أصدرت مؤسسة الائتلاف من أجل النزاهة والشفافية - "أمان" تقريرها السنوي لحصيلة عام 2018، والذي جال على العديد من مفاصل المجتمع الفلسطيني، وعمل المؤسسات الرسمية، وجاء في الفقرة المتعلقة بـ "تعيينات العقود على إجراءات التعيين الرسمية" ما يلي: استمرت ظاهرة تعيين موظفي العقود في المؤسسات الرسمية الوزارية وغير الوزارية دون إجراءات، أو رقابة كافية من ديوان الموظفين العام للتحايل على الالتزام بمبدأ تكافؤ الفرص (...) ففي هيئة الإذاعة والتلفزيون بلغ عدد موظفي العقود (1055) موظفًا في نهاية عام 2017بتكلفة رواتب بلغت 10,8 مليون شيقل".
غير أنّ هيئة الإذاعة والتلفزيون تؤكِّد أنَّ عدد موظّفي العقود خلال عشرة أعوام لم يزد عن 317 موظفًا، الأمر الذي أثار استياءً في أوساط القائمين عليها، ومطالبتهم مؤسسة المجتمع المدني (NGO’s) "أمان" العمل على الآتي: أولاً؛ تصويب معلوماتها الخاطئة والمبالغ فيها؛ ثانيًا الاعتذار للهيئة والقائمين عليها خصوصًا وللشعب؛ ثالثًا الاعتذار لديوان الموظفين العام، الذي أساء له التقرير، وغمز من قناته، لأنّ ما ورد يتنافى مع الحقائق الدامغة لدى هيئة الإذاعة والتلفزيون، ومع دور هيئات الرقابة المالية، وآليات التوظيف المعمول بها في ديوان الموظفين العام.
للأسف لم تستجب مؤسسة "أمان" لما تقدم، وأصرت على موقفها المغالط للحقيقة، ونشرت ردا على موقعها تقول فيه الآتي: "بالنظر غلى البيان الصادر عن الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون بخصوص مطالبة ائتلاف أمان بالاعتذار عن نشره معلومات بخصوص موظفي العقود في الهيئة تدعي بأنها مغلوطة، وبالإشارة إلى ما يبدو أنّه حملة إعلامية منظمة تنفذها الهيئة وبعض وسائل الإعلام الرسمية والصحفيين العموميين ضد الائتلاف، وبالتدقيق في المعلومات المُعترض على صحتها؛ فإنَّ الائتلاف يود التنويه إلى أن ما ورد في بيان الهيئة غير دقيق ويتنافى مع النص المكتوب في تقرير واقع النزاهة ومكافحة الفساد 2018 الذي يستند إلى تقارير ومعلومات موثّقة".
يلاحظ من الرد الوارد أعلاه الآتي: أولاً؛ ترفض الاعتراف بالخطأ؛ ثانيًا تعتبر أنَّ مطالبة هيئة الإذاعة والتلفزيون "غير دقيق"، وتتمسَّك بمعلوماتها وتقريرها؛ ثالثًا تدعي أنّ هناك حملة تستهدف المؤسسة المذكورة من قبل كتاب الرأي، مع أنّ ما عرضه بعض الكتاب، الذين سبقوني بالكتابة عن الموضوع يناقش المعطيات المتناقضة، وطالبوا المؤسسة بتوخي الدقة، وتصويب معلوماتها، ومساعدة الشعب في الوصول للحقيقة، كما هي، دون تضخيم أو مبالغة، وبالتالي دون تحريض على الهيئة وديوان الموظفين والحكومة والسلطة عموما. لأن قيمة أية رقابة ونزاهة تكمن في دقة المعلومات، ومن ثمّ الاستنتاجات المرتبطة بها. وهذا ما افتقد له تقرير المؤسسة، كما حصل مع وزارة المواصلات، حين ادّعت المؤسسة في تقريرها، أن عدد السيارات المشتراة يبلغ (5500) سيارة، وفي الحقيقة وفق معطيات الوزارة المعنية بلغ العدد (1500)، مما إضطر المؤسسة "أمان" للاعتذار، لكنها تجد حرجا في الاعتذار لهيئة الإذاعة والتلفزيون خشية فقدانها المصداقية، ويكشف كوامن الخلل البنيوي في مركبات عملها، وإنشاء تقاريرها المجانبة للصواب في بعض مفاصلها.
