ما احتاجت المرأة الفلسطينية المناضلة لتمييز إيجابي ولا "للكوتا" لبلوغ ذروة أرقام الناخبين ولتتبوأ الموقع رقم واحد في قائمة المتنافسين على مهمة عضوية لجنة إقليم نابلس لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، وهذا لعمرنا برهان هام على صحة ما كنا قد ذهبنا إليه في مقالات عدة، في قضية التحرر تدريجيًا من نظام الكوتا للوصول إلى المعنى العملي للعدالة والمساواة بين الجنسين عبر إثبات ذات الإنسان الأنثى والتميز الشخصي ليحل محل التمييز الإيجابي الذي غالبًا ما يستخدم كفضل عليها ممن تحتل النزعة الذكورية مفاهيمهم وعقليتهم.

ليست المرة الأولى التي تحظى فيها إمرأة فلسطينية بأكبر رقم من أصوات مشاركين في انتخابات تنظيمية ديمقراطية، فالتجارب في هذا المجال لدى المجتمع والشعب الفلسطيني كثيرة ومدعاة للفخر والبناء عليها، لكن تفوق الأخت المناضلة مي قرادة على جميع أخوتها المناضلين المنافسين وحصولها على أعلى رقم من أصوات الناخبين مؤشر هام يدل على مدى التحول الإيجابي في عقلية المناضلين في إطار حركة التحرر الوطنية الفلسطينية وتحديدًا في هذه المرحلة من الصراع مع منظومة الاحتلال الاستعماري العنصري التي تتطلب ارقى درجات الوعي الإنساني ومتطلبات بناء مؤسسات الدولة المستقلة وتكريس الديمقراطية كمنهج للحياة السياسية في المستويات السياسية الرسمية والتنظيمية في هياكل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والاتحادات والنقابات وكل الأطر التي تتطلب اختيار الأكفأ والأنسب للمهمة.

مهم جدًا أن يعرف القراء الأفاضل أن الأخت المناضلة مي قرادة التي حازت على أعلى رقم من أصوات المشاركين تعتبر حسب تصنيف الفئات العمرية العلمية شابة، ما يعني بالنسبة لنا قدرة الشباب على المنافسة في أشد مسارات العمل الوطني صعوبة وهو النضال الميداني المتشعب إلى نضال تنظيمي وآخر وطني أضخم ويتطلب إدراكًا للمسؤولية وإرادة قوية للعمل والعطاء بلا حدود. أما حصول الاختين المناضلتين سماح خاروف وتمام خضر إلى جانب أختهما مي على مراتب متقدمة على مراتب إخوة مناضلين في تنظيم حركة فتح والشارع الوطني فإنه مبعث إطمئنان على تراجع الاعتبارات السلبية لصالح إعتبار واحد وهو تأمين فكرة النهوض بمستوى العمل الوطني في حركة فتح بروح جماعية تتجسد فيها العدالة والمساواة، وتنبعث فيها مبادئ التكامل بين الأجيال وتجديد الدماء بأصحاب التجارب الميدانية الناجحة.

عند كل مرحلة تؤكد حركة التحرير الوطني الفلسطيني جدارتها بالديمومة والتفاف الجماهير الفلسطينية حولها باعتبارها محور النضال الوطني الشعبي والسلمي، وفي صدر المواجهة مع منظومة الاحتلال وميليشيات المستوطنين الإرهابيين، أما كونها ركيزة البناء والتنمية في كل المسارات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية فنحن على يقين أن إزدواجية مفهوم مناضلي الحركة الصحيح والسليم لمعنى وأولويات التحرر والحرية تحت شعار الثورة حتى النصر والاستقلال هو الدافع الأساس لإحداث التغيير المطلوب في بنية المجتمع ثقافيًا واجتماعيًا لتحقيق هدف العدالة والمساواة بين الجنسين في مجتمع فلسطيني متحرر ديمقراطي متقدم، علمًا أن هذا الأمر كان وما زال محور عملية التثقيف التنظيمي في فتح منذ انطلاقتها وقد تبلور في كثير من المراحل والمواقع والمهمات.

تبعث نتائج انتخابات إقليم فتح في نابلس مؤشرات ايجابية على ما ستكون عليه الانتخابات العامة الفلسطينية القادمة، من حيث كثافة المشاركة والخيارات والاختيارات، حتى لو أخذنا بعين الاعتبار الفوارق في صيغة الانتخابات ما بين التنظيمية والعامة (التشريعية)، ففوز المرأة بجدارة واستحقاق من دون كوتا سيشجع الكثير من المناضلات على خوض تجربة الترشح أو ترشيحهن للانتخابات التشريعية، فالمناضلات اللواتي يملكن قدرات وتجارب وخبرة في معالجة قضايا الجمهور، وصياغة مستقبل البلد بتشريعات عصرية، ويتمتعن إلى جانب أقرانهن المناضلين بما يكفي من العلم والمعرفة والثقافة القانونية، ولديهن الحضور الجماهيري الميداني والاجتماعي والتربوي سيساعدنا كثيرًا في تسهيل مهمة السلطة التشريعية الفلسطينية، آخذين بعين الاعتبار النجاح المميز للمرأة في سلطات الحكم الثلاث لدى دول العالم، والأهم من كل ذلك طبيعتها الإنسانية التي ثبتت نجاعتها في تطبيقات السلطة أيا كان نوعها أو صعوبة مهماتها، فالمنصب يحتاج لشخص مسلح بالعلم وصاحب إرادة قوية في تجسيد رؤاه الخلاقة، ومبدع، وكل ذلك في قلب عامر بعاطفة إنسانية تسمى المحبة.