وعد الكار

تبدأ الشابة دعاء خليل إحدى معلمات مدرسة الشروق للمكفوفين ببيت جالا يومها في التحضير لما ستعرضه لطلبتها الذين يعانون من الإعاقة البصرية بشكل كامل أو جزئي بنسبة ٧٠%، من خلال منصة التعليم الالكتروني، إثر جائحة كورونا التي ألقت بظلالها على حياة طلبة المدرسة ومعلميها كسائر القطاعات التي تأثرت بذلك.

تقول خليل: إن التعليم عن بعد تجربة جديدة في ظل الوضع الوبائي الذي فُرض علينا، فواجبنا كمعلمين تأدية مهامنا تجاه الطلاب بالطرق التي تساعدهم على التعلم والاستفادة واكتساب الخبرات بشكل ممتع ومبتكر.

وأضافت: الإغلاقات المتكررة الناتجة عن جائحة كورونا جعلت الخيار الوحيد هو التعليم عن بعد، مبينة أنها فكرت في أساليب وطرق متنوعة خارج الإطار التقليدي للتدريس فيما يخص مادة اللغة العربية التي تدرسها للصفوف الأساسية الأولى، منها عمل فيديوهات لطلاب الإعاقة البصرية الجزئية بحيث يحتاج هؤلاء الطلاب الى حيثيات معينة تراعي وضعهم البصري، فاستخدمت الصور المناسبة للإعاقة البصرية ووضعتها داخل إطار أسود عريض حتى يراها الطالب بشكل واضح، ووضع الكلمات في إطار مربع، ولمراعاة التباين في الألوان قامت بوضع خلفية بيضاء والكتابة باللون الأسود العريض. "وحتى تصل الفكرة أسهل وأسرع للطالب قمت بإدراج صوتي في الفيديوهات وشرح الدروس بالطريقة الصوتية التي تناسبهم بحيث يشعر الطالب بقرب المعلمة واهتمامها به من كافة النواحي وتعويضا عن عدم وجودنا بشكل مباشر، واتخذت أسلوب الشرح في الفيديوهات ومن ثم كتابة ورقة عمل عن موضوع الفيديو كتقييم وتغذية راجعة للطالب" تقول خليل.

وتتابع: من هنا يأتي دور الأهل بالتعاون مع المعلمة حتى تتم عملية التعليم عن بعد بأكمل وأفضل وجه، خصوصا إذا استطعنا جذب انتباه الطالب الذي هو محور العملية التعليمية من خلال معرفة احتياجاته .

بدورها تقول خلود الطيطي وهي والدة الطالبة زينة الطيطي (٩ سنوات) من مخيم العروب شمال الخليل، إن ابنتها تعاني من إعاقة بصرية جزئية، وهي محظوظة لالتحاقها بمدرسة الشروق من عمر ٣ سنوات، حيث تم تأهيلها للتعايش مع وضعها، وتعليمها الأحرف والأرقام بلغة "بريل" وكيفية استخدام الطابعة وقراءة الورق الخاص بهم، إضافة إلى تدريبهم على استخدام الحاسوب الناطق وأجهزة "التابليت" منذ وقت مبكر، حتى قبل ظهور وباء كورونا، الأمر الذي هون علينا بعض الشيء من صعوبة التعليم عن بعد، مضيفة ان ابنتها زينة تم دمجها هذا العام في مدرسة الوكالة بالمخيم، وتفوقت في دروسها على أقرانها من الطلبة.

ودعت الطيطي جميع الأهالي ممن يظهر على أبنائهم علامات وجود إعاقة بصرية أو غيرها بضرورة التوجه للمؤسسات التي تحتضن تلك الإعاقات وتعلمهم التكيف معها ودمجهم بالمجتمع في وقت مبكر، ما يخلق من الشخص الذي يعاني من الإعاقة عنصرا فعالا في المجتمع لا ينتظر المساعدة من أحد بل يعتمد على نفسه ويواجه مشاكله ويحلها بكل جرأة وثقة.

ولم تخف الطيطي الصعوبات التي تواجهها وابنتها خلال التعليم عن بعد، والمتمثلة بضعف جودة الانترنت وتقطعه، وسير العملية التعليمية تكون أبطأ، بالإضافة إلى أن أساليب ووسائل التعليم الوجاهي متعددة وكثيرة وتسهل استيعاب الطالب، خاصة أن هناك اعتمادا كبيرا على حاسة اللمس للتعرف على الأشياء وفهمها.

من جانبها تقول كريمة العوضات والدة الطفل أحمد قطراوي (ثماني سنوات) من مخيم عقبة جبر في أريحا أن نسبة الإعاقة البصرية لدى ابنها كاملة والتحق في المدرسة في الصف التمهيدي وقد كان رافضا التحاقه بالمدرسة بشكل قطعي، ولكن استطاع اخصائيو المدرسة بجهود مضنية إقناعه بتقبل التحاقه، كما قاموا بتعليم كل أمهات طلبة مدرسة الشروق كيفية التعامل مع أطفالهن، وجعلهن يخضن تجارب للإحساس بأطفالهن أكثر، فعلى سبيل المثال كانت المعلمة تغطي عيون كل أم حسب نسبة الإعاقة لدى ابنها وتمشي كل واحدة منهن في شوارع بيت لحم من دون أن يرين شيئا تقريبا ليشعرن بما يشعر به الطفل، مؤكدة أن هذه التجربة غيرت الكثير في الأمهات وأصبحن أكثر تفهما لأطفالهن.

وأوضحت أن المدرسة قامت على مدار عامين بتعليم الأمهات لغة "بريل" واستخدام الطابعة، لمساعدة أطفالهن على حل واجباتهم وتقييمهم، ولتتعرف كل أم على مستوى ابنها التعليمي.

من ناحيتها تقول مديرة مدرسة الشروق ربى أبو ردينة، إنه تم إنشاء مدرسة الشروق لضمان حق التعلم للفتيات الكفيفات، حيث كان التعلم في تلك الفترة للكفيفين الذكور فقط والتي أسستها هيلين شحادة في 1981، ولاحقا حددت المدرسة فئة الأطفال من 3-11 سنوات وتعمل على توفير خبرات تربوية وتأهيلية موائمة، لحاجات هذه الفئة من الأطفال وتتيح لهم الفرصة لتطوير مهاراتهم المختلفة. ويشمل برنامج التدخل المبكر عدة جلسات تأهيلية كالعلاج الطبيعي والوظيفي والتربوي بالإضافة إلى علاج النطق.

وأكدت أهمية تعزيز طلابها على الاندماج في رياض الأطفال في مجتمعاتهم المحلية ومتابعتهم بشكل تخصصي خلال جلسات أسبوعية تقوم على دعم الطالب وتعزيز مهاراته الحسية الحركية والادراكية من خلال التعلم النشط مع حرصها على متابعة طلاب المدرسة المدموجين في المدارس النظامية من منطلق المسؤولية تجاههم.

وأوضحت أبو ردينة أن مدرسة الشروق هي جمعية خيرية تعتمد في استمراريتها على دعم رجال الأعمال الفلسطينيين، وخلال جائحة كورونا تأثر الاقتصاد الفلسطيني بشكل كبير، الأمر الذي أدى إلى تراجع نسبة التبرعات لصالح المدرسة بشكل كبير، ما يهدد وجودها واستمراريتها، فالمدرسة تستوعب 35 طالبا من مختلف أنحاء الضفة، وتستوعب سنويا من 5-6 أطفال جدد، ويتم تقديم خدمات تعليمية وتأهيلية لهم على مستوى عال.

ووجهت نداء للمجتمع الفلسطيني ككل بضرورة التبرع للمدرسة لضمان استمراريتها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها بسبب كورونا، وحاجتها المستمرة للمعقمات وأدوات إجراءات السلامة، كالكمامات والقفازات، التي تثقل كاهن المدرسة أكثر وأكثر، مؤكدا أن هذه المدرسة هي الوحيدة على مستوى الوطن في تقديم الخدمات للفئة العمرية 3-11 سنوات من الأطفال الذين يعانون إعاقة بصرية إلى جانب إعاقات أخرى كالتوحد وصعوبة النطق وغيرها من الإعاقات المصاحبة.

وشددت على ضرورة برامج تأهيل تفرضها وزارة الصحة بالتحاق الأطفال ممن يعانون من إعاقات بصرية، أو غيرها من الإعاقات في وقت مبكر منذ الولادة أو في حال اكتشاف الإعاقة، الأمر الذي سيوفر الكثير من الجهد والوقت في التعايش مع الإعاقة والتكيف معها، والاندماج بالمجتمع.