لا يكف جيسون غرينبلات مبعوث الرئيس الأميركي للمنطقة عن الثرثرة، وإلقاء الأحكام على الذات الأميركية والآخرين،خاصة القيادة الفلسطينية الرافضة لصفقة القرن، ويواصل التبشير والتضليل للرأي العام العربي والعالمي، والإيحاء بأن ما تحمله خطتهم "صفعة العصر" أمر غير مسبوق في محاكاة العملية السياسية الفلسطينية الإسرائيلية؟ وان القيادة الفلسطينية ستخسر عمرها لعدم استعدادها التوقيع على ورقةاستسلام بيضاء للإدارة الأميركية، وما ستقترحه عليها في الصفقة.
ومن غير مناقشة اية فكرة اثارها غرينبلات في حواره مع مجلة "المجلة" قبل ايام، أو ما طرحه امام منبر مجلس الأمن يوم الخميس الماضي الموافق 9 مايو/ أيار الماضي (2019)، نتوقف في محطة السؤال الموجه له: بعد اعتراف الرئيس دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل في 6 ديسمبر/ كانون أول 2017، ونقل السفارة الأميركية من تل ابيب إلى القدس في مايو/ ايار 2018، وإغلاق القنصلية الأميركية المقامة منذ 1844 المقامة في القدس لمتابعة مصالح الأميركيين مع الشعب العربي الفلسطيني، وبعد الإصرار على عدم رفع منظمة التحرير من قوائمكم السوداء، باعتبارها جزءا من "منظمات الإرهاب"، وبعد عدم منح ممثلية منظمة التحرير مكانتها الدبلوماسية، التي تستحق وفقا للمعايير الدبلوماسية الدولية، وبعد مطاردة وملاحقة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، وقطع المساعدات الأميركية عنها، وبعد قطع المساعدات عن موازنة السلطة الوطنية، وبعد قطع المساعدات عن المستشفيات الفلسطينية في القدس، وبعد الدعم والتطابق مع خيار نتنياهو وائتلافه اليميني طيلة فترة ولايته في الحكومة الرابعة، وخاصة التصفيق لقانون "الأساس للدولة اليهودية" العنصري والبغيض المصادق عليه بتموز/ يوليو 2018، الذي يتنكر لكل حقوق الفلسطينيين، وبعد الاعتراف بضم الجولان لإسرائيل، وبعد الاستعداد للاعتراف بسيطرة إسرائيل على الأغوار الفلسطينية والمستعمرات الإسرائيليةالمقامة على اراضي دولة فلسطين المحتلة عام 1967، وبعد ملاحقة الحقوق والمصالح الوطنية الفلسطينية في المنابر الأممية، ومطاردة الدول الداعمة لها، وبعد الانسحاب من اليونيسكو ومن لجنة حقوق الإنسان الأممية الداعمة للحقوق الفلسطينية؟ بعد كل ذلك، وبعد ان تمسخ وتستبيح انت ورئيسك وإدارتك- المتصهينة والفريق الصهيوني الذي تمثله- الحقوق والمبادئ الأساسية لمرتكزات عملية السلام، وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وبعد ان تشطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الأممي 194، ومبادرة السلام العربية، هل تسمح ان تقول لاي فلسطيني، أو إنسان من اية دولة من دول العالم عادي عن اية صفقة تتحدث؟ وما هي الإبداعات، التي تحملها هذة الصفقة، التي سيخسر الرئيس عباس ورفاقه انفسهم، وسيقعون أسرى "خطيئة تاريخية" إن لم يوقعوا على وثيقة استسلام لكم ولإسرائيل المارقة والخارجة على القانون؟ هل تحمل صفقتكم المشؤومة مثلا حدودا للدولة الفلسطينية في الجو؟ بعد كل الذي وافقتم عليه، وأعلنتم عنه، ماذا بقي من الدولة الفلسطينية؟ هل بقيت الأموال؟ وهل الأوطان تباع بالأموال؟ هل بإمكانكم بيع ولاية من الولايات المتحدة لروسيا أو الصين، أو حتى لإحدى الدول الحليفة لكم، وأقربها بريطانيا، أو إسرائيل ذاتها مثلا؟
ولماذا تصر انت وإدارتك على لي عنق الحقيقة، من المعتدي والمستعمر، إسرائيل أم المنظمات الفلسطينية، التي أسميتها؟ وكيف تستطيع قلب الحقائق دون ان تفكر، ولمجرد الدفاع عن إسرائيل الاستعمارية؟ أليس الشعب العربي الفلسطيني يا قارئ مبادرة السلام العربية، هو المتنازل تاريخيا عما تضمنه قرار التقسيم الدولي 181 الصادر في 29 تشرين ثاني/ نوفمبر 1947، وهو المادّ يده لصناعة السلام؟ أليست القيادة الفلسطينية هي ذاتها الباحثة والطارقة لكل الأبواب من اجل صناعة سلام الشجعان؟
غرينبلات القوي قد يستطيع في لحظة من لحظات التاريخ قلب الحقائق، وقد يملي ارادته لحين، ولكن الشعوب الضعيفة والمتمسكة بحقوقها، والمصممة على الدفاع عن مصالحها وثوابتها العليا، لا يمكن ان تموت، ولا يمكن لاي عدو مهما بلغ جبروته وقوته، ان يفنيها، أو يذوب حقوقها بالأسيد، او بالجرافات والقنابل والصواريخ والطائرت والأموال، كلها تزول وتندثر، ويبقى الشعب وحقوقه، والحق والتاريخ والعدالة النسبية تنتصر، وسيحكم التاريخ على دونالد ترامب وعلى فريقه، الذي انت منه بالعار والجريمة، وسيعيد محاكمتكم حتى بعد رحيلكم عن الدنيا، وصفقتكم ستموت، كما ماتت كل المؤامرات السابقة عليها.