عادةً في الانتخابات وفي أغلب دول العالم، يُقِرّ عدد الناخبين الذين لم يحسموا قرارهم باختيار مرشح أو قائمة أو حزب يصوتوا لهم بقرابة 10% إلى 20% من عدد المسجلين الذين يحق لهم التصويت، لذلك تدور المعركة الانتخابية بين الأحزاب والقوائم المترشحة لكسب هذه الشريحة المجتمعية، والتي لها حتمية في تقرير الفائز أو تحقيق الأغلبية المطلوبة في البرلمان، فتنشط وسائل التأثير الانتخابي سواءً العشائرية أو الامتيازات الوظيفية أو المال الذي يعتبر الوسيلة الأكثر نجاعة في تحقيق المكاسب الانتخابية لأي قائمة أو حزب، وهو ما يدور حاليًا في قطاع غزة من خلال جمعيات ومؤسسات تابعة لحركة "حماس"، وأيضًا تقوم به جهات محسوبة على زوجة المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان، والذي أوعز لجهات تدعم قائمة "التيار" بالتحرك فورًا كنوع من المنافسة وكسب الأصوات الانتخابية قبل أن تستحوذ "حماس" على هذه الشريحة التي تفكر بأن ليس هناك تغيير سيحصل، وأن المكسب اللحظي هو الغاية للاستفادة من المال بعيدًا عن البرامج السياسية والاقتصادية التي ستحقق الرخاء والازدهار المطلوب لقطاع عانى بسبب سياسات الاحتلال وفساد قيادات "حماس" وغباء سياساتها، مما عاناه طوال "14" عامًا الماضية.

وبصراحة سياسية مطلقة لا لوم على المواطن الفلسطيني في قطاع غزة إن فكر في قوت عياله بهذه الطريقة، وأن يبدّي المال عن السياسة، فاليأس السياسي المستشري في القطاع، والذي جعل حماس تحكم، والدحلان وأتباعه يعودون إلى القطاع كأبطال منتصرين، وناصر القدوة يخطط للمكوث شهر في القطاع من أجل استقطاب شرائح مجتمعية لتنتخب قائمته في وهم سياسي جديد يعتري الرجل ومستشاريه، فـ "دون كيشوت" فلسطين ذاهبة لمحاربة طواحين الهواء الحمساوي والدحلاني التي توزع المال والقمح بسيف التغيير الذي لا يؤمن به "شعب غزة" بأنه سيشق حكم الفساد، فالمزاج السياسي الغزاوي أصبح مؤمن بأن الخلاص من حكم "حماس" لن يأتي عن طريق أفراد لن تحقق قائمتهم سوى عدد محدود من المقاعد داخل البرلمان، بل يؤمنون بالحركة الكبيرة التي تحكم السلطة في الضفة والقادرة على حل مشاكلهم المتراكمة.

استغلال الظروف المأساوية في قطاع غزة، ليست سياسة تحترم حقوق المواطن وتصون كرامته، بل انتهازية مقيتة تنم عن جهل بحقيقة أن المواطن الفلسطيني عامة والذي في غزة هاشم خاصة، سيقرر بعقله لا بظروفه، وأن الوعي هو الحاكم في تصرفاته، وأما "دون كيشوت" الفلسطيني لن يحقق بسيف الفارغ وشعاراته الجوفاء أي تغيير حقيقي، فالمواطن الفلسطيني في غزة يفكر بقائمة قوية وحركة عملاقة توفر له سبل العيش الكريم الدائم، فكما قال المثل الصيني: "قائمة تعلمني الصيد، لا أن تعطيني سمكة ليوم واحد فقط".