وإذا لجأنا لجادة الأسئلة، التي يمكن طرحها على القائمين على مؤسسة الائتلاف من أجل النزاهة والشفافية، يمكن طرح الآتي: أين المشكلة في الاعتراف بالخطأ؟ هل هناك ما يعيب مؤسسة يفترض أنّها قامت "من اجل النزاهة والشفافية"، وخدمة المصالح الشعبية الاعتذار، والاعتراف بالحقيقة؟ وما هي المعايير والأسس الناظمة لتقارير المؤسسة؟ هل تعتمد على التخمين، أو على السمع حول، أم على تقديرات افتراضية وهمية، أم على التقارير الدقيقة من جهات الاختصاص؟ وهل عادت المؤسسة لهيئة الإذاعة والتلفزيون لاستقصاء المعلومات منها، أم لجأت لديوان الموظفين العام، أم لإسقاطات القائمين عليها الرغبوية؟ ولماذا في تقريرها حول وزارة المواصلات وهيئة الإذاعة والتلفزيون ضاعفت العدد 300%؟ ما هي الحكمة من وراء ذلك؟ وما هي مصلحة المؤسسة؟ هل ذلك يعزز مكانتها لدى الجهات الممولة لها؟ ومن هي الجهات الممولة للمؤسسة المذكورة؟ وهل الاعتراف بالخطأ ينتقص من مكانتها، ويهز ثقة الممولين لها بها؟ ولماذا لا تراقب المؤسسة "أمان" على نفسها، وعلى آليات الصرف لرواتب القائمين عليها؟
لا أحد في المؤسسة الرسمية بطولها وعرضها ضد النقد والرقابة، وتسجيل المخالفات، وتصويب الأخطاء والنواقص، وحماية حقوق ومصالح الشعب، لأن دافع الضرائب، هو الإنسان الفلسطيني، ومن حقه ان يعرف اين يذهب المال العام. ولم يقف اي مسؤول لتعطيل، أو عرقلة عمل جهات الرقابة مجتمعة ومنفردة، ليس خشية منها، ولا من أية جهة رقابية، أو أي جهة خاصة مثل "أمان" انتدبت نفسها للرقابة، ولكن حرصا من المسؤولين على الشفافية والنزاهة في عمل الوزارات والمؤسسات، التي يقفون على رأسها. ولأن الجميع يعمل وفقا لمبدأ "الثقة جيدة، ولكن الرقابة أفضل"، لأنها تحمي المسؤول والموظف والشعب في آن، وتساعد الجميع في محاربة الفساد، والظواهر الخاطئة في جسم المؤسسة الرسمية، وهو أحد أهداف الحكومة والسلطة الوطنية عموما.
وعطفًا على ما تقدم، فإنه على مدار سنوات عمل المؤسسة المذكورة (والتي أعطاها بعض المتنفذين سابقا في الجسم الحكومي دورا رقابيا يتجاوز موقعها ووظيفتها وقدراتها لأهداف لا يعلمها سوى الله والمعنيين بذلك) قامت وزارات ومؤسسات الحكومة والسلطة بفتح الأبواب أمامها، فضلاً عن أنَّ وزارة المالية تضع موازنتها العامة على صفحتها للجميع دون مداراة، أو خشية من المساءلة، وتحت رقابة الجميع. ما يضع علامة سؤال كبيرة على نزاهة وشفافية تقارير المؤسسة المذكورة أعلاه.
بالنتيجة العلمية، ودون تحريض، أو استهداف للقائمين على مؤسّسة الائتلاف من أجل النزاهة والشفافية، ورغبة من الجميع بتوفير المناخ المناسب للرقابة الموضوعية والمسؤولة، مطلوب من الائتلاف الاعتذار علنا، وبشكل صريح لهيئة الإذاعة والتلفزيون، ولديوان الموظفين وللحكومة وللشعب على حد سواء، وتحمل مسؤولية الخطأ، الذي وقعت فيه، حماية لمكانتها ودورها الرقابي، وتعزيزا للثقة المتبادلة بينها وبين المؤسسات والوزارات، وأيضًا لإعطائها مصداقية أكبر وأعلى أمام الجهات المموّلة لها. فهل تفعل، وتكف عن سياسة العناد، وركوب الرأس، والتشبُّث بالخطأ؟ الأمر متروك لها.