تتزايد الدلائل يومًا بعد يوم، أنَّ الظروف الداخلية والخارجية المحيطة بالرئيس ترامب وحليفه بنيامين نتنياهو ليست سهلة، وليست طوع أمرهما كما يدعيان، وكلا الرجلين ترامب ونتنياهو يريدان الإفلات من تهديدات السقوط، وانفتاح المساءلات القضائية، والخوف من السجن الذي ينتظرهما إذا فقد أحدهما موقعه، نتنياهو يريد أن يبقى مختبئًا في مكتب رئيس وزراء إسرائيل، وحليفه ترامب يريد أن يبقى لفترة رئاسية ثانية في المكتب البيضاوي داخل البيت الأبيض، واعتمادهما المطلق يقع على عاتق صفقة القرن، فهذه الصفقة الملعونة الشيطانية تعطي نتنياهو أكبر هدايا سوداء لم يكن يحلم بها، القدس، المستوطنات المشرعنة، هوس ضمَّ الضفة الغربية، توطين اللاجئين وإغلاق ملفهم التطبيع المجاني المفتوح في الفكر العربي، وترامب يحلم بأكثر من ذلك، إلغاء النظام الدولي، وإلغاء القانون الدولي، وإطلاق اسم الشرعية الدولية على الأفعال الشاذة التي يقوم بها ترامب في أميركا نفسها وفي العالم أجمع، ولكن ليس كل ما يحلم به المرء يدركه فالعالم يتغير، ببطء أحيانًا وبسرعة دراماتيكية أحيانًا أخرى، وكل الذين ادعوا أنَّهم قادرون على كل شيء واجهوا الهزيمة في نهاية المطاف.

نتنياهو الذي يتلقى الهدايا المجانية، وبالغ في احتفالات الفوز في الانتخابات قبل أيام يكتشف أنَّ شياطين الصهيونية الذين أيقظهم ويلعب بهم، تحت اسم تحالف اليمين الديني والعلماني ليسوا طوع بنانه، وليس في قدرته أن يشبع جوعهم الشاذ، لأنهم يريدون التهام كل شيء كل ما ادعوه في الخرافة اليهودية يريدونه مع إنَّهم جميعًا يعلمون أنَّهم ليسوا أكثر من نتيجة للعبة الأمم والقوى التي تستخدمهم منذ عام 1905 حين انعقد مؤتمر لندن، مؤتمر كامبل ليبرمان الذي دعا إليه حزب المحافظين البريطاني الذي يعاني هذه الأيام من ورطة وجودية !!!! فقد أكد ذلك المؤتمر الذي انتهى في عام 1907 إلى الاتفاق على تصورات للمنطقة العربية كيف تكون، وكيف التحكم في مصيرها، وثم الشروع بسرعة بتنفيذ ما اتفق عليه، فقامت الحرب العالمية الأولى، وظهر إلى الوجود سايكس بيكو لتقسيم أملاك الرجل المريض والامبراطورية العثمانية، وصدر وعد بلفور بزرع الجسم الصهيوني في قلب المنطقة وعلى حافة قناة السويس أهم شريان يخدم التجارة الدولية، ومن ثمَّ حصلت بريطانيا على تكليف بالانتداب بصفتها الدولة التي أنيط فيها تنفيذ المشروع الصهيوني، ومازالت العجلة مستمرة، بريطانيا حل بدلاً منها أميركا والصراع مفتوح إلى ما لا نهاية وصفقة القرن هي إحدى حلقات ذلك المخطط الأسود الرهيب.

وهنا يأتي الاعتراض الأسطوري الضخم الذي لم يكن يتوقعه أحد، وهو الشَّعب الفلسطيني رغم اعتراض المعسكر المعادي في التنفيذ إلى درجة هائلة فإن تشبث هذا الشعب بحقه فاق كل التوقعات رغم المرارة والألم وأنواع التراجيديا الباهظة، لكن شعبنا الفلسطيني ظلَّ هو السر الذي لا ينتهي، والانبثاق العظيم.

في الأيام الأخيرة بلغ التصعيد ذروته إسرائيل استعرضت قوتها، وأميركا استعرضت تأييدها لإسرائيل، عينة من عينات التهديد إذا لم تقبلوا بصفقة القرن فها انتم تعرفون ماذا سيحدث لكم! سقط المشهد المسرحي الهزلي، التهدئة، فالتهدئة بالمفهوم الإسرائيلي معناها القبول النهائي بالاحتلال وكما يريد هذا الاحتلال ليس شيئًا أخر، فهل التهدئة ممكنة؟؟؟؟ حتَّى و لو عزف نشيدها في الصباح والمساء هل هي ممكنة؟؟؟؟ رغم الخسائر الفادحة لكن شعبنا قال كلمته، دون الحق الفلسطيني لا سلام لأحد، دون الموافقة الفلسطينية لا مرور لأي صفقة، دون رضا وموافقة الطرف الفلسطيني الشريك الفلسطيني الإجباري فلن يمر أي شيء!!! و لكن كل هذه الصعوبات وهذه الحتميات، وهذه البديهيات تذهب بنا إلى حيث الحقيقة الكبرى نحن شعب واحد لنا قضية واحدة، ولنا هدف واحد هو زوال الاحتلال، الباب مفتوح لتحقيق الوحدة من الطبيعي أن نحقق الوحدة، وما عدا ذلك، فهو كله هراء في هراء.