في احتفال الأمم المتحدة باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، خاطب الرئيس أبو مازن من على منصة هذا الاحتفال، المجتمع الدولي داعيًا إياه إلى تمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه غير القابلة للتصرف، وأنه قد آن الأوان لذلك "بوجود الإجماع الدولي، ورفض سياسات الضم الاستعمارية والقهر والحصار". كما دعا الرئيس في كلمته- التي ألقاها نيابة عنه مندوب فلسطين في الأمم المتحدة رياض منصور- الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش "للبدء وبالتعاون مع الرباعية الدولية، ومجلس الأمن في عقد مؤتمر دولي كامل الصلاحيات، وبمشاركة الأطراف المعنية كافة من مطلع العام القادم، بهدف الانخراط في عملية سلام حقيقية على أساس القانون الدولي، والشرعية الدولية، ومرجعيات عملية السلام بما يؤدي إلى إنهاء الاحتلال، ونيل الشعب الفلسطيني حريته واستقلاله".

آن الأوان- إذًا- لكي يتحرك المجتمع الدولي ومن خلال الأمم المتحدة، في هذا الاتجاه لأن المتغيرات القائمة على أكثر من صعيد، تسمح بهذا الحراك، وعلى نحو أن يكون فاعلاً، ولا شك أن الرئيس أبو مازن وهو يدرك أهمية هذه المتغيرات، وحقيقتها الواقعية، وأهمية الاجماع الدولي المبني على أساس حل الدولتين، فإنه يرى اللحظة الراهنة بسبب ذلك، لحظة مناسبة تمامًا، لتأكيد دعوته لعقد المؤتر الدولي للسلام، وعلى نحو من يطرق الحديد وهو ساخن.

من الضرورة هذا التوضيح كي ندرك أن الرئيس أبو مازن لا يكرر دعوته هنا، بل يؤكدها، لا في اللحظة المناسبة فحسب، وإنما أيضًا ليصل بالمجتمع الدولي الى قناعة راسخة، أن القضية الفلسطينية لن تجد لها حلاً عادلًا بعيدًا عن القانون الدولي، والشرعية الدولية وعبر مؤتمر دولي يكرس عملية سلام حقيقية، وليس ثمة إمكانية بعد الآن لتضييع المزيد من الوقت للإقرار بهذه الحقيقة.

وبلغة التحليل العلمي (وليسمح لنا بذلك الرفاق الماركسيون) فإن الحلقة المركزية للنضال الوطني الفلسطيني، في هذه المرحلة التي نسميها اللحظة الراهنة، التي تشهد وستشهد متغيرات كبرى، هي التي تفرض تصعيد الحراك السياسي، بأهدافه الوطنية، وثوابته المبدئية في ساحات العمل الدولية والاقليمية والعربية، وهذا ما يبين على نحو لا لبس فيه ما تقوم به فلسطين بقيادة الرئيس أبو مازن.

لن ننسى طبعًا أن الحلقة المركزية في مختلف مراحل النضال الوطني ستبقى هي الوحدة الوطنية التي عادت حركة حماس لتعطيل مسيرتها!! الكل الوطني يدرك أن وحدة وطنية صحيحة وفاعلة، لن تكون مع وجود الانقسام البغيض، هذا الذي ما زال له أصحابه، الذين لا يريدون له نهاية حفاظًا على ما يحقق لهم من مصالح شخصية، ليس بينها أيّة مصالح وطنية، ولا حتى اجتماعية، أو شعبية ولا علاقة لها بما يقولون عن المقاومة، وهؤلاء هم الذين يرفضون تفاهمات اسطنبول اليوم، وقد اعتبروا بالأمس الضفة الفلسطينية، جهة أجنبية يمنع الاستيراد منها!!  

ومرة أخرى نؤكد أن ما كان بالأمس في هذا الإطار ممكنًا، لم يعد كذلك اليوم، لأن فلسطين القضية والمشروع الوطني، والشرعية، باتت أوسع حضورا في ساحات المجتمع الدولي، وأكثر فاعلية وتأثيرًا، ومهما فعلت حركة حماس للهروب من هذا الحضور، لن يكون بوسعها في المحصلة أن تشكل بديلاً عن الشرعية الفلسطينية، ولا أن تستبدل بالمشروع الوطني، مشروع الإمارة الذي يعمل أصحابه اليوم على إسقاط تفاهمات اسطنبول جملة وتفصيلاً.

وبكلمات أخرى وأخيرة: عربة فلسطين بتطلعات وأهداف شعبها، وبشرعيتها الشجاعة والحكيمة، ماضية في طريقها نحو محطتها الأخيرة، حيث الحرية والاستقلال، ومن يتخلف عن هذه العربة لن يجد نفسه في النهاية إلا في مزبلة التاريخ.