب". مع انه يعلم علم اليقين، ان المشروع الصهيوني وقاعدته المادية الدولة الإسرائيلية هو مشروع الغرب الأنكلوسكسوني والفرانكوفواني، وهو صاحب القول الفصل في بقاء إسرائيل من عدمها. لكنه الغرور والغطرسة الصهيونية، التي لم تفِ يوما باية عهود، وافترض زعيم الليكود بإمكانية نقل البندقية الصهيونية للكتف الأخرى في ظل التحولات الجيو سياسية الاستراتيجية في المنظومة العالمية؛ رابعا إمكانية تحقيق سلام بدون الشعب الفلسطيني، ورفع لذلك شعاره "السلام مقابل السلام" مع الدول العربية بعد مصادقة ترامب على صفقة القرن عام 2020، وعقد اتفاقات الاسنسلام الابراهيمي مع عدد من الدول العربية؛ خامسًا الجيش الإسرائيلي، الذي لا يقهر يؤمن حماية المجتمع الإسرائيلي الصهيوني بمختلف مكوناته، وهو أحد ركائز وعناوين الدولة والمجتمع الإسرائيلي الأساسية؛ سادسًا الاعتماد على قوى اليمين الصهيوني المتطرف، وتعزيزه من خلال سيطرته على الامن والمؤسسة العسكرية؛ سابعًا الحوكمة السياسية والعسكرية والتشريعية والقضائية والدينية هي الأساس لمواصلة تطور المشروع الصهيوني، وإقامة دولة إسرائيل الكاملة على فلسطين التاريخية؛ ثامنًا عدم الحاجة الى قطاع ثالث لتحقيق أهداف المشروع الصهيوني، وبالتالي الاستغناء عن أميركا والغرب؛ تاسعًا الصراع والتحريض بين القوى الصهيونية المختلفة بين الليبراليين والمتدينيين الحريديم لا يضعف الامن الداخلي الإسرائيلي؛ عاشرًا مواصلة القيادة للدولة رغم ثقل قضايا الفساد ولوائح الاتهام الموجهة لرئيس الحكومة. 


كل تلك الأسس الناظمة لرؤية نتنياهو انتفت وسقطت يوم السابع من تشرين اول / أكتوبر الماضي، وباتت بلا أثر، وتحطمت مع انهيار الدولة الإسرائيلية، التي اوقفتها الولايات المتحدة وحلفائها من دول الغرب الأوروبي على اقدامها الخشبية مع انخراطها المباشر في حرب الابادة، ليس ذلك فحسب، بل وقادت الحرب بشكل مباشر ونيابة عن الجيش الإسرائيلي الذي قهر، وهزم شر هزيمة قبل السابع من تشرين اول / أكتوبر مرات عدة في آذار / مارس  معركة الكرامة 1968، وفي حرب تشرين اول / أكتوبر 1973، وفي آذار / مارس 1978 في معركة قلعة شقيف، وفي معركة بيروت حزيران / يونيو 1982 التي استمرت لثلاثة شهور، وفي الانتفاضة الكبرى 1987 / 1993 وغيرها من المعارك، وتوجت الهزيمة قبل 49 يومًا من حرب الإبادة على قطاع غزة الجارية والمستمرة حتى الآن. 


هذا السقوط لأسس سياسة نتنياهو ومعه كل المكونات السياسية الصهيونية سيفرض عليهم جميعًا إعادة نظر كلية في برامجهم واجنداتهم الاستعمارية. لانها فشلت فشلاً ذريعًا، ولم تعد ذات قيمة. وللخروج من نفق الهزيمة عليهم العودة لجادة السلام الممكن والمقبول، والاقرار بانه دون استقلال دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين لديارهم وفق القرار الدولي 194 لا مكان لدولة أسبارطة الإسرائيلية في الجغرافيا السياسية في الوطن العربي والإقليم الشرق أوسطي الجديد.