مواجهة جائحة الكورونا في العالم، كانت وستبقى مسؤولية جمعية، مسؤولية كل دولة وشعب ومؤسسة وإنسان، وهي مسؤولية كل الدول والشعوب المنظمات الأممية دون استثناء، وفي مقدمتها منظمة الصحة العالمية، التي ابلغتها إدارة ترامب الأميركية الانسحاب منها، ووقف تسديد الالتزامات المالية بدءًا من 6 تموز/ يوليو الحالي بذرائع واهية، وتستغرق عملية قطع العلاقات بينهما مدة عام، وبذلك تكون أميركا عزلت نفسها عن العالم في مواجهة الوباء الكوني، وهذا يشكل أول خروج على الجبهة العالمية الموحدة للقضاء على الجائحة، ويستدعي من إعادة أميركا لخنادق المواجهة من خلال الضغط على ترامب وإدارته الفاشلة، لأنه ما لم تتضافر جهود البشرية المخلصة لا يمكن الانتصار على التحدي الأخطر، والأكثر تأثيرًا على حياة البشرية برمتها.

وإذا حصرنا النقاش في جبهتنا الداخلية الفلسطينية، فإن المواجهة للجائحة ما زالت متواصلة، ولم تتوقف، بل زادت حدتها، حيث نقف الآن في خضم الصراع مع الموجة الثانية، التي بدأت أكثر شراسة وخطورة من الموجة الأولى، وطالت أعدادًا متزايدة من ابناء شعبنا في محافظات الوطن الشمالية كافة، ومحافظة الخليل خصوصًا، التي تحتل المرتبة الأعلى من المصابين، ووفق ما أعلنت وزيرة الصحة، مي الكيلة، فإنه بالنسبة والتناسب بين محافظة خليل الرحمن ونيويورك الأميركية، تكون المحافظة الفلسطينية تفوقت بأعداد المصابين.

ولو توقفنا أمام الأسئلة ذات الصلة بالأسباب والعوامل لتشخيص حدود المسؤولية عما حدث، ويحدث، وفاقم الوضع في أوساط الشعب، سيبرز أمامنا سؤال المسؤولية: مَن المسؤول عما حدث؟ ولماذا هذا الانتشار وبشكل دراماتيكي في عموم الوطن، وفي الخليل بشكل خاص؟ أين هي العلة؟ هل هي في السلطة الوطنية، أم في وزارة الصحة، أم في المواطنين، أم في الاستعمار الإسرائيلي؟ وكيف نواجه هذا التحدي وننتصر عليه؟ وما هي معايير النجاح هل تكمن في الإغلاق الكامل أم الجزئي أو في عدمه؟ وبالأساس هل هناك رؤية استراتيجية وطنية لمواجهة هذا التحدي؟ وهل هذة الخطة يمكنها النجاح دون الترابط مع المحيط العربي والإقليمي والعالمي؟

الأسئلة عديدة، وتبز ذاتها بمتوالية هندسية، وبالتالي لا داعي لطرح أكثر مما تقدم، لأنها العناوين الأساسية لمواجهة الموجة الجديدة والموجات الافتراضية القادمة. وإن توقفنا عند جادة الإجابة، نلحظ بمسؤولية عالية، أن القيادة وحكومتها بادرت من بداية ظهور وانتشار وباء "كوفيد 19" في آذار/ مارس الماضي (2020) في العالم، وإصابته مدينة بيت لحم باتخاذ الإجراءات الجدية، وأصدر الرئيس محمود عباس مرسومًا بإعلان حالة الطوارئ لمدة شهر، وتم إغلاق المدن، ومنع التحرك بينها، ووضع جملة من المعايير الصحية والأمنية والاجتماعية للحد من تفشي الفيروس في أوساط الشعب. وأعتقد أن تلك الإجراءات حققت نتائج إيجابية في بيت لحم تحديدًا وغيرها من المحافظات.

بيد أن الموجة الثانية، التي انتشرت بقوة في المحافظات الفلسطينية: الخليل، القدس العاصمة، نابلس، طولكرم، قلقيلية، رام الله والبيرة، أريحا، جنين، وسلفيت وطوباس، وإن بتفاوت، كان نصيب الخليل الانتشار الأعلى بينها جميعًا، تليها العاصمة الأبدية، تجاوزت حدتها وقوتها ما كان في الموجة الأولى، وبدا أن الوضع خرج للحظة عن السيطرة وتحديدًا في محافظة خليل الرحمن والجنوب عمومًا.

وكشفت الموجة الجديدة عن وجود خلل أساسي في عملية المواجهة عنوانها الأساسي، أولاً وجود الاستعمار الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية، الذي حال دون تنفيذ الخطة الوطنية العامة على أرض الدولة الفلسطينية بشكل مستقل، لأنه المسيطر على الأرض والسكان والطرق، كما أن التقسيمات للمناطق (A وB وC) حالت دون سيطرة الحكومة، أضف الى ذلك عدم السيطرة على الحدود والمعابر؛ ثانيًا عدم تقيد المواطنين بالبروتوكولات الطبية، التي عممتها وزارة الصحة على ابناء شعبنا، واستهتار قطاعات واسعة بتلك الإجراءات؛ ثالثًا تسيد المنطق العشائري والقدري، فضلا عن نفي قوى الفتنة والتخريب الدينية وجود الوباء من أصله، والتحريض على السلطة الوطنية، وهذا ما سعى اليه شيوخ الردة في حزب التحرير، وقاموا بترويجه، وأسبغوا على قرارات القيادة والحكومة الشجاعة طابع "المؤامرة" لتمرير عملية الضم؟! وعبر عملية التشويه والتحريض الجبانة للقوى المتواطئة مع الاستعمار الإسرائيلي، وعدم التقيد بالتعليمات الحكومية، ومواصلة الاختلاط، وإقامة حفلات الأفراح وبيوت العزاء... إلخ تم انتشار الوباء بطريقة جنونية، وقامت الحكومة بانتهاج سياسات جادة، ولكنها تجريبية في المحافظات المختلفة لوقف الجائحة، والحد من آثارها السلبية على المجتمع؛ رابعًا عدم تقيد المواطنين في المحافظات الأخرى بالإجراءات الحكومية؛ خامسًا العمال الفلسطينيون، الذين يعملون في سوق العمل الإسرائيلية، كانوا أيضًا عاملاً مساعدًا؛ سادسًا الانفتاح التام بين المحافظات، وبين المحافظات وأبناء جلدتنا في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، ما ضاعف من التداعيات السلبية؛ سابعًا وجود نواقص في الخطة الوطنية، الأمر الذي يفرض على جهات الاختصاص إعادة نظر فيما أفرزته الموجة الثانية من آثار غير مسبوقة؛ ثامنًا ضرورة تنسيق الخطة الإستراتيجية مع المحيط العربي والإقليمي والعالمي وتحديدًا منظمة الصحة العالمية، حتى تكون المواجهة للفيروس ضمن الكل الإنساني.