إذا شئنا أن نبتعد قليلاً عن لغة السياسة، إلى لغة الأدب بكناياتها ومجازاتها واستعاراتها، نرى شأن فلسطين، شأننا، كمثل شأن اليمامة بنت كليب، الموصوفة بالشجاعة والجرأة، كواحدة من أبرز فارسات العرب، والتي رفضت أن تبيع دم أبيها بصلح لا يداوي جراح الفقد والفجيعة، فكانت حرب البسوس التي يقول بعض الرواة العرب أنَّها استمرّت أربعين عامًا.

وها هي فلسطين، الرواية والأمثولة والواقع، ومنذ أكثر من سبعين عامًا، وهي ترفض بيع دم أبنائها، وخفض سقوف أحلامها وتطلُّعاتها، والمساومة على حقوقها المشروعة، وأهدافها العادلة، وسبعين عامًا ويزيد وهي في الصراع المكلف، لكنَّه الذي لم يرهبها يومًا، ولم يكسر لها إرادة، حتى في أصعب لحظات الصراع، وفي أشدِّ لياليه حلكة، خاصةً وفرسانها قد أخرجوها من "رماد النكبة إلى تجسيد العودة"، وقد استعادت هُويّتها الوطنية، وامتلكت قرارها الوطني المستقل، وحضورها بين الأُمم، بممثِّلها الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية، لا كقضية إنسانية ومظلمة تاريخية فحسب، وإنِّما أولاً كقضية حق وحقوق مشروعة، لا تقبل أنصاف الحلول، ولا ترضى بتسويات السلعة في اقتصاد السوق.

هذا ما لا تدركه حتى اللحظة الإدارة الأميركية بفريقها المتصهين الذي لا يفكِّر كثيرًا في التاريخ، ولا يعرف منه سوى خرافات أساطيره التي ما أنزل الله بها من سلطان، فتتوغّل هذه الإدارة، بهذا الفريق، في دروب الوهم التي لا تزال تصوِّر لها، أنَّ قضية فلسطين سلعة يمكن بيعها في إطار ما يعرف السوق من أحابيل الصفقات التجارية!!

لا تدرك هذه الإدارة التي قادتها الإنجيلية الصهيونية ذات يوم للحرب على العراق للبحث عن يأجوج ومأجوج (!!) مثلما كشف ذلك الإعلامي الفرنسي الشهير "جون كلود موريس"، في كتاب له صدر مؤخرًا في باريس، والذي وُصِف بأنّه كتاب مثير للذهول، نقول: لا تدرك الإدارة الأميركية، ولن تدرك، معنى اليمامة بنت كليب، ولا معنى اليمامة فلسطين في الكناية التي تلزم رؤية هذا المعنى، فذهبت إلى "المنامة" لتعقد ورشة تسويق لبضاعتها الفاسدة، التي تُطلِق عليها اسم (صفقة العصر)، ستلوِّح بالمليارات وحتى ليس من خزائنها، على وهِم أنَّ ذلك بوسعه أن يخدعنا، وأن يوهمنا كي ندخل السوق ونتاجر بقضيتنا، وهذا في الواقع ليس أكثر من حلم إبليس بالجنة، لأنَّنا لن نرضى بالذهب كلِّه، مقابل قطرة دم واحدة سالت على ثرى فلسطين من أجل انتصار قضيتها العادلة، وإذا كنا نعرف أنَّ استضافة المنامة للورشة الأميركية لا علاقه له بموقف الشقيقة البحرين، الداعم للحقوق الفلسطينية المشروعة!! غير أنَّنا لن نقبل بالورشة التي ستكون هناك ولا بأيٍّ من نتائجها فلسنا من الذين يبيعون الحقيقة ليشتروا الوهم، والموقف والقرار هو موقف اليمامة على هذه الصورة أو تلك، لأنَّه بالقرار الوطني الفلسطيني المستقل، والإرادة الوطنية الحرة، ستذهب صفقة العصر ومعها مشروعها الاقتصادي "مشروع الوهم والخديعة" إلى الجحيم، وهذا ما أكَّده الرئيس أبو مازن، بمنتهى الوضوح والحسم. وهذا يعني بعد كلِّ قول إنّه لا أحد يقرِّر مصير فلسطين ومستقبلها، ولا أحد يمكنه التحدث باسمها وبِاسم شعبها سوى ممثِّلها الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية.
#إعلام_حركة_فتح_لبنان