لم يكن العرب بأحسن حال عندما تسلم دونالد ترامب الحكم في الولايات المتحدة، لذلك رأينا كيف رمى بعضهم نفسه في حضن هذا الرئيس، لاعتقادهم أنه يضمن استمرارهم في الحكم، وأنه يؤمن لهم الحماية. ونتيجة لكل ذلك فان الشرق الأوسط، ومعه واقع الأمة العربية قد اختلف كثيرًا، وأن ما تغير كان كبيرًا وخطيرًا لا يمكن إصلاحه بسهولة، أو العودة به لما كان عليه قبل الحقبة الترامبية.

أسابيع قليلة بعدها سيغادر ترامب البيت الأبيض، ويأتي الرئيس جو بايدن، والجميع بات يعرف اختلاف السياسات والتوجهات بين الاثنين، بما في ذلك ما يتعلق بمنطقتنا. فالسؤال: كيف سيواجه العرب بايدن؟ كما يمكن السؤال: كيف يمكن أن يتصرف الرئيس الأميركي الجديد مع العرب، والشرق الأوسط بعد كل هذه المتغيرات؟

في إطار هذه الأسئلة تحرك الرئيس محمود عباس وقام بزيارة الأردن ومصر، فالهدف هو محاولة لخلق محور عربي يمكن أن يتوسع ويتحدث مع بايدن بلغة التنسيق ووحدة في الموقف. ما يحتاجه العرب هو العودة لحالة التضامن، وأن يظهروا أن لهم رؤية سياسية موحدة في عدد من المسائل الهامة المتعلقة بأزمات المنطقة، وكيفية الخروج منها. ليس مطلوبًا الاتفاق والتوافق على كل شيء، أو أن نبدو مجمعين، بمعنى أن نحقق إجماعًا على كل القضايا، يكفي أن تكون أغلب الدول الرئيسية لديها رؤية مشتركة.

وعند السؤال أي من القضايا التي يمكن أن تحقق أكبر إجماع وتضامن؟ فإن القضية الفلسطينية  تقدم مرة أخرى الإجابة، خصوصًا أن لبايدن مقاربة مختلفة للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، فهو أميل للتعاطي مع القانون الدولي من سلفه، ومع احترام الأعراف والتقاليد في العلاقات الدولية، فالقضية الفلسطينية، وبالرغم من كل ما حصل من تغيرات وتطورات سلبية، فإنها تحقق القدر الأكبر من التضامن العربي، والعودة لظهور العرب كأمة.

والادعاء القائل ان هذه القضية لم تعد ورقة مهمة، أو أنها تآكلت في مكانتها الإقليمية والدولية، فهو إدعاء باطل، لأن كل جهود ترامب وعصابته كانت تصب لتحقيق هذا الهدف لكنهم فشلوا في تصفية القضية، أو إخضاع الشعب الفلسطيني. كما أن مكانة القضية تنبع أساسًا من ثبات الموقف الوطني وصمود الشعب الفلسطيني وتضحياته العظيمة، ما يجعلها عصية على الشطب والتصفية، اضافة لذلك فان مكانتها من مكانة العرب وقدرتهم على لعب دور متماسك على الساحتين الإقليمية والدولية، بما يعزز حضور الأمة والقضية الفلسطينية معًا.

صحيح أن واقع الأمة العربية الراهن ليس في أحسن حال، ولعله يتأرجح اليوم على حافات الهاوية، ولهذا فإن ما ينقذ العرب هو أن يعودوا ويتصرفوا كأمة، أن يكونوا عربًا وهويتهم عربية، البداية لهذه العودة يمكن أن تتم عبر العودة للقضية المركزية، واعتبارها مدخلاً لتحقيق الحد الأدنى في تصرفنا كأمة غير مرهونة لأحد، فلا يمكن أن ينقذ الأمة العربية ويؤمن لها الحماية إلا بالعودة لمنطق التضامن، وفلسطين هي البداية لكي نواجه بايدن وغير بايدن، برؤية واحدة فهذا هو التعبير عن القوة.

في الأسابيع الأخيرة بدأنا نسمع لغة مختلفة، بعد أن ذهب شبح ترامب، لغة عاد فيها الحديث يتزايد عن القضية الفلسطينية، هذا تطور إيجابي ولكن ليس كافيًا، ويمكن عقد اجتماع عربي موسع ليعود ويتبنى من جديد فلسطين كقضية مركزية، هذا التغير مهم ويحب ألا يتم بخجل أو بالمفرق، أنه مدخل أو محاولة كي يستعيد العرب أنفسهم قبل فوات الأوان.. فهل سيبادر العرب إلى ذلك؟