عاجلاً وليس آجلاً، يلتقي ممثِّلو النظام الإقليمي العربي ملوكًا وأمراء ورؤساء وقادة في مكة المكرمة، في قمتَين واحدة خليجية وأخرى عربية أوسع من الخليجية، والبند الوحيد المطروح على القمتين عبر تفاصيل نوعية كثيرة، هو إصدار رسالة واضحة لا لبس فيها، بأنَّ العرب جميعهم بمَن فيهم المختلفون قليلًا، يرفضون هذا الانقلاب الإيراني الواسع على المعايير المحترمة التي تؤكِّد سلامة أمن المنطقة التي تُعتبر إيران جزءًا منها، وأنَّ العرب جميعهم يرفضون من أيِّ أحد، سواء كان جارًا إقليميًا مثل إيران، أو (إسرائيل)، أو صديقًا دوليًا مثل أميركا ترامب، أن تخوض حربًا ضد العرب بالوساطة، أي تُحرِّك جماعات صغيرة تابعة لها لتقوم بإلحاق الأذى بدول المنطقة العربية، كما حدث مؤخَّرًا في الاعتداءات على منصات ضخّ البترول في السعودية أو الهجوم على ناقلات النفط في الموانئ الإماراتية.
لكنَّ المعركة التي يخوضها أعداؤنا ضدَّ وجودنا واستقرارنا ومصالحنا كأُمّة أوسع من ذلك بكثير، وهُم يحاولون أن يخوضوا المعركة ضد المنطقة من داخل المنطقة، هكذا أوفر لهم، وهكذا أكثر فعالية لهم، والمثال الصغير التافه على ذلك، أنَّ )إسرائيل( التي نجحت إلى حدٍّ كبير في صناعة الانقسام الفلسطيني الذي تورَّطت فيه "حماس" عام 2007، ومن وقتها وهي تعبد الانقسام ولا شيء غيره، كما أنّ (إسرائيل) نجحت في توليد حزب جديد في الأول من هذا الشهر، وهو حزب الإصلاح والتنمية، ظهر أول مرة في مستعمرة إسرائيلية، ثُمّ ظهر في عدة مستعمرات، ثُمَّ أعلن عنه في الخليل "كما قال الكاتب عمر الغول في مقاله الأخير"، ولا نعرف أين سينتهي به المآل سوى الفشل المطبق والموت الزؤام، فالوطنية الفلسطينية أعمق وأعظم من ذلك بكثير، وما فعلته جماعة الحزب الجديد "الإصلاح والتنمية" لا يُذكَر قياسًا إلى ما فعله خونة وساقطون آخرون في دول أخرى عربية وأجنبية، بعضهم عندما هزم المستعمر هربوا معه، وبعضهم لم يجد ما يحترفه بعد زوال الاحتلال سوى المهن المخالفة للشرف الإنساني، فاحذروا أيّها الصغار، فإنّ غضب شعبنا هو جزء من غضب الله وإنَّ غضبه لعظيم!!!
ولكنَّ عدونا لا يكتفي بهذه الصغائر، بل يسعى تحت مظلة ترامب أميركا إلى خيانات من العيار الثقيل، فقد خطَّط وقرَّر أن يعقد اجتماعًا أو مؤتمرًا أو ورشة عمل في المنامة العاصمة البحرينية الجميلة، المنامة لا لها ولا عليها، دورها ينحصر بالضيافة فقط، وبالترحيب بالطريقة العربية بالمشاركين.
السؤال هو: هل تنجح مكة المكرمة، التي أسرى رسولنا العظيم منها إلى المسجد الأقصى في القدس، فهل تنجح مكة المكرمة التي هي في رباط أبدي مع القدس، أن ترسل ضوءها إلى المنامة في البحرين؟؟ لو نجحت مكة في إيصال نورها، فقد تعتذر المنامة عن استضافة مؤتمر لا تعرف عنه شيئًا، وفي الإمكان أن تعتذر، فالطرف الرئيس الثاني في المعادلة وهو الشعب الفلسطيني، لن يذهب، لن يشارك، ولم يكلِّف أحدًا بأن يتحدَّث باسمه، ولا يطلب من أحد أن يوشوشه بالأسرار التي يهمس بها الأعداء، فقد خرجوا من مرحلة الهمس والوشوشة، إلى مرحلة البوح والصراخ، فهل ذلك يمكن أن يحدث، وما زال الوقت متاحًا، ومازال القرار ممكنًا؟
ثم إنَّ الطرف الذي يقف وراء اجتماع المنامة، وهو ترامب، وإدارة ترامب، وصِبية ترامب، فعلوا أقصى ما يمكنهم مسبقًا، فتبرَّعوا بالقدس لصالح (إسرائيل)، شطبوا حل الدولتين من التداول، وأوقفوا المساعدات بشكل مهووس، وشنوا ضد "الأونروا" الحرب الضروس، وقطعوا حتى المساعدات عن المستشفيات في القدس، فماذا تبقّى لهم؟؟؟
أميركا استضعفتنا كفلسطينيين، وترامب المقدم على العزل، ومن العزل إلى محاكمات وسجون، يريد أن يهرب من الذي يفتح له أشداقًا لابتلاعه، يريد أن يهرب من المصير الأسود عبر الانقضاض على الشعب الفلسطيني.