ليس لأنَّ القدس عاصمة دولة فلسطين، ودرّة تاجها، وسدرة المنتهى في مشروعها الوطني التحرري، لا يمكن لنا، شعبًا ورئيسًا وقيادةً وحكومةً وقوى وفصائل، أن نتخلّى عنها، أو أن نساوم عليها، ولا نقبل، ولن نقبل أن تكون صفقة، لا في أسواق الرئيس الأميركي، الصهيونية، ولا في غيرها، ذلك ليس لأنَّها كذلك فحسب، وإنّما لأنها مسؤوليتنا الإيمانية لحراستها، والدفاع عنها، والحفاظ عليها، باحةً للصلوات، ودارًا للمحبة والتسامح والسلام، بحكم أنّها مدينة الإطار الكوني التي باركها الله وما حولها، وبحكم أنّنا نحن الذين "على الدين ظاهرين" حتى يأتينا أمر الله، طبقًا لحديث لرسول الكريم، محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا ما يؤكّد مسؤوليتنا الإيمانية لحراسة القدس، كمثل تكليف سماوي.

 

والقدس هوية روحنا، وكتاب تاريخنا، وحقيقة وجودنا، لنا صخرتها المباركة، التي حلّقت لتحلق بركب الرسول محمد (ص) في رحلته المعجزة إلى السماوات العلى، ولنا دروبها التي مشى فيها المقدس، عيسى المسيح عليه السلام، حاملًا صليبه، وتاج الشوك يدمي جبهته الطيبة، ليكون فاديًا للبشرية كلها، ولنا بواباتها السبع، دلالة على تفتحنا على جهات الأرض من حولنا، ومن الأقصى، وقبة الصخرة، إلى كنيسة القيامة، يمتد حضورنا المتنور بالتآخي والتلاحم الوطني والاجتماعي، وحيث الدين لله، والوطن للجميع.

 

لن تكون القدس غيرها، ولا تعرف ولن تعرف سوى أهلها، لا هؤلاء "المارون بين الكلمات العابرة"!!

 

القدس أوسع في المعنى من مدينة، وأكبر في المعنى ذاته من مكان، إنّها الأيقونة التي ترنو إليها المدن جميعًا من مشارق الأرض ومغاربها، وحيث الناس يأتونها من كل فج عميق، حجّاجًا، وسعاة على دروب الإيمان حيث هي دروب التحرر والحرية.

 

القدس علامتنا، والدالة علينا، والكلمات التي تروي حكايتنا، والحاضرة التي تؤكّد تحضرنا، ثُمَّ هي المستقبل الذي لنا بدولتها الحرة المستقلة، ولهذا وبصوت شعبنا الفلسطيني وهو يسند صوت قائده، وبأوضح الكلمات وأبسطها، وبالفم الملآن: القدس ليست للبيع، ولن تكون كذلك أبدًا.