لا يخفى على أحد أنّ المنتصر هو من يكتب التاريخ، وبالضرورة يحاول المنتصر الجشع أن يقلّل من شأن المهزوم وإلصاق كلّ الصفات الشنيعة به، وفي المقابل يحاول أن يعظّم من خطره فيبالغ ويزيد ويكذب ويخلط الحابل بالنابل فيصنع الأسطورة والخرافة، أو العظمة كما يتصوّرها وإن كانت مزيّفة.

 

وفي المقابل فإنَّ المهزوم ذاته، حين لا يتعلمُ ولا يعترف بالهزيمة، ولغرض إنكار الضعف وإظهاره بمنطق البلاء الرباني، وإظهار الهزيمة بمنطق البطولة فإنّهُ يصنع الأعاجيب من مديح لذاته حتى وسنابك الخيل تعيثُ بالديار فسادًا.

 

 وهذا ما كان من شأن كهنة التوراة حينما خطّوا التاريخ الذي لا يمت لهم بصلة لينسبوا الكثير منه لهم أي -لقبيلة بني إسرائيل العربية القديمة المندثرة- وما صدقوا، فما بالك وهو يضفون على الأحداث اللمسات الدينية! فيصبح التاريخ مقدسًا لمجرد أنهم كتبوه! ويختلط الدين ككتاب حكمة مع التاريخ القابل للاخذ والرد ومناهج البحث العلمي والآثاري.

 

وحديثًا تصنع كثير من الدول أساطيرها فتضفي البطولة على أشخاص متوحشين بالتاريخ كما الحال مع هولاكو الذي تقدره أمته، وهو عندنا ليس إلا قاتلاً ومجرمًا. وكذلك الأمر مع جودفري (جودفروا) الذي احتل القدس فترة الغزو الافرنجي (الصليبي) فهو مستعمر ومحتل وعند قومه بطل وأول حاكم للقدس!

 

 وكما الحال أيضًا مع الغزاة الاستعماريين الغربيين كافّةً الذين يحاولون صناعة تاريخ أبيض من ماضيهم الأسود الذي قاموا من خلاله باضطهاد اليهود الأوربيين والروس في مذابح يندى لها الجبين، وكما فعلوا سابقًا مع مخالفيهم في المذهب وما لحق ذلك مع جميع الشعوب الأصلانية في البلدان التي استعمروها قسرًا. 

 

حديثًا وخلال أيام ستلتقي الدول الاستعمارية صانعة البغضاء والاحتلال والقتل والدمار ونهب ثروات الشعوب والتطهير العرقي لتعبر عن ندمها لما وقع ليهود أوربا وخاصةً ألمانيا من مذابح أو عدوان أو غيره من إساءات لم يكن هتلر فقط البادئ فيها، بل العقلية الاستعمارية الغربية برمتها ضدَّ المسلمين واليهود والمختلفين مذهبيًّا من المسيحيين.

 

المنتصر الغربي الأوربي يحقّر المهزوم سواء كانت ألمانيا، أم اليهود، أم الدول العربية حين وقوعها تحت الاحتلال المباشر الذي كذب وقتل واحتل واستغل فصنع لنفسه أسطورة المستعمر اللطيف لشعوب غبية ومتخلفة! فصنع في هذه البلاد (المهزومة) كلّ الفساد الذي على رأسه التهجير ليهود أوربا وروسيا خاصةً إلى فلسطين.

 

يجتمع الأوربيون المنتصرون في الحرب الأوربية المسماة العالمية الثانية ليعلنوا الندم على أفعالهم الاستعمارية الشنيعة بحق اليهود، ولكنهم بذات الوقت يضعون أيديهم بيد الوحش الارهابي الجديد الذي صنعوه، وهو دولة العدوان الصهيوني دولة الاحتلال التي لم يقيموها في أرضهم وأرض يهودها أي في أوربا ليكفروا عن خطاياهم حيث حصل الاضطهاد وإنما أقاموها في أرضنا نحن تحت حجج استعمارية ساقطة، وبغلاف ديني واهي حيث أسقطته حقائق الأرض.

 

هم كتبوا التاريخ وكذبوا بجشعهم العنصري العرقي، كما كذب كهنة التوراة، وهم أوجدوا رموزًا بلا مضامين وأساطير ليتحلّلوا من التزاماتهم كما الحال من التزاماتهم بحقِّ مواطنيهم من اليهود، إذ بدلاً من أن يحترموهم في بلادهم في أوربا وروسيا اعتبروهم قمامةً يجب التخلص منها.

 

كانت الكارثة في الحرب العالمية (هي الأوربية بالحقيقة) الأولى ثُمَّ الثانية أن سقط ملايين الضحايا وكان منهم يهود أوربا (ومنها روسيا) (في الأولى سقط 20 مليون ضحية، وفي الثانية 50 مليون ضحية) فكان كارثة و هولوكوست العالم وهولوكوست يهود أوربا ثم كانت كارثة وهولوكوست فلسطين منذُ دخول الجنرال اللنبي إلى فلسطين حاملاً ورقة بلفور الصفراء.

 

عندما فكر المستعمرون الأوربيون بالتكفير عن ذنوبهم الكثيرة بحقِّ مواطنيهم من اليهود لم يفكروا باحتضانهم ولا باحترامهم بل فكروا باحتقارهم أكثر وأكثر عبر طردهم من بلادهم في أوربا ومن روسيا إلى كينيا أو أوغندا أو الأرجنتين أو إلى ليبيا أو فلسطين فهل هذا هو العدل والبطولة أم هي عقلية التطهير العرقي والعنصرية والاستعمار؟؟

 

عندما تعدّدت خيارات التخلص الأوربي من يهودهم يهود أوربا وروسيا كان الهدف بعيدًا عنهم، ولأهداف استعمارية بحتة وإن غلفت بخرافات دينية أو مطامع صهيونية لاحقة كانت بلادنا فلسطين التي هي لنا عبر جميع حضاراتنا التي استقرت بها.

 

الاستعمار الأوربي الذي يصنع أساطيره ما زال يعبد هذه الأساطير ولا يرتدع.

 

يلتقى اليوم في (منتدى الهولوكوست الدولي) العقلية الاستعمارية الممالئة للشر، الخائنة للإنسانية، والداعمة لدولة الإرهاب الاسرائيلي وللاحتلال، ولنكبة فلسطين ولهولوكوست فلسطين٢ وكأنّ الدم الأزرق الأوربي هو فقط الذي يستحق الاحتفاء به